24 أكتوبر 2024
الاستفتاء الدستوري في موريتانيا.. خطوة نحو الإصلاح أم تكريس للاستبداد؟
أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في موريتانيا نتائجَ الاستفتاء الدستوري الذي جرى في 5 آب/ أغسطس 2017، وذلك بمشاركة 53% من الناخبين؛ إذ صوت 85.61% تأييدًا للتعديلات. لكنّ قوى المعارضة الموريتانية، والتي تضم أحزابًا ومنظمات سياسية، ضمن تحالف اللجنة التنسيقية للمعارضة، عدّت الاستفتاء "لادستوريًا"، ورأت أن اقتراحات الرئيس محمد ولد عبد العزيز بشأن التعديل الدستوري التي رفضها مجلس الشيوخ في آذار/ مارس المنصرم هي "انقلاب على الدستور وميل خطير إلى الاستبداد". وعلاوةً على ذلك، عمّق الاستفتاء الشرخ السياسي والمجتمعي في الداخل الموريتاني، ووصلت الأمور إلى حدّ اتهام الرئيس بتزوير النتائج وممارسة القمع، كما أكدت قوى المعارضة توثيقها مقاطعة الموريتانيين الاستفتاء. وكان الرئيس الموريتاني قد دعا الشعب إلى التصويت لتأييد التعديلات الدستورية على مشروع القانون الدستوري المتضمن مراجعة المادة 8 من دستور 1991، حول الرمز الوطني والمتمثل بالعلَم والنشيد الوطني، إضافة إلى مواد أخرى؛ كإلغاء مجلس الشيوخ، وإنشاء مجالس جهوية، وإلغاء المحكمة الدستورية ومجالس استشارية أخرى.
جدل التعديلات المقترحة
يعيد الاستفتاء الدستوري إلى الواجهة سجالًا بدأ أواخر أيلول/ سبتمبر 2016، عندما انطلقت جلسات الحوار السياسي التي قاطعتها قوى المعارضة الديمقراطية التي تضم حزب تكتل القوى الديمقراطية، برئاسة أحمد ولد داداه، والمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة الذي يضم عددًا من الأحزاب والنقابات، وشخصيات مستقلة؛ بحجة عدم توفر ضماناتٍ لقيام حوار حقيقي. وترى قوى المعارضة أن التعديلات الدستورية المطروحة تعيد هيكلة النظام السياسي على صورةٍ