تواصل روسيا خطوات تكريس احتلالها سورية عبر العمل لإيجاد قاعدة عسكرية دائمة هناك، وذلك بعدما رفع مسؤولوها نبرة تهديداتهم وتحديهم للإرادة الدولية والولايات المتحدة خصوصاً، فيما الأخيرة تقف من دون القيام بأي تحرك لوضع حد للصراع السوري. في المقابل تبدو الدبلوماسية الفرنسية الوحيدة التي تتحرك للوقوف في وجه الغطرسة الروسية، إثر قيام موسكو باستخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي لمنع تبني قرار فرنسي- إسباني يدعو إلى هدنة في حلب لتسهيل وصول المساعدات إلى المحاصرين. أما المعارضة السورية فلا تجد أمامها وسيلة إلا استمرار الدعوة لتحرك دولي ينقذ سورية ويوقف عمليات التغيير الديمغرافية القائمة من النظام وحلفائه. وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت أمس الإثنين، أن باريس تعكف على إيجاد سبيل يُمكّن ممثلة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية من فتح تحقيق في جرائم حرب في سورية. وقال إيرولت لإذاعة فرانس إنتير: "هذا القصف يمثّل جرائم حرب، وهذا يشمل كل المتواطئين في ما يحدث في حلب، بمن فيهم زعماء روسيا". ولمّح إلى أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد لا يستقبل نظيره الروسي فلاديمير بوتين أثناء زيارته المقررة إلى باريس في التاسع عشر من الشهر الحالي.
وتواجه روسيا حملة انتقادات دولية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في العلاقات الدولية، إذ باتت في نظر المجتمع الدولي عامل تأزيم ودفع للصراع في سورية إلى مستويات تُنذر بقيام حرب، وعامل تهديد للسلم العالمي برمته. ورأى سفير الائتلاف الوطني السوري في روما بسام العمادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الروس خائفون"، مشيراً إلى أن النبرة العالية في تصريحاتهم تؤكد ذلك، مضيفاً: "هم كلاعب البوكر الذي يملك أوراقاً ضعيفة، ويقامر بكل ما لديه". وأشار العمادي إلى أن الأميركيين "يريدون زيادة التورط الروسي في سورية"، موضحاً أن موسكو ليست على مستوى واشنطن عسكرياً واقتصادياً. وفي حين استبعد تدخلاً عسكرياً أميركياً كبيراً في سورية، رجّح قيام واشنطن بتزويد المعارضة السورية المسلحة بأسلحة، أو السماح لدول أخرى بدعمها، مضيفاً أنه "حتى لو تدخلت الولايات المتحدة عسكرياً سيكون هذا التدخل رمزياً".
من جهتها، لم تجد المعارضة السورية بدّاً من اعتبار إيران وروسيا دولتي احتلال بعد قيام الأخيرة بخطوات تؤكد أنها باتت الوصي على نظام الأسد، وأن سورية أصبحت بمثابة "حديقة خلفية" للكرملين. ودقت المعارضة ناقوس الخطر على مستقبل سورية وهويتها واستقلالها، إثر تصاعد عمليات تهجير ديمغرافي، تلعب إيران الدور الكبير فيها بالتعاون مع نظام الأسد وروسيا. وقال المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية، سالم المسلط، في مؤتمر صحافي أمس الإثنين في الرياض، إن نظام الأسد يقوم بعمليات تغيير ديمغرافي تُشكّل خطراً على وحدة البلاد، مشيراً إلى أن نظام الأسد وحليفيه الروسي والإيراني نسفوا العملية السياسية من خلال اتباع سياسة الأرض المحروقة، خصوصاً في حلب.
وأكد المسلط في بيان الهيئة الذي تلاه في اختتام اجتماعات لها في الرياض، أن المعارضة السورية "بذلت جهوداً من أجل توفير مناخات لإنجاح العملية السياسية، منها إعداد وثيقة للحل، وقيام المنسق العام للهيئة رياض حجاب، وأعضاء في الهيئة بعدة جولات خارجية من أجل دفع العملية السياسية"، مشيراً إلى أن جرائم الحرب التي يقوم بها النظام السوري وحلفاؤه، واستخدام الروس الفيتو ضد قرار فرنسي يدعو إلى إدخال مساعدات للمحاصرين في حلب، أدى إلى انسداد الأفق أمام العملية السياسية.
واعتبرت الهيئة روسيا وإيران دولتي احتلال، مشيرة إلى بطلان كل الاتفاقيات التي أبرمها النظام معهما، مطالبة الجامعة العربية بالتدخل وتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك من أجل حماية استقلال البلاد، مناشدة "المجتمع الدولي والدول الشقيقة والصديقة توفير متطلبات الصمود للسوريين وتزويدهم بما يمكنهم من الدفاع عن أنفسهم وصيانة وحدة وطنهم واستقلاله".
وطالبت الهيئة بانعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل حماية السوريين من خلال تفعيل مبدأ "الاتحاد من أجل السلام" بعد أن أثبت الفيتو الروسي شلل مجلس الأمن الدولي. ودعت لإحالة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية والفوسفورية والحارقة والبراميل المتفجرة، وغيرها من الأسلحة المحرمة دولياً، وارتكاب عمليات القتل الجماعي وقصف المستشفيات والمنشآت والتعليمية واستهداف عاملي الإغاثة، إلى محاكم مختصة، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
وأعلن المسلط رداً على أسئلة الصحافيين، أن المعارضة السورية لم تتلق أي أسلحة مضادة للطيران، مؤكداً أن الحل السياسي خيار المعارضة السورية الاستراتيجي على أساس جنيف 1، مضيفاً: "لكن من حق السوريين الدفاع عن أنفسهم".
ورأى مراقبون أن الفيتو الروسي يكبّل مجلس الأمن، الذي لم يعد بإمكانه إصدار قرارات ملزمة من شأنها ردع نظام الأسد وحلفائه، ولم يبق أمام المعارضة السورية إلا اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتفعيل قرار "الاتحاد من أجل السلم الذي تم اعتماده في الأمم المتحدة عام 1950، وكان له دور في الحرب الكورية (1950 – 1953)". وفي هذا السياق، دعا العمادي في حديثه لـ"العربي الجديد" الهيئة العليا للمفاوضات إلى العمل على تفعيل هذا القرار في الأمم المتحدة من خلال إرسال وفود إلى الدول الفاعلة للمطالبة بعقد اجتماع استثنائي للجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ قرار يعادل قرارات مجلس الأمن من حيث القوة التنفيذية، مضيفاً أن "هذا الأمر يتطلب عملاً دبلوماسياً قوياً، وليس مطالبة شفهية فقط". وأوضح العمادي أن القرار يشير إلى أنه في حال عدم تمكّن مجلس الأمن من مباشرة مسؤوليته الرئيسية في حفظ السلام والأمن الدولي، "تنظر الجمعية العامة في المسألة على الفور بهدف تقديم توصيات مناسبة إلى الأعضاء من أجل اتخاذ تدابير جماعية، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة في حالة الإخلال بالسلم أو وقع عمل من أعمال العدوان، وذلك لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه". وينص القرار على أنه "إذا لم تكن الجمعية العامة منعقدة في ذلك الوقت، فيمكن أن تُعقد في دورة استثنائية طارئة خلال أربع وعشرين ساعة من تلقي طلب بعقد مثل هذه الدورة، إذا ما طلب عقدها سبعة أعضاء في مجلس الأمن، أو أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة".