أراد علاء علقم من مخيم شعفاط، شمالي شرق القدس المحتلة، بناء منزل لأسرته في بلدة عناتا، غير أنه مع قرب انتهاء أعمال الطابق الثاني منه، هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي المبنى في الشهر الماضي، في استمرار لخطة بدأت سلطات الاحتلال العمل بها منذ أواخر العام 2019. يشرح علقم باستغراب في حديثٍ لـ"العربي الجديد" تفاصيل ما جرى، مشيراً إلى أن عملية الإخطار ثم اعتراض محاميه عليها ورفض الاعتراض وصولاً للهدم، دامت 25 يوماً فقط. في المقابل، هناك مئات المنازل المشيّدة في المنطقة نفسها من دون تراخيص، لأن سلطات الاحتلال لا تمنح الفلسطينيين التراخيص، كما هو حال مناطق "ج" وفق اتفاق أوسلو. استغراب علقم يفسره الأمر العسكري الذي استند إليه إخطار الهدم، وهو أمر يحمل الرقم 1797، ومعروف بـ"القرار الخاص بإزالة المباني الجديدة في الضفة الغربية"، وأُقرّ في عام 2018 قبل مباشرة العمل به في العام التالي بصورة تجريبية، ليكون بديلاً عن قانون "التنظيم والبناء" الأردني الساري في الضفة الغربية؛ تحديداً في المناطق الواقعة خارج ما يُعرف بـ"المخططات الهيكلية". والأمر العسكري لا يعطي الفرصة للاعتراض على إخطار الهدم أكثر من 96 ساعة، ويشترط أيضاً تقديم رخصة بناء لإبطال أمر الهدم، بدلاً من اعتماد مسار قانوني طويل وفق القانون الأردني.
أطاح الأمر العسكري للاحتلال بقانون التنظيم والبناء الأردني
في تفاصيل الأمر العسكري الذي يخشى الحقوقيون أن يكون عنوان المرحلة المقبلة، لمنع إقامة أبنية فلسطينية جديدة في المناطق "ج"، أي ساحة خطة الضم الإسرائيلية؛ فإن أي منشأة جديدة خارج مخططات البناء الهيكلية، أي مراكز التجمعات السكنية المكتظة أصلاً؛ لم يمرّ أكثر من 6 أشهر على بدء بنائها، ولم تُسكن لأكثر من 30 يوماً من دون أن تُهدم، فإنه لا يسمح لصاحبها بتقديم اعتراض إلا خلال 96 ساعة، أي أربعة أيام. ولإلغاء الأمر العسكري، يتوجب على صاحب المبنى تقديم رخصة بناء جاهزة، أو إثبات أن البناء بدأ قبل أكثر من ستة أشهر أو سكنه أصحابه قبل أكثر من 30 يوماً، وهو ما يعد مستحيلاً.
تشير المعلومات المتوفرة لدى مركز "القدس للمساعدة القانونية" إلى تكثيف استخدام هذا الأمر العسكري منذ شهر فبراير/شباط الماضي، وخلال فترة انتشار فيروس كورونا. ويوضح مدير "الحشد والمناصرة" في المركز عبد الله حماد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "القرار دخل حيّز التنفيذ في 30 إبريل/نيسان 2019، إلا أن تطبيقه بدأ مع نهاية العام الماضي وبشكل بطيء جداً". ويضيف: "لكن المركز تلقّى بعد شهر فبراير الماضي، 20 قضية لإخطارات هدم وفق هذا الأمر العسكري، أي بمعدل قضية في كل أسبوع. وهُدم فعلياً 17 مبنى جديدا". ويشدّد على أن "الأمر العسكري لا يعطي فرصة للمتضرر للتظلم، فالفرص المتاحة هي فرص شكلية وبالمجمل لن تؤدي إلى إلغاء أمر الهدم، وحتى في الظروف الاستثنائية للبناء، فقد يُصدر أمر وقف هدم مؤقت لفترة زمنية قصيرة لا تتعدى أسبوعين؛ ووفقاً لهذا الأمر العسكري فإن مصدر الإخطار هو نفسه الشخص الذي سينظر في التظلم خلال الـ96 ساعة؛ لأن المفتش في الإدارة المدنية الإسرائيلية هو موظف يعطي المعلومات للجنة الثانوية للتفتيش، التابعة لمجلس التنظيم الأعلى، حول منزل غير مرخّص، وهو نفسه يملك صلاحيات قضائية بإعطاء الإخطار وإصدار الحكم النهائي خلال أربعة أيام؛ ليصبح قراراً تنفيذياً قضائياً وليس فقط قراراً إدارياً".
