لم يعد مصنع "الشرق الأوسط" للأدوية في غزة المحاصرة، قادراً على العمل بكامل طاقته الإنتاجية، نتيجة المنع الإسرائيلي المتكرر لدخول المواد الكيمائية، التي تدخل في صناعة الأدوية والمستحضرات الطبية، والتي تقوم الشركة بإنتاجها منذ تأسيسها أواخر العام 1999، بسبب الذرائع الأمنية الإسرائيلية.
وتعاني الشركات والمؤسسات العاملة في مجال الصناعات الدوائية وتوريد المستلزمات الطبية في القطاع، من الممارسات الإسرائيلية، المتمثلة في منع دخول المواد الأولية المكونة للأدوية، وإرجاع المعدات وعدم السماح لها بالمرور عبر معبر كرم أبو سالم التجاري الذي يربط القطاع بالأراضي المحتلة عام 1948، وهو ما يكبد هذه المؤسسات خسائره مالية باهظة.
ويقول المدير العام لمصنع "الشرق الأوسط" للأدوية، الطبيب مروان الأسطل، لـ "العربي الجديد"، إنّ الناتج المحلي للمصنع يغطي ما نسبته 15% من حاجة السوق المحلي في غزة، بين مضادات حيوية وكبسولات وكريمات علاجية خاصة، حيث بلغ عدد الأصناف الإجمالية التي ينتجها نحو 90 صنفاً.
ويشير الأسطل إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي يمنع بشكل متواصل دخول المواد الخام الخاصة بصناعة الأدوية، تحت ذرائع أمنية متكررة، وهو ما يكبد الشركة والمصنع خسائر فادحة سنوياً، بالإضافة إلى تقليص أيام العمل والطاقة الإنتاجية الخاصة بالمصنع إلى الربع.
ويلفت إلى قيام الاحتلال باستهداف المصنع خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة صيف 2014 وتدمير غرفة التحكم المركزية، وهو ما أدى لتلف المواد الخام الموجودة فيه، وتوقفه عن العمل لأكثر من أربعة أشهر، قبل أنّ يعاود العمل مجدداً بطاقة إنتاجية أقل.
ويقدر الأسطل حجم الخسائر المالية السنوية بنحو 1.5 مليون دولار، بفعل عدم العمل بكامل الطاقة الإنتاجية، عدا عن الخسائر التي نتجت عن الاستهداف الإسرائيلي للمصنع، مشيراً إلى أن التكلفة الإجمالية للمصنع بلغت 4 ملايين دولار.
ويبين أن الحكومة الفلسطينية ووزارة الصحة تضع شروطاً من أجل تزويد مشافي القطاع بالأدوية والمستحضرات المنتجة في المصنع المحلي شبه الوحيد في غزة، وهي أن ترسل لمستودعات الوزارة في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية ثم تقوم الوزارة بإرساله مجدداً؛ وهو ما يعتبر أمرا شبه مستحيل في ظل العراقيل الإسرائيلية.
ويفرض الاحتلال الإسرائيلي حظراً على دخول المواد الخام الكيمائية التي تعتبر من أهم المواد المصنعة للأدوية، بزعم الخشية من استخدام المقاومة الفلسطينية لها في الصناعات العسكرية، ويعطي استثناءات وتصاريح خاصة لمصانع وشركات الأدوية العاملة في القطاع.
ويقول المدير العام للصيادلة في وزارة الصحة بغزة، منير البرش، إن الواقع الدوائي في غزة يعيش أزمات عديدة بسبب غياب الأدوية التخصصية اللازمة لأمراض الكلى والسرطان، بالإضافة لأدوية الرعاية الأولية والتي لا تستطيع الشركات والمصانع المحلية توفيرها.
اقرأ أيضاً: أراضي غزة الحدودية: زراعة الخطر والفقر
ويقول البرش لـ "العربي الجديد" إنّ الأدوية التخصصية هي حكر على شركات عالمية تتبع لكبرى الدول؛ والتي لا تمنح الحق لمصانع أخرى محلية أو إقليمية فرصة تصنيعها ، مشيراً إلى أنّ المصانع المحلية تعمل على تزويد السوق المحلي بالأدوية، ولكنها عاجزة عن توفير الأدوية التخصصية للمشافي.
