لا يجيد الشباب الجزائري في كثير من الأحيان، سوى غلق الطريق بالمتاريس والعجلات المطاطية -للاحتجاج والتعبير عن مطالبه-، أمام السيّارات والمركبات وخنق حركة السير، ما يستدعي في أغلب الأحيان تدخّل عناصر الأمن لتفريق المحتجين.
تتكرّر يوميًا عمليات قطع الطرق العمومية، منها الوطنية والولائية أيضًا، في مختلف مناطق الوطن من قبل شباب وجدوا في هذه الطريقة عملية سهلة لإيصال مطالبهم للمسؤولين المحليين ومحاولة إجبارهم على الخروج من مكاتبهم وسماع أصواتهم، غير آبهين للأضرار التي يمكن أن تسبّبها عملية قطع الطريق للمواطنين الذين يجدون أنفسهم عالقين في الازدحام لساعات طويلة.
خسائر فادحة
أظهرت حادثة وفاة سيّدة تعاني من قصور كلوي، مطلع الشهر الجاري، بسبب غلق الطريق من قبل شباب وسكان منطقة تادمايت بمحافظة تيزي وزو (شرق البلاد)، حجم الأضرار التي تسبّبها هذه الطريقة للمواطنين الذين يعتبرون أن الاحتجاجات أسوأ ممّا يمرّون به اليوم.
وكان سكّان المنطقة قد قاموا بغلق الطريق الوطني رقم 12، الرابط بين مدينتي بومرداس وتيزي وزو، وسط الجزائر، وهو ما تسبّب في وفاة السيّدة البالغة من العمر 76 سنة داخل السيارة بعدما علقت في الاختناق المروري وتعذّر وصولها إلى مركز تصفية الدم بتيزي وزو.
وأثارت هذه الحادثة سخط الجزائريين الذين استنكروا الاحتجاج بقطع الطرقات بالمتاريس، والتسبّب في وفاة المرضى ومنع سيارات الإسعاف والحماية المدنية من الوصول إليهم، حيث كادت اليوم امرأة حامل في اليوم نفسه أن تفارق الحياة بعدما وضعت مولودها في الطريق الذي ظل مغلقًا لمدّة أربع ساعات كاملة وامتدّ الازدحام عبره إلى أكثر من 17 كلم كاملة.
احتجاجات بعض الشباب تستهدف غلق الطرق العامة التي تشهد حركة سير كبيرة، واختيار منطقة لا توجد بها طرق فرعية تجنبيّة، وهو ما ينتج عنه اختناق مروري حاد، يتسبّب في تأخير الموظفين والعمال عن الوصول إلى مقرّات عملهم والطلاب عن الالتحاق بالمقاعد الدراسية وأحيانًا يفوتون امتحاناتهم أو المسافرين الذين يفوتون مواعيد رحلاتهم. وفي هذا الشأن يتحدّث الشاب سليمان زايدي لموقع "جيل": "في اليوم الذي كنت متوجهًا به إلى مدينة عنابة، شرق الجزائر، من أجل إيداع ملف الفيزا، تمّ غلق الطريق وعلقت في الازدحام ساعة كاملة وانتظرت شهرين كاملين من أجل تجديد الموعد". ويضيف سليمان: "التدخّل لفتح الطريق لا يكون سريعًا، في النهاية المواطنون هم من يدفعون الثمن".
الاحتجاج على كل شيء
تتعدّد أسباب غلق الطرق من قبل الشباب في الجزائر لتشمل الاحتجاج على كل شيء، غير أن أكثر الأسباب هي المطالب الاجتماعية التي تعتبر تسويتها من مهام السلطات المحليّة للمناطق المعنية. فيغلق الشباب الطريق للمطالبة بربط منطقتهم بالغاز الطبيعي، أو تزويدهم بالماء الصالح للشرب، أو للاحتجاج عن انقطاع الماء والكهرباء، يغلقون الطرق أيضًا للمطالبة بالنقل المدرسي أو إقامة مطبّات أمام المدارس للتقليل من السرعة وتفادي صدم الأطفال أو تعبيد الطرق الفرعية، ويقطعون الطرق احتجاجًا عن ندرة المواد الغذائية وارتفاع الأسعار وغيرها.
يحدث الاحتجاج لأسباب سياسية كذلك، ففي شهر أبريل/ نيسان الماضي قام شباب قرية تيبوعلامين بولاية بجاية، (شرق الجزائر)، بغلق الطريق الوطني رقم 9 لمدّة ساعتين كاملتين، للمطالبة بتكثيف عمليات البحث عن أحد المرشّحين للانتخابات التشريعية المدعو سعيد جودر بعد اختفائه قبل أن يتمّ العثور عليه مقتولًا.
وتكثر عمليات غلق الطرق عند ظهور قوائم المستفيدين من السكن الاجتماعي، فيحتجُّ المقصيّون ويتهمون اللجان المعنية بالتلاعب في القوائم. وتشمل الاحتجاجات أيضا القرارات القضائية، حيث لجأت مجموعة من شباب في بلدية الدبيلة بالوادي إلى غلق الطريق بسبب قرار تحويل ثلاثة متهمين على محكمة الجنايات ووضعهم رهن الحبس المؤقت في 21 يوليو/ تموز الماضي. وهنا يسخر الشاب علي في حديث إلى موقع "جيل": "أصبح كل من يشعر بصداع خفيف يقوم بغلق الطريق، سئمنا هذا الوضع، في اليوم الواحد تجد ثلاثة طرق مغلقة في وجهك".
ماذا يستفيدون؟
يسعى الشباب من خلال خلق اختناق مروري إلى إجبار السلطات والمسؤولين الذين رفضوا استقبالهم على سماع أصواتهم وانشغالاتهم، والأهم من ذلك التكفّل بحلّها وتسويتها ويصرّون على المطالبة بحضور المسؤول المعني إلى عين المكان من أجل فتح الطريق؛ كحضور والي الولاية أو رئيس الدائرة، إلا أن الأمر يجري عادة عكس ما يتوقّعون، حيث يقوم عناصر الدرك الوطني بالتدخّل ومحاولة التحاور مع المحتجين من أجل فتح الطريق وفي حال رفضهم تتمّ الاستعانة بفرق مكافحة الشغب لتفريق المحتجّين وإبعادهم عن الطريق وإزالة الحاجز. ويعتمد الشباب في عملية غلق الطريق على حرق عجلات مطاطية ووضع حاجز من الحجر بأحجام كبيرة وقطع الأشجار.
تنتهي عملية فتح الطريق وتعود حركة السير إلى حالتها الطبيعية ويغلق ملف الاحتجاج وكأن شيئًا لم يحدث، عندما يتعلّق الأمر بقضايا مثل قوائم السكن أو التوظيف أو الأحكام القضائية أو مطالب التزوّد بالغاز والكهرباء، وربّما المطلب الوحيد الذي يحقّقه السكان بمجرّد غلقهم للطريق هو المطالبة بوضع مطبّات أمام المدارس والأحياء السكنية لإجبار السائقين على تقليل السرعة. هنا يقول يحيى متحدثًا إلى موقع "جيل": "بعد كل حادثة سير يخرج السكان يقطعون الطريق يطالبون بوضع مطبّ جديد، وفي اليوم التالي يحققون لهم مطلبهم وهكذا نجد عشرات المطبّات في كل مكان، حتى أصبح الأمر تقليدًا".
متابعة المتورّطين
في العادة تنتهي القصّة هنا، بينما في حال حدوث أعمال شغب وتسجيل إصابات يتمّ التحقيق في هوية المتورّطين ومتابعتهم قضائيًا، إذ تعتبر عملية قطع الطريق العمومي من قبل مجموعة من الأشخاص للاحتجاج بهدف الضغط على السلطات، جريمة في قانون العقوبات الجزائري، ويعاقب بالسجن المؤقت من خمس سنوات إلى عشر سنوات وبغرامة من 500.000 دينار جزائري إلى 1.000.000 دينار، كل من وضع شيئًا في طريق أو ممرّ عمومي من شأنه أن يعيق سير المركبات، أو استعمال أي وسيلة لعرقلة سيرها وكان ذلك بقصد التسبّب في ارتكاب حادث أو عرقلة المرور أو إعاقته.