يُعدّ الجهاز القضائي الإسرائيلي أحد أخطر الأدوات التي توظّفها سلطات الاحتلال لتصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وتحسين قدرة الكيان الصهيوني على توسيع مشروعه الاستيطاني في الضفة الغربية، وتمكينه من استكمال مخطط تهويد مدينة القدس.
وأدت المحكمة الإسرائيلية العليا، على وجه الخصوص، دوراً أساسياً في إضفاء شرعية على إجراءات الاحتلال القمعية ضد الفلسطينيين، فقد أقدمت أخيراً على إصدار قرار يمنح الحكومة الإسرائيلية الحق في تطبيق قانون أملاك الغائبين على ممتلكات فلسطينية في القدس المحتلة، لمجرد أن أصحاب هذه الممتلكات يعيشون في الضفة الغربية، إذ يكون من حق الاحتلال مصادرة هذه الممتلكات. وبهذا القرار، فقد أجازت المحكمة الكثير من قرارات مصادرة الممتلكات الفلسطينية في القدس التي نفذت خلال العقدين الماضيين.
ولعل أكثر القرارات التي تثير الدهشة؛ هو قيام سلطات الاحتلال بمصادرة ممتلكات الفلسطينيين في منطقة القدس، على الرغم من أنهم يقطنون فقط على بعد مئات الأمتار من هذه الممتلكات، مع أنه لم يحدث أن قاموا بمغادرة منازلهم. فقد صادرت سلطات الاحتلال فندق "كليف" في بلدة أبو ديس، على الرغم من أن ملاكه يعيشون بالقرب من المكان.
وكشف تحقيق نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن أنه في جميع الحالات التي قام فيها الاحتلال بمصادرة ممتلكات فلسطينية في القدس، فإنه قد تم وضعها تحت تصرف جمعيات يهودية تعمل في مجال تهويد المدينة. وأشار التحقيق إلى أن سلطات الاحتلال وظّفت قانون أملاك الغائبين بشكل واسع وغير مسبوق منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي. ووسّع الجهاز القضائي الإسرائيلي من هامش المناورة المتاح أمام سلطات الاحتلال؛ لمصادرة أكبر قدر من الممتلكات الفلسطينية. فقد أصدر المستشار القضائي للحكومة يهودا فاينتشاين، قراراً يمنح الحكومة الحق في مصادرة ممتلكات أي فلسطيني يُدان بقضايا تتعلق بالمس بأمن "الدولة"، أو كان على علاقة بتنظيم "معاد". ويمنح هذا القرار الحكومة الإسرائيلية الحق في مصادرة ممتلكات كثيرة، إذ إن إسرائيل لا تتوقف عن اتهام وإدانة فلسطينيين بقضايا ترى أنها تمسّ بأمنها.
في الوقت ذاته، أصدرت المحكمة العليا، مطلع العام الحالي، قراراً يمنح جيش الاحتلال الحق في تدمير منزل كل فلسطيني نفذ عملية أدت إلى مقتل أو إصابة جنود أو مستوطنين. وقد فتح هذا القرار المجال أمام الجيش الإسرائيلي لتدمير عشرات المنازل في أرجاء الضفة الغربية.
اقرأ أيضاً: تحذير فلسطيني من خطورة تطبيق قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي
المفارقة أن الجهاز القضائي يعتمد التمييز العنصري في قراراته. فالمحكمة العليا التي تمنح سلطات الاحتلال الحق في مصادرة ممتلكات فلسطيني في القدس لمجرد تواجده في الضفة، لا توافق على مصادرة ممتلكات مستوطنين في القدس، لمجرد إقامتهم في مستوطنات يهودية في الضفة. ولم تطرح سلطات الاحتلال ولا الجهاز القضائي مجرد فكرة تدمير منازل يهود قتلوا فلسطينيين.
ولا يتمكن الكثير من الأوساط في إسرائيل من الدفاع عن سلوك الجهاز القضائي الإسرائيلي، وتعتبر قراراته تمييزاً واضحاً ضد الفلسطينيين. فقد عدّت المستشارة القضائية تالياً ساسون قرار المحكمة العليا، الذي يتيح مصادرة ممتلكات الفلسطينيين في القدس لمجرد أنهم يقيمون في الضفة الغربية، بأنه "يمثّل الظلم بعينه، ويتسبب في غبن غير مبرر لآلاف الفلسطينيين"، مشيرة إلى أن هذا القرار يأتي لدوافع عنصرية.
وأشارت ساسون في مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، إلى أن القانون يسمح في الواقع بمصادرة أملاك فلسطينيين في القدس الشرقية تحت ذرائع غير منطقية، وفي ظل تجاهل مطلق لأبسط حقوق الإنسان وقيم القانون الدولي. وتساءلت: "كيف يحدث أنه في دولة تدّعي أنها ديمقراطية، تتيح المحكمة العليا مصادرة أملاك أشخاص من دون أن تمنحهم الحق في التعويض؟".
وقدّمت ساسون دليلاً على التعاطي العنصري للمحكمة قائلة: "تتم مصادرة ممتلكات فلسطينيين في القدس، لمجرد أنهم يتواجدون في الضفة الغربية، فهل يجرؤ أحد في إسرائيل على مصادرة أملاك مستوطنين وجنود يعيشون في مستوطنات الضفة في حال كانت هذه الأملاك في القدس؟". وشددت على أن "هدف هذا القانون هو نقل الممتلكات الفلسطينية إلى أيدي اليهود، هكذا ببساطة وبوضوح".
من جهته، وصف الكاتب جدعون ليفي المحكمة العليا بأنها "سيف مسلط في يد سلطات الاحتلال لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم الوطنية، ولإضفاء شرعية قانونية على الواقع البائس الذي تسبب فيه الاحتلال". وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، قال ليفي إنه من الجيد أن المحكمة الإسرائيلية العليا "قد كشّرت عن أنيابها، وفضحت دورها حتى لا يكون بوسع قادة الاحتلال الزعم بأن هناك إجراءات قانونية صحيحة تمهد للسلوك المعادي ضد الفلسطينيين".
وأضاف: "يجب أن نقول الحقيقة كما هي، إسرائيل باتت تمارس الفصل العنصري والتجبر العسكري ضد الفلسطينيين، حتى من دون غطاء قانوني بعدما افتضح أمر المحكمة العليا"، متوقّعاً أن تضفي المحكمة العليا شرعية على كل القوانين العنصرية الموجّهة ضد الفلسطينيين، التي من المرتقب أن تصدرها الحكومة الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو.
اقرأ أيضاً: الاحتلال نحو "تمدين" مستوطناته