الاستبداد إذ يؤازر بعضه
بمجرد أَن نلقي نظرةً سريعةً على اجتماع القمة العربية في الكويت، يومي 25 و26 مارس/ آذار الماضي، نفهم أن دولاً عربية كثيرة تسعى إلى خذلان الربيع العربي، والتبشير بعودة الدكتاتورية، بأوضع صورها وأشدها مقتاً.
كان موقف القمة ممّا حدث في مصر، متوقعاً إلى حدّ بعيد، إذ كانت ثلاث دول خليجية قد ضخت مليارات الدولارات إلى القاهرة، بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي هناك، ووعدت بإجمالي 12 مليار دولار جديدة، في حال ترشحه لمنصب الرئاسة، علما أنه أطاح الرئيس الشرعي، محمد مرسي، في انقلابٍ مكتمل الأركان. ولم يكن لائقاً على الإطلاق، تحويل مكان انعقاد القمة العربية المقبلة، من أبو ظبي إلى القاهرة، فقد كشف ذلك، بما لا يدع مجالاً للشك، أن أعضاء عديدين في الجامعة، سعوا إلى إضفاء شرعية عربية على انقلاب السيسي على الديمقراطية الوليدة في مصر.
نستطيع أَن نفهم، بسهولة، لماذا تفقد دول عربية بوصلتها أمام الربيع العربي، حيث تبدأ بالتخبط، ثم تضع كامل ثقلها في سبيل تأسيس ديكتاتوريات جديدة، أَشد فتكاً من سابقاتها. لا تريد تلك الدول أن يصل الربيع إِلى بلادها، فهي غارقةٌ في الفساد الاقتصادي والاستبداد السياسي والتسلط، وإن أي ثورة قد تطيح تلك العروش، وهذا ما لا يريده أحد من تلك الدول. أما الموقف من الشعب السوري، فكان مخزياً بكل المقاييس، فبدل أَن تطلب الجامعة من بشار الأسد التنحي، وتهدده بعقوباتٍ رادعةٍ، بما فيها العقوبات العسكرية، ذهبت إِلى جدلٍ بشأن منح مقعد الجمهورية العربية السورية للمعارضة. فإذا كانت الحكومات العربية تختلف على هذه المسألة، فكيف ستتفق، إذن، على موقفٍ حازم من بشار الأسد. بل إن ثلاث دول هددت بالانسحاب، في حال حصول الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، على مقعد سورية. وكان من الأولى أن تهدد تلك الدول بالانسحاب، في حال حضور عدلي منصور ممثلاً لجمهورية مصر العربية، إذ غالبية المصريين لا تعترف به، ولا تؤيده.
ضرب حكام الاستبداد برغبات الشعوب العربية عرض الحائط، فما أَنصفوا الشعب المصري الذي يتظاهر كل يوم ضد الانقلاب، ولا الشعب السوري الذي يعاني من القتل والتشريد والاعتقال منذ ثلاث سنوات، وغنيٌّ عن القول إن جامعة الدول العربية لم تنصف الشعب الفلسطيني المقهور منذ أكثر من ستة عقود.
يحاول حكام عرب كثيرون، اليوم، تخويف شعوبهم من الثورات، فهم يحاولون أَن يلصقوا بها كل الموبقات، وكل تلك الفوضى التي ظهرت في بلاد الربيع العربي، والتي لا نشك أَن مصدرها الأنظمة الرافضة للتغيير، وليس الشعوب المنتفضة. والتأييد الذي حظي به انقلاب السيسي، والسكوت على مجازره في ميدان رابعة العدوية، وغيره، دليل على ذلك. ناهيك عن ترك الشعب السوري يواجه براميل الموت والسلاح الكيماوي، من دون تقديم يد العون إليه، بهدف إيهام الجماهير المتعطشة للحرية بأن مصيرها سيكون كمصير عشرة ملايين سوري، لا يجدون الطعام والدواء والمأوى، أَو كمصير مئتي ألف شهيد، أو نصف مليون معتقل.
لا نشك في أن الشعب العربي بدأ طريق تحرره، ومن الصعب عليه التراجع، اليوم، حتى لو دفع من دماء أبنائه في سبيل حريته. ويدرك الناظر إلى الحالة المصرية ذلك، على الفور، فقد انقلب السيسي على الشرعية في مصر، منذ تسعة أشهر، إِلا أَن المظاهرات المناوئة له مستمرة منذ ذلك التاريخ، وتتعاظم كل يوم. كما بدأت الثورة السورية، منذ ثلاث سنوات، ومع كل التآمر الذي تعرضت له، ومع كل البطش الذي استخدمه شبيحة الأسد، إلا أن الشعب السوري ماض في طريقه، ومستمر فيه، حتى إسقاط النظام.
أعتقد جازماً أن الحكومات الاستبدادية لن تكون في منأى عن هذا الربيع، وقد بدأت رياحه تهب فلا تهدأ. وطالما أن الحياة دبّت في عروق هذا الشعب، بعد عقود من الظلم والفساد والقمع، فهيهات إيقافها. واجبنا، اليوم، أن ندعم ثورات الربيع العربي بكل إمكاناتنا، فلا نخذلها، وكيف نخذل تلك الدماء التي سالت في سبيل الانعتاق من الظلم والاستبداد، وإِن التاريخ لن يرحم المرجفين والمتواطئين، ولن يرحم القتلة.