لم يسر الاتحاد الأوروبي على سكة الموقف الأميركي، بشأن مستقبل رئيس النظام السوري، إذ رفض وزراء خارجية عدة دول بالاتحاد الأوروبي، اليوم الإثنين، خلال اجتماع لهم في لوكسمبورغ، أي دور لبشار الأسد في ختام المرحلة الانتقالية السياسية في سورية، وذلك رداً على ما بدا أنّه تحوّل في موقف واشنطن.
وشدد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على أنه "لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم في سورية مع النظام الحالي" برئاسة الأسد، كما اعتمدوا استراتيجية الاتحاد الأوروبي لسورية، التي تربط أي دعم أوروبي لإعادة إعمار البلاد بانتقال سياسي "كامل وحقيقي وشامل".
واعتبر الوزراء الثمانية والعشرون أن الهدف الاستراتيجي الأول للاتحاد الأوروبي هو "إنهاء الحرب من خلال انتقال سياسي حقيقي" لأنه "لا يمكن حل النزاع عسكريا"، كما جاء في نص البيان حول سورية الذي تم اعتماده خلال الاجتماع الوزاري في لوكسمبورغ.
وأكد المسؤولون الأوروبيون على أنهم واثقون من أن المؤتمر الدولي حول "دعم مستقبل سورية ودول المنطقة "، الذي ينظمه الاتحاد الأوروبي بالاشتراك مع الأمم المتحدة بعد غد الأربعاء في بروكسل، سيعزز الدعم الدولي لعملية التفاوض، التي ترعاها الأمم المتحدة وسيمكن من جمع المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين والمشردين.
وأقرّت الولايات المتحدة، الخميس الماضي، بأنّ رحيل الأسد لم يعد "أولوية" بالنسبة إليها، كما أعلنت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هالي، أنّ واشنطن تريد العمل مع تركيا وروسيا، لإيجاد حل سياسي على المدى الطويل في سورية، بدلاً من التركيز على مصير الأسد.
وينص البيان الأوروبي على أنه "فقط حل سياسي ذو مصداقية، على النحو المحدد في القرار 2254 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وإعلان جنيف لعام 2012 سوف يضمن استقرارا في سورية والسماح لهزيمة حاسمة لتنظيم (الدولة الإسلامية) والجماعات الإرهابية الأخرى".
واعتبر الاتحاد الأوروبي أنه من "غير الواقعي تماما" أن يظل بشار الأسد في السلطة ولكن على "السوريين أن يقرروا" بشأن مستقبلهم.
ويواصل الاتحاد الأوروبي "جمع المعلومات لاتخاذ الإجراءات القانونية في المستقبل، بما في ذلك التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، ضد جميع المسؤولين عن انتهاكات القانون الدولي"، وكذا "النظر في اتخاذ تدابير أكثر صرامة ضد سورية في حين استمر القمع"، كما جاء في البيان.
وشدد الأوروبيون على أنه فقط عندما يكون هناك انتقال "فعلي" يمكن تحديد "المساعدة الممكنة" لفترة ما بعد النزاع وربما أيضا مراجعة العقوبات الأوروبية المطبقة ضد سورية، إضافة إلى استئناف التعاون مع السلطات الانتقالية وتعبئة الأموال لدعم تكلفة إعادة الإعمار، التي يجب أن يساهم فيها بشكل فعال "خاصة" أولئك الذين "ساهموا في الصراع".
كما وعدوا أيضا بالعمل مع الحكومة السورية المؤقتة و"منع انهيار الجهاز الإداري للدولة" وزيادة المساعدة لتلبية احتياجات السكان في سورية والعمل على منع التطرف والطائفية.
وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، خلال اجتماع الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، اليوم الإثنين، وفق ما أوردت "فرانس برس"، إنّه "بعد ست سنوات من الحرب، يبدو من غير الواقعي تماماً الاعتقاد بأنّ مستقبل سورية سيكون تحديداً كما كان عليه في السابق. لكن يعود للسوريين أن يقرروا. هذا أمر واضح".
وأبرزت مواقف وزراء خارجية عدة دول بالاتحاد الأوروبي رفضهم مسألة غضّ النظر عن بقاء الأسد في السلطة، بحجة التركيز على قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في سورية.
وقال وزير الخارجية الهولندي، برت كوندرس، عند وصوله إلى الاجتماع، "كان لدينا على الدوام الموقف نفسه، لا أعتقد أنّ هناك مستقبلاً للأسد، لكنّ القرار يعود للشعب السوري".
بدوره، قال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت، إنّه يجب "حصول انتقال سياسي فعلي وعند انتهاء العملية السياسية وحين يتعلّق الأمر ببناء سورية المستقبل، لا يمكن لفرنسا أن تتصوّر للحظة أنّ سورية هذه يمكن أن يديرها الأسد، طالما أنّه يتحمّل مسؤولية في الوضع الراهن، أكثر من 300 ألف قتيل وسجناء وتعذيب وبلد مدمر، أعتقد أنّها مسألة الحس بالمسؤوليات".
وتخشى عدة دول من الاتحاد الأوروبي أن تستحوذ المعركة ضدّ "داعش" على كل اهتمام واشنطن، إلى حدّ إهمال المرحلة الانتقالية التي يجري التفاوض حولها برعاية الأمم المتحدة في جنيف.
وأضاف إيرولت "يجب أن يحصل انتقال سياسي، هؤلاء الذين نسوا ذلك يخدعون أنفسهم، لأنّه لن يكون هناك سلام دائم، بما يشمل مواجهة التهديد الإرهابي، في سورية بدون عملية سياسية".
من جهته، قال نظيره الألماني سيغمار غابريال، "لقد قلنا على الدوام إنّه يعود للسوريين أن يقرّروا من سيكون رئيسهم وأيّ حكومة ستكون لديهم، وأنّه من غير المجدي تسوية مسألة الأسد في البداية لأن ذلك سيقود إلى طريق مسدود".
ورأى أنّ "الولايات المتحدة أصبحت الآن تعتمد موقفاً أكثر واقعية من السابق"، بحسب قوله، مستدركاً "لكنْ هناك أمر غير مقبول، وهو أن يبقى ديكتاتور ارتكب مثل هذه الجرائم الرهيبة في المنطقة في منصبه بدون عقاب باسم التركيز على مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية. هذا الأمر لا يمكن أن يكون موقف أوروبا".
وعشية مؤتمر دولي حول المساعدة الإنسانية لسورية وإعادة إعمارها، يعقد في بروكسل، دعت الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي "كل الأطراف إلى احترام وقف إطلاق النار" المبرم في أستانة.
كما وجّهت دعوة إلى "روسيا وتركيا وإيران إلى أن تكون بمستوى التعهدات التي قطعتها بصفتها ضامنة لوقف إطلاق النار، من أجل ضمان تطبيقه الكامل" بحسب بيان صدر بعد اجتماع لوكسمبورغ.