في خطوة لافتة وغير مألوفة، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم الأربعاء، على صفحتها الأولى، وفي الصفحات الداخلية، تقريراً خاصاً أبرزت فيه صورة لجولة ميدانية لمن تدّعي أنه قائد قوات "حزب الله" في الجولان، والمسؤول عن الخط الواصل بين دمشق وجنوب الجولان، ويدعى منير علي نعيم، والذي ذكرت أنه يكنى باسم الحاج هاشم.
وقالت الصحيفة إن "الحاج هاشم"، وبغض النظر عن الخلاف بين قيادة الجيش الإسرائيلي وبين وزير أمن الاحتلال، أفيغدور ليبرمان، بشأن من أصدر الأوامر بإطلاق القذائف قبل أسبوع باتجاه هضبة الجولان المحتل؛ هو المسؤول عن القطاع الجنوبي في سورية بتعيين مباشر من الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، في يونيو/حزيران 2016، بعد أن اغتالت إسرائيل جهاد مغنية وقائدا إيرانيا.
ووفقا للصحيفة، فإن الاستخبارات الإسرائيلية حددت "الحاج هاشم" باعتباره الشخصية الأهم ومفتاح الأمور في الجولان، ولم يكن ذلك صدفة، إذ إنه يتولى ضمن منصبه المذكور المسؤولية عن أكثر قطاع في الأراضي السورية يهم إسرائيل، لكونها المنطقة التي يتم فيها التنسيق الميداني بين إيران و"حزب الله" وقوات النظام السوري، كما أن الوحدات التابعة للحزب تعمل وفق نسق عسكري بروتين عملياتي.
وأضافت الصحيفة أن تقديرات إسرائيل تشير إلى أن عدد قوات "حزب الله" يصل إلى ثمانية آلاف عنصر، وأن الحزب فقد خلال تورطه في الحرب السورية نحو ألفي عنصر.
واعتبرت الصحيفة أن سبب اهتمام الاحتلال بالحاج هاشم يعود إلى تاريخه وتجربته الميدانية والعملياتية الخاصة التي نفذها للحزب، بينها مسؤوليته عن عملية في مستوطنة متسوبا الزراعية شمال فلسطين عام 2002، ناهيك عن منصبه الحالي، مضيفة أنه "على ما يبدو، يدرك الاهتمام به، وهو ما يجعله يحرص في تجواله على وجود حارس مدني له".
وكشف التقرير أن إسرائيل تملك معلومات كاملة، منها أنه يملك شقة في بيروت، وأخرى في دمشق.
ولم تنف الصحيفة أن نشر التفاصيل المعروفة عنه من قبل إسرائيل يمكن تفسيره على أنه "رسالة إسرائيلية واضحة بأنه تم رصده، وأنها تعرف عنه من المعلومات أكثر مما يتخيل، بصفته من يقود المعركة قبالتها، وأرسلت له بذلك رسالة بأنه في حال واصل نشاطه فإن مصيره لن يختلف عن مصير سابقيه".
رسالة تحذير لقادة "حزب الله"
وفي السياق، اعتبر محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يسرائيل هيوم"، يوآف ليمور، أن قرار إسرائيل الكشف عن معلوماتها عن "الحاج هاشم"، وسماحها بنشر الصور المتوفرة، يشكل رسالة واضحة لقادة الحزب ومسألة استهدافهم، وذكر في تعليقه: "يمكن الافتراض أن حياة الحاج هاشم ستتغير منذ هذا الصباح. فلغاية الآن تحرك الرجل في الظلام. عدا عن قادته العسكريين في "حزب الله" وزملائه في سورية وإيران، فإن أحدا لم يعرف ماذا يفعل، لا الجيران ولا الأصدقاء، وهناك شك بأن يكون أفراد أسرته يعرفون بدقة ما هي وظيفته في "حزب الله"".
