تفوح روائح الجبن الذائب داخل الكعك على الفحم وعرانيس الذرة والفول على عربات باعة متجوّلين أنهكتهم الأوضاع الاقتصادية، ووجدوا مصدر رزق جديداً لهم في وسط بيروت، حيث يتجمع يومياً تقريباً آلاف المتظاهرين المحتجين على فساد الطبقة الحاكمة وعجزها عن حل الأزمات المعيشية المزمنة.
يتوافد الباعة إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح بدءاً من السادسة من بعد ظهر كل يوم، أي في الوقت الذي يبدأ فيه تدفق المشاركين في الاحتجاجات غير المسبوقة المتواصلة في البلاد منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر.
يقول البائع الجائل ابراهيم إن "الثورة أصبحت بالنسبة إلينا مصدر رزق جديداً، وفي الوقت نفسه نتظاهر مع الناس"، في إشارة إلى تأييده لمطالب الحراك الشعبي.
ويبيع إبراهيم الكعك يوماً والذرة والفول في يوم آخر. يراقب من بعيد المكان الذي خبّأ فيه أغراضه خوفاً من أن تكتشفها القوى الأمنية وتصادرها، لأن وقوف العربات في المكان ممنوع.
ويروي الشاب، لـ"فرانس برس" أنه يعمل أصلاً في تركيب الجبس في ورش البناء، ويقول: "انتقلنا إلى هنا لنعمل مع بدء الاحتجاجات، بعدما لاحظنا وجود أعداد كبيرة من الناس. هذا أفضل من البقاء من دون عمل"، مشيراً إلى أن عمله تراجع كثيراً منذ أشهر، جراء ركود يشهده قطاع البناء.
اضطر إبراهيم، المسؤول وحده عن والدته المريضة بعد وفاة والده، إلى ترك الدراسة عندما كان في البكالوريا ليسعى وراء لقمة العيش.
اقــرأ أيضاً
ويقول: "ليس لدى والدتي ضمان اجتماعي ولا ضمان شيخوخة، وأنا أمضي سنوات عمري أدفع مصاريف طبابة وأدوية".
على بعد عشرات الأمتار، تعلو هتافات "الشعب يريد إسقاط النظام" و"ثورة! ثورة!"، ما يُنذر بوصول مجموعات من المتظاهرين، يهرع إبراهيم إلى مخبئه ويخرج البضاعة ويبدأ البيع، موضحاً أن القوى الأمنية تتوقف عن تسيير دوريات عندما تزدحم الساحات.
عربة الثورة
على مقربة من المكان، يتجمّع كثيرون حول "عربة الثورة"، كما يسمّيها صاحبها، فيطلب أحدهم ذرة مع عصير الليمون وفلفل حار، فيما يفضّل آخر الفول.
ويوافق بائع الذرة والفول عماد حسن سعد (29 عاماً) الذي يوقف عربته عادةً على كورنيش عين المريسة في غرب بيروت، على أن الاحتجاجات باتت "مصدر رزق جديداً"، مؤكداً أن "المبيع هنا أكثر، لأن كثافة الناس أكثر".
ويساعد عماد ثلاثة شبان، لتلبية طلبات الزبائن: أحدهم يقشر حبات الليمون، ويقوم الثاني بتقطيعها بسرعة على لوح خشبي، أما الثالث، فيسحب عرانيس الذرة من ماء مغلي موضوع في قدر كبير على نار قوية، ويُعدّ الأطباق ويقدمها إلى الزبائن.
ويقول إبراهيم إن كل بائع "يجني ما يراوح بين 50 و60 ألف ليرة يومياً (بين 35 و40 دولاراً أميركياً) إذا كان المبيع جيداً"، مشيراً إلى أنه يرضى بهذا الربح القليل ليؤمن مصاريفه.
وتؤكد المتظاهرة فريال شمص (52 عاماً)، وقد لفّت وشاحاً بألوان العلم اللبناني حول رقبتها، قائلةً: "أنا أشجعهم، لأن أحداً لا يعرف" الظروف المعيشية التي يعانون منها.
تحمل المتظاهرة دانا زيات (21 عاماً) طبق فول بيديها وتقول: "تجمُّع الناس فرصة لهؤلاء الشباب ليتمكنوا من العمل، ولو لفترة موقتة".
وتضيف صديقتها جنى خزعل: "هذه الثورة فتحت مجالاً للعمل للشباب الفقراء الذين لم تُتح لهم فرصة التعلّم أو غير القادرين على استئجار محلّ".
أوضاع معيشية صعبة
ويكثر خصوصاً في الساحة بائعو الكعك، والكعكة طعام الفقير في لبنان. على الرغم من ذلك، لم يكن أحدهم قادراً على بيع ما يكفي لتأمين قوته قبل "الثورة".