ويشدد المسؤول الحكومي على أن الاحتلال الإسرائيلي يضع العراقيل أمام الصناعات الدوائية؛ وهو ما يفسره عن إحجام المستثمرين في مجال الصناعات الطبية عن دخول سوق قطاع غزة، والاكتفاء بوجود مصنعين هما الشرق الأوسط وآخر تأسس قبل أشهر معدودة.
ويلفت إلى أنّ الشركات الفلسطينية المحلية والمصانع في الضفة الغربية وغزة تغطي نسبة ما يتراوح بين 55% و60% من الاستهلاك المحلي على الأدوية والمستهلكات الطبية، أما النسبة الباقية فتتوزع بين شركات عربية وأخرى دولية، مشدداً على أنّ الاحتلال الإسرائيلي يلعب دوراً بارزاً في قصور الصناعات الدوائية المحلية.
ويتابع البرش: "العجز الدوائي فيما يخص المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية يصل إلى 460 صنفاً، تعجز الشركات والمصانع المحلية وحتى العربية عن توفيره بفعل السيطرة العالمية على تصنيع الأصناف الدوائية، فيما تغطي هذه الشركات ما نسبته 3 آلاف صنف للسوق المحلي الذي لا يوجد به أي عجز".
ويعاني القطاع المحاصر إسرائيلياً منذ تسع سنوات، من عجز كبير في الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية، حيث وصل رصيد الأدوية التي نفدت كلياً من مخازن الوزارة بغزة نحو 150 صنفاً، تمثل 32% من احتياجات المرضى اليومية، بالإضافة لنفاد 38% من اللوازم الطبية الخاصة لمرضى الفشل الكلوي والسرطان.
ويقول الخبير الاقتصادي نهاد نشوان لـ "العربي الجديد"، إنّ قيمة الخسائر الطبية التي تتعرض لها الشركات والمصانع في القطاع سنوياً تفوق الـ 5 ملايين دولار، جراء عدم سماح الاحتلال بدخول المواد الأولية لصناعة الأدوية، بالإضافة لمنع وصول بعض الأدوية وحجبها عن المرضى.
ويوضح نشوان أنّ الاحتلال الإسرائيلي وضع قائمة طويلة من الممنوعات غالبيتها من المواد الأولية التي تدخل في الصناعات الدوائية، وهو ما أوقف بعض المصانع والشركات خلال الأعوام الماضية، وأبقى على مصنع وحيد لجانب بعض الشركات المحلية والعربية بغزة.
ويضيف أن الاحتلال يزيد شهرياً قائمة المواد الممنوعة تحت ذريعة الخشية الأمنية من استخدامها في الصناعات العسكرية، وهو ما قد يسبب توقفا قريبا للصناعات الدوائية في القطاع، في ظل إغلاق المعابر وانسداد أفق رفع الحصار خلال المرحلة الحالية.
ويتابع "الاحتلال يستهدف بدرجة أساسية أي محاولة فلسطينية للاعتماد على الصناعات الدوائية المحلية، ومحاولة تدمير البنية الاقتصادية الداخلية عبر الاستهداف للمصانع والشركات المحلية، ومنع إدخال المواد وإعادتها تحت ذرائع أمنية".
وأوقفت وزارة الصحة في غزة قبل أيام تقديم بعض الخدمات للمرضى الفلسطينيين في القطاع، بسبب عجزها عن الإيفاء بالمتطلبات المالية للعديد من المؤسسات وشركات الأدوية الموردة، وإحجام الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية عن صرف موازنة تشغيلية خاصة بالمشافي والعيادات الحكومية بغزة.
ويحتاج القطاع الصحي إلى موازنة تشغيلية تقدر بـ 40 مليون دولار سنوياً، لتغطية العجز الدوائي الحاصل في الأدوية والمستلزمات الصحية وتوفير السولار الصناعي اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية البديلة، في ظل تفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي.
اقرأ أيضاً: الدواء في زمن الحرب: الرصيد "تحت الصفر" في غزة