يشير حماد إلى أن الأمر العسكري أُقرّ في زمن وزيرة العدل الإسرائيلية السابقة إيليت شاكيد، لتقليص الفجوة بين التشريعات والقوانين السارية في الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1967، والقوانين الإسرائيلية المطبقة في الأراضي المحتلة عام 1948، بمعنى أنها خطوة تدريجية لتطبيق القانون الإسرائيلي على المناطق المحتلة، وهو ما يخالف القانون الدولي وحتى الإسرائيلي.
وهو ما يعني عملياً ضمّ الاحتلال لأراضٍ فلسطينية، ويقول حماد في هذا الصدد إن "هذا الأمر العسكري يستهدف تقريباً معظم مناطق (ج)، وهذه المناطق التي يدور الحديث عن ضمّها وفرض السيادة الإسرائيلية عليها؛ بمعنى أن الأمر العسكري المانع للبناء في هذه المنطقة سيجعل منها مناطق فارغة من السكان، بالتالي فإن عملية الضم والسيطرة عليها ستكون أسهل". وقد يمتد تطبيق القانون إلى كل مناطق "ج"، في حال انتهاء الفترة التجريبية، أما في حال لم يقتنع الاحتلال بجدواه فقد يلجأ إلى تشديدات أكثر من أجل فعالية أكبر لهدم المباني الجديدة وإبقاء الأراضي الفلسطينية فارغة، وهو هدفه الأول، وفق حماد.
يعمل الاحتلال على هدم المباني كجزء أساسي من خطة ضمّ الضفة
نسبة الهدم تشير بوضوح لتكبيل الجهود القانونية للمراكز الحقوقية لحماية الأبنية الجديدة، فقد كان المحامون متمرسين بتسلسل قضائي يتيحه قانون "التنظيم والبناء" الأردني، رغم تعديلات الأوامر العسكرية عليه. ويسمح قانون "التنظيم والبناء" لمتلقي الإخطار في القيام بإجراءات تمكنه من تحويل بنائه من بناء "غير قانوني" إلى "بناء قانوني". وظلّ هذا القانون سارياً بعد احتلال الضفة عام 1967، ولو شكلياً، مع إضافة أوامر عسكرية غيّرت بعض مواده. وهو ما أتاح مساراً قانونياً طويلاً أفسح المجال لعدم هدم بيوت عمّرت أكثر من 10 سنوات.
بدورها، قدمت مؤسسات حقوقية طعناً في القانون أمام محكمة الاحتلال العليا. ويقول في السياق، مدير الدائرة القانونية في "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية" عايد مرار، لـ"العربي الجديد"، إن تلك الشروط تتيح تطبيق القانون في المناطق المحاذية للمستوطنات، والطرق الالتفافية، وجدار الفصل العنصري، والمناطق التي لا يمكن عمل مخطط هيكلي فيها. ويلفت إلى أنه "وفق قانون التنظيم والبناء، فقد تمرّس المحامون، سواء التابعين للهيئة أو للمؤسسات القانونية الأخرى بعملية قانونية، وأصبح بالإمكان إنقاذ الأبنية من الهدم. صحيح أن الاحتلال لا يعطي التراخيص، ولكن على الأقل كنا نصل إلى إنجاز بمنع الهدم". ويضيف: "هذا الأمر دفع الاحتلال للعثور على قوانين وأوامر عسكرية أخرى تزيد من صلاحياته بالهدم، وتزيد من إمكانية تنفيذ أوامر الهدم".
يفسر مرار هذا التسريع باستخدام الأمر العسكري، بالإشارة إلى "صفقة القرن" (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية) التي تكشف في إحدى بنودها أنه لن يتم نقل أي فلسطيني أو مستوطن من مكان سكنه. لذلك يحاول الاحتلال التقليل قدر الإمكان من التواجد الفلسطيني في المناطق "ج"، وهو ما يفسر الاستخدام الواسع للأوامر العسكرية العديدة لتوسيع أوامر الهدم. ويشير إلى استخدام أوامر أخرى عدة، متعلقة بالآثار، قد تصنّف أي حجر غريب آثاراً لمنع البناء في المنطقة التي عُثر عليه فيها. كما أن هناك أمرا آخر متعلقا بالمناطق المسماة أمنية، أو محاذية لجدار الفصل العنصري. ويبدو الأمر العسكري الذي بدأ خطره يتضح لمنع أي بناء جديد في المناطق "ج"، نموذجاً لمنظومة الأوامر العسكرية والقوانين الإسرائيلية التي تُفَصَّل للتضييق على الفلسطيني في مكان سكنه، من أجل تسهيل الضغط عليه وتهجيره، وإبقاء الأراضي فارغة لتنفيذ مخططات الاحتلال الاستيطانية، وأهمها خطة الضم المرتقبة.