وبحسب ليمور: "فإن هذا الرجل، الذي لم تنشر صوره من قبل قط، أصبح شخصية معروفة، سيشيرون إليه في البقالة في القرية، وسيتعرف الجيران عليه عندما يفتحون باب شقته في دمشق، سيعرف الجميع من الآن أنه قائد حزب الله في جنوب سورية. هذا التغيير في حياته والانتقال من السرية والغموض إلى العلنية المطلقة، من رجل الظلال إلى شخصية مشهورة، سيلزم الحاج هاشم بتغيير عاداته، ليس بفعل حب المعجبين، وإنما بفعل كراهية الأعداء له، فهو لم يعد معروفا فحسب، بل إن حقيقة قيام إسرائيل بنشر اسمه وصوره، وإعلان معرفتها بمقر إقامته، وما هو اسمه الحقيقي، ومن هي زوجته، ومن هم أبناؤه، كل هذا يشكل مشكلة لشخص مثله".
وأضاف: "حتى بدون أن تصرح إسرائيل أو تعلن ذلك، فإن الحاج هاشم سيشعر من الآن أنه هدف، فسابقوه في المنصب، جهاد مغنية وسمير قنطار، تمت تصفيتهم، وبالتالي سيخشى بدروه من المصير نفسه".
ولفت ليمور إلى أنه "بمعزل أو بما يتجاوز الاهتمام بشخص ودور الحاج هاشم، فإن المهم في سياق نشر المعلومات والصور يتعلق بتقديم دليل على أن حزب الله يواصل الاستثمار، ليس فقط في إنقاذ النظام السوري، والنشاط العسكري على حدود سورية ولبنان لمنع انزلاق القتال ووصول "داعش" للبنان، وإنما أيضا في نشاط عسكري جنوب دمشق، بما في ذلك المناطق الحدودية مع إسرائيل".
وعمليا، فإن النشر يأتي ليؤكد الادعاءات الإسرائيلية التي يرددها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه أفغيدور ليبرمان، مؤخرا بأن "حزب الله" يعمل على بناء صيغة تمكنه من العمل مستقبلا ضد إسرائيل، ولا يدور الحديث عن المدى القريب المباشر، لأن سورية وإيران والحزب يعكفون حاليا على تثبيت استقرار النظام في سورية، واستعادة السيطرة على مناطق الشرق (الرقة ودير الزور)، وسيستغرق وقتا قبل أن يتفرغوا "لتحرير جنوب سورية- وعندها سيكونون مقيدين باتفاقيات تم التوقيع عليها تحت وصاية روسيا".
ويشير المحلل الإسرائيلي إلى أن الحاج هاشم خلافا لسابقيه مغنية وقنطار، اللذين عملا على تنفيذ وإخراج عمليات عينية وموضعية اعتمدت على تأييد نشطاء القرى الدرزية، فإن النية تتجه الآن إلى إقامة منظومة أكثر تنظيما تعمل بالتنسيق مع السوريين والإيرانيين.
كما أن التقاط الصورة التي تم نشرها، ويظهر فيها قائد حزب الله يسير جنبا إلى جنب مع مسؤول رفيع المستوى في الجيش السوري، تشير إلى التنسيق الوثيق بين الجانبين، وليس فقط إلى مكانة "حزب الله".
ولعل أهم ما تطرق إليه ليمور يوآف في تحليله هو قوله إنه "من المعقول الافتراض أن هذه المعلومات المتوفرة لدى إسرائيل، والتي كشفت عنها عبر النشر اليوم، في صحيفتين يوميتين، وفي موقع واحد على الأقل، قد تم نقلها لجهات وأطراف دولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، وأن إسرائيل حذرت أن أي تورط من قبل "حزب الله" لن يمر بسلام، أما في حال لم يتم كبح نشاط الحزب فستضطر إسرايئل إلى التدخل وإحباط عملياته".
وشدد المتحدث ذاته على أن "نشر صوره والمعلومات المتوفر عنه هو بمثابة رصاصة التحذير الأولى، ومفادها أن الحاج هاشم ونشاطه ليسا مكشوفين ومعروفين لإسرائيل فحسب، بل إن حياته في خطر".