بالأمس، اتفق مجلس العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، على وثيقة إطار حول التدابير التقييدية التي يعتزم الاتحاد اتخاذها بحق تركيا بسبب أنشطتها التنقيبية في شرق المتوسط.
ووصف بيان المجلس، فعاليات التنقيب التي تجريها تركيا في شرق المتوسط، بأنها ليست قانونية، متوعداً بفرض تدابير تقييدية للأشخاص والمؤسسات المسؤولة عن فعاليات التنقيب غير القانونية في شرق المتوسط، على حسب تعبير البيان.
وأشار البيان من بروكسل، إلى أن التدابير تتمثل في فرض حظر سفر إلى بلدان الاتحاد وتجميد الأصول المالية للأشخاص والمؤسسات المعنية، كما لن يتم تحويل أموال من بلدان الاتحاد الأوروبي، إلى الأشخاص والمؤسسات المُدرجين في لائحة التدابير التقييدية.
ولم يتأخر الرد التركي، إذ أكدت أنقرة عبر وزارة الخارجية، أنه لا جدوى من تمني خضوع أنقرة للتهديدات، وتراجعها عن حقوقها في شرق البحر الأبيض المتوسط، بل إن تركيا أكدت مرارا وبشدة أنها لن تتخلى عن حماية حقوقها النابعة من القانون الدولي، وحقوق ومصالح جمهورية شمال قبرص التركية في شرق المتوسط، رغم كل الخطوات غير المفهومة للاتحاد الأوروبي.
وأضاف البيان أن تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية بذلتا منذ عام 2004، جهودًا حسنة النية من أجل تحويل ثروات الهيدروكربون في شرق المتوسط إلى عنصر استقرار لا توتر، مبينًا أنهما كانتا دائمًا الطرف الذي قدم كل المبادرات البناءة والإيجابية.
ووصف البيان موقف الاتحاد الأوربي بأنه "وقح حيال دعوات تركيا لاحترام الحقوق السيادية والمشروعة لها وجمهورية شمال قبرص التركية منذ عام 2004"، مؤكداً أن "تركيا ستواصل أنشطة البحث والتنقيب بنفس الزخم، ولن تسمح باغتصاب حقوقها".
وبحسب مراقبين، يأتي التصعيد الأوروبي الأخير، بعد إعلان وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز قبل أيام، أن سفينة "الفاتح" تستعد لاستئناف أعمال التنقيب في البحر الأبيض المتوسط بناء على ترخيص من جمهورية شمال قبرص التركية.
يقول المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو إنه لا يمكن لتلك "المناورات" الأوروبية أو حتى الأميركية قبلها، أن تثني تركيا عن حقوقها بالنقيب واستخراج الغاز من مياهها الإقليمية مياه قبرص التركية".
وأضاف أن "تركيا أكدت وهي مصممة على أن أنشطة التنقيب عن الموارد الهيدروكربونية في شرق المتوسط، هي حقها ووفق القانون الدولي، ولها بعدان رئيسيان، الأول حماية حقوقها في جرفها القاري، وحماية حقوق القبارصة الأتراك الأصحاب المشتركين للجزيرة، إذ لهم نفس الحقوق في الموارد الهيدركربونية بالجزيرة".
وفي حين يعتقد كاتب أوغلو أن ذلك يشكّل تصعيداً من الاتحاد الأوروبي، إلا أن هذا التصعيد لن يدفع تركيا للتردد، هذا إن لم نتحدث عن تبادل الحاجة والمصالح، وحاجة الأوروبيين أكثر، سواء ما يتعلق بنقل الطاقة والغاز أولاً ومن ثم ملف اللاجئين الذي لوح به الرئيس التركي أخيراً.
ويضيف المحلل التركي لـ"العربي الجديد" أنه حتى لو فعّلت الدول الأوروبية العقوبات، وهي أصلاً ليست ذات أهمية وتأثير، فتركيا ماضية بالتنقيب وتحصيل حقوقها وحقوق قبرص الشمالية، لأن الأمر لا يقتصر على الطاقة، بل يتعلق بالسيادة التركية بالبحر المتوسط وقبرص الشمالية و "لا يمكن أن تتخلى تركيا عن حقوقها وعن شمال قبرص، كما أنها لن تمد يدها إلى حقوق الآخرين".
من جهته، قال محمد كامل ديميريل، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول، لـ"العربي الجديد" إن تركيا أعلنت عدم التنازل عن حقوقها الاقتصادية، ولا يمكن تطبيق أي اتفاق من دون موافقتها وتحصيل حقوق قبرص الشمالية".
ويشير ديميريل إلى أن بلاده رسمت حدودها ولا تقبل باتفاق ترسيم الحدود الذي حدث عام 2013 لأنه تم بعيدا عن حضور ومشاركة تركيا وقبرص الشمالية، كما أن ذلك الترسيم قفز على حقوق تركيا بما يسمى الجرف القاري التركي عند خطوط الطول 32، و16، و18 درجة. رغم أن لتركيا سواحل مطلة على شرق المتوسط وهي صاحبة السيادة عليها وفق القانون الدولي والاتفاقات الموقعة بعد عام 1923، ولتركيا اتفاقات مع إنكلترا التي كانت تسيطر على قبرص عام 1953.
وكان الاتحاد الأوروبي، وبالتزامن مع عثور سفينة "فاتح" التركية للتنقيب على احتياطي 170 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي شرقي المتوسط، قد فرض في أغسطس/آب الماضي عقوبات على تركيا ، بعد إطلاع مسؤولي الاتحاد الأوروبي في جزيرة قبرص اليونانية، الدول الأعضاء في الاتحاد على عثور السفينة التركية على احتياطي الغاز.
وتضمنت العقوبات الأوروبية "اقتطاع جزء من الأموال التي يقدمها الاتحاد لتركيا قبل انضمامها للكيان الأوروبي، ومراجعة أنشطة البنك الاستثماري الأوروبي للإقراض في تركيا"، فضلاً عن تعليق المحادثات الجارية بين تركيا والاتحاد بخصوص اتفاقية الطيران، وعدم عقد مجلس الشراكة، واجتماعات أخرى رفيعة المستوى تجري في إطار الحوار بين الاتحاد وتركيا".
وتوعد مجلس العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي وقتذاك، بأنه "في حال مواصلة تركيا أعمال التنقيب عن الهيدروكربون، فإن الاتحاد سيعمل على وضع خيارات لمزيد من التدابير" لأن عمليات التنقيب التي تقوم بها تركيا شرق المتوسط، "غير شرعية".