في منتصف القرن التاسع عشر، قررت سلطات الاستعمار الهولندي في إندونيسيا تطبيق شروط جديدة للنظام الزراعي يلزم المزارعين الإندونيسيين بزراعة محاصيل تجارية مثل الشاي والقهوة بدلاً من زراعة الأطعمة مثل الأرز والخضروات.
وفي الوقت نفسه طبّقت هذه السلطات الكولونيالية نظاماً لتحصيل الضرائب يدفع المزارع من خلاله عمولة لوكيل الدولة، وتسبّب الجمع بين هذين النظامين الجديدين سوء معاملة واستغلالاً كبيرين، وأدى ذلك إلى فقر ومجاعة اجتاحت جزيرتي سومطرة وجاوا.
كانت الجزر محكومة من قبل عدد قليل من الجنود وموظفي الحكومة الهولندية، ومنحوا الحكام السابقين هيمنة كاملة على السكان الأصليين، وهي استراتيجية مستخدمة في معظم المستعمرات.
من جهة أخرى، حقّقت الدولة الهولندية أرباحاً طائلة من بيع الأفيون إلى السكان الأصليين، حيث اقتصر استعماله من قبل كمسكن للألم، ولكن عززت السياسات الهولندية استعمال الأفيون وأصبحت قطاعات كبيرة من الشباب مستعدة للقتل من أجله، وقد أطلق على هذه السياسات "نظام الأفيون".
في هذه الأجواء كتب الروائي الهولندي إدوارد داوس دِكر، الشهير بـ مولتاتولي رواية "ماكس هافلار" أو كما يشير عنوانها الفرعي "مزادات القهوة في شركة التجارة الهولندية" (كلمة)، والتي صدرت بترجمة موسى الحالول مؤخراً، بعد أن نقلت إلى 34 لغة.
يستند الروائي في هذا العمل إلى سيرته الشخصية وتجربته حيث كان يعمل مساعد قيّم في جزيرة جاوا في فترة الاستعمار، ووثّق السياسيات الاستعمارية على نحو مؤلم محاولاً الاقتراب من آلام المستعمَرين وكشف حقيقة الاستغلال الذي تمارسه بلاده.
استخدم دكر اسم مولتاتولي المستعار، وهي عبارة تعني "لقد تحمّلت الكثير" باللاتينية، ونشر الكتاب عام 1860، ليثير استياء عارماً ويصدم كثير من الهولنديين ممن يجهلون ممارسات بلادهم في المستعمرات البعيدة، ما دفع إلى تكوين جماعات ناشطة ضد سياسات الاستعمار الهولندي.
قد تكون هذه الرواية، من الأعمال الأدبية السياسية القليلة التي كان لها ثمار واقعية، فقد اعتبرت شهادة ممن عاش وسمع وشاهد الأحداث، وأدّت فعلاً إلى ما يمكن أن يسمى بـ "إصلاحات" أُطلق عليها "سياسات أخلاقية" تتعلّق بتغيير الشروط التعسفية حول الزراعة والأفيون، حيث دفعت الحكومة تعويضات للمزارعين وسدّدت بعض الديون وفتحت عدة مدارس للسكان الأصليين، وقد وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الرواية بأنها العمل الذي "قتل الاستعمار".