ويروي بائع كعك، رافضاً الكشف عن هويته، أنه "في اليوم الأول للاحتجاجات كان بحوزتي كعك وتنقلت في مناطق عدة، لكنني لم أتمكن من بيعها، فنصحني أصدقائي بأن أحاول بيعها في وسط بيروت، وهكذا فعلت والحمد لله لا نزال نعمل".
خلف طاولةٍ بلاستيكية يقف ليلبي طلبات الزبائن. يسأل عن نوع الجبن الذي يريدونه في الكعكة، ويشكو البائعون معاملة القوى الأمنية لهم، حتى في موقع بيعهم الرئيسي في عين المريسة.
ويروي أحد الشباب العاملين على العربة، رفض الكشف عن اسمه، أن السلطات تحظّر عملهم، لأن العربات غير قانونية وقد حُرِّر 270 محضر ضبط بحقّه، يبلغ قدر كل واحد منها نحو 450 ألف ليرة لبنانية (300 دولار أميركي)، مشيراً إلى أنه يحتاج إلى عشرين يوم عمل متواصلة لدفع مخالفة واحدة.
ويقول بائع نرجيلة يملك محلاً لبيع خدمة النرجيلة في منطقة الروشة في غرب بيروت، وانتقل أخيراً إلى ساحة الشهداء، إنه يُخرج نراجيله ويبدأ بالعمل في وقت متأخر مساءً لتجنّب أن تصادرها القوى الأمنية، مضيفاً أنه سيعود إلى محله الرئيسي عندما "ترحل الطبقة السياسية".
واعتاد بعض المتظاهرين المصرّين على مواصلة تحركهم حتى تحقيق مطالبهم، بعد الهتافات وإقامة حلقات رقص وغناء لتأكيد سلمية تحركهم، الجلوس في ساحات الاعتصام وتدخين النرجيلة، وتناول الطعام، وأحياناً لعب الورق لتمضية الليل في المكان.
وتجمّع عدد من الشباب والشابات حول امرأة مسنّة، تجلس على الأرض وتضع أمامها وروداً حمراء للبيع. يسألونها عن أسباب وجودها حتى وقت متأخر في وسط العاصمة، فتجيب بصوت خافت إن الفقر والعوز دفعاها إلى القدوم إلى هنا، آملةً إيجاد مصدر رزق أفضل.
تخبر السيدة ذات الوجه الشاحب والجسد النحيل، عن ظروفها المعيشية الصعبة ووضع منزلها المتهالك في منطقة الكولا في بيروت، وتمدّ يديها الضعيفتين لتبيان الجروح التي أصيبت بها جراء غسل الثياب، إذ إنها لا تملك غسالة.
يتحمس الشباب من حولها لمساعدتها، يعرضون عليها الحلول، فيما لا تتمكن متظاهرة من منع دموعها. تتوجه المرأة للشباب حولها بالقول: "الفقير في هذا البلد يجب أن يموت".
(فرانس برس)
يتوافد الباعة إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح بدءاً من السادسة من بعد ظهر كل يوم، أي في الوقت الذي يبدأ فيه تدفق المشاركين في الاحتجاجات غير المسبوقة المتواصلة في البلاد منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر.
يقول البائع الجائل ابراهيم إن "الثورة أصبحت بالنسبة إلينا مصدر رزق جديداً، وفي الوقت نفسه نتظاهر مع الناس"، في إشارة إلى تأييده لمطالب الحراك الشعبي.
ويبيع إبراهيم الكعك يوماً والذرة والفول في يوم آخر. يراقب من بعيد المكان الذي خبّأ فيه أغراضه خوفاً من أن تكتشفها القوى الأمنية وتصادرها، لأن وقوف العربات في المكان ممنوع.
ويروي الشاب، لـ"فرانس برس" أنه يعمل أصلاً في تركيب الجبس في ورش البناء، ويقول: "انتقلنا إلى هنا لنعمل مع بدء الاحتجاجات، بعدما لاحظنا وجود أعداد كبيرة من الناس. هذا أفضل من البقاء من دون عمل"، مشيراً إلى أن عمله تراجع كثيراً منذ أشهر، جراء ركود يشهده قطاع البناء.
اضطر إبراهيم، المسؤول وحده عن والدته المريضة بعد وفاة والده، إلى ترك الدراسة عندما كان في البكالوريا ليسعى وراء لقمة العيش.
ويقول: "ليس لدى والدتي ضمان اجتماعي ولا ضمان شيخوخة، وأنا أمضي سنوات عمري أدفع مصاريف طبابة وأدوية".
على بعد عشرات الأمتار، تعلو هتافات "الشعب يريد إسقاط النظام" و"ثورة! ثورة!"، ما يُنذر بوصول مجموعات من المتظاهرين، يهرع إبراهيم إلى مخبئه ويخرج البضاعة ويبدأ البيع، موضحاً أن القوى الأمنية تتوقف عن تسيير دوريات عندما تزدحم الساحات.
عربة الثورة
على مقربة من المكان، يتجمّع كثيرون حول "عربة الثورة"، كما يسمّيها صاحبها، فيطلب أحدهم ذرة مع عصير الليمون وفلفل حار، فيما يفضّل آخر الفول.
ويوافق بائع الذرة والفول عماد حسن سعد (29 عاماً) الذي يوقف عربته عادةً على كورنيش عين المريسة في غرب بيروت، على أن الاحتجاجات باتت "مصدر رزق جديداً"، مؤكداً أن "المبيع هنا أكثر، لأن كثافة الناس أكثر".
ويساعد عماد ثلاثة شبان، لتلبية طلبات الزبائن: أحدهم يقشر حبات الليمون، ويقوم الثاني بتقطيعها بسرعة على لوح خشبي، أما الثالث، فيسحب عرانيس الذرة من ماء مغلي موضوع في قدر كبير على نار قوية، ويُعدّ الأطباق ويقدمها إلى الزبائن.
ويقول إبراهيم إن كل بائع "يجني ما يراوح بين 50 و60 ألف ليرة يومياً (بين 35 و40 دولاراً أميركياً) إذا كان المبيع جيداً"، مشيراً إلى أنه يرضى بهذا الربح القليل ليؤمن مصاريفه.
وتؤكد المتظاهرة فريال شمص (52 عاماً)، وقد لفّت وشاحاً بألوان العلم اللبناني حول رقبتها، قائلةً: "أنا أشجعهم، لأن أحداً لا يعرف" الظروف المعيشية التي يعانون منها.
تحمل المتظاهرة دانا زيات (21 عاماً) طبق فول بيديها وتقول: "تجمُّع الناس فرصة لهؤلاء الشباب ليتمكنوا من العمل، ولو لفترة موقتة".
وتضيف صديقتها جنى خزعل: "هذه الثورة فتحت مجالاً للعمل للشباب الفقراء الذين لم تُتح لهم فرصة التعلّم أو غير القادرين على استئجار محلّ".
أوضاع معيشية صعبة
ويكثر خصوصاً في الساحة بائعو الكعك، والكعكة طعام الفقير في لبنان. على الرغم من ذلك، لم يكن أحدهم قادراً على بيع ما يكفي لتأمين قوته قبل "الثورة".
ويروي بائع كعك، رافضاً الكشف عن هويته، أنه "في اليوم الأول للاحتجاجات كان بحوزتي كعك وتنقلت في مناطق عدة، لكنني لم أتمكن من بيعها، فنصحني أصدقائي بأن أحاول بيعها في وسط بيروت، وهكذا فعلت والحمد لله لا نزال نعمل".
خلف طاولةٍ بلاستيكية يقف ليلبي طلبات الزبائن. يسأل عن نوع الجبن الذي يريدونه في الكعكة، ويشكو البائعون معاملة القوى الأمنية لهم، حتى في موقع بيعهم الرئيسي في عين المريسة.
ويروي أحد الشباب العاملين على العربة، رفض الكشف عن اسمه، أن السلطات تحظّر عملهم، لأن العربات غير قانونية وقد حُرِّر 270 محضر ضبط بحقّه، يبلغ قدر كل واحد منها نحو 450 ألف ليرة لبنانية (300 دولار أميركي)، مشيراً إلى أنه يحتاج إلى عشرين يوم عمل متواصلة لدفع مخالفة واحدة.
ويقول بائع نرجيلة يملك محلاً لبيع خدمة النرجيلة في منطقة الروشة في غرب بيروت، وانتقل أخيراً إلى ساحة الشهداء، إنه يُخرج نراجيله ويبدأ بالعمل في وقت متأخر مساءً لتجنّب أن تصادرها القوى الأمنية، مضيفاً أنه سيعود إلى محله الرئيسي عندما "ترحل الطبقة السياسية".
واعتاد بعض المتظاهرين المصرّين على مواصلة تحركهم حتى تحقيق مطالبهم، بعد الهتافات وإقامة حلقات رقص وغناء لتأكيد سلمية تحركهم، الجلوس في ساحات الاعتصام وتدخين النرجيلة، وتناول الطعام، وأحياناً لعب الورق لتمضية الليل في المكان.
تخبر السيدة ذات الوجه الشاحب والجسد النحيل، عن ظروفها المعيشية الصعبة ووضع منزلها المتهالك في منطقة الكولا في بيروت، وتمدّ يديها الضعيفتين لتبيان الجروح التي أصيبت بها جراء غسل الثياب، إذ إنها لا تملك غسالة.
يتحمس الشباب من حولها لمساعدتها، يعرضون عليها الحلول، فيما لا تتمكن متظاهرة من منع دموعها. تتوجه المرأة للشباب حولها بالقول: "الفقير في هذا البلد يجب أن يموت".
(فرانس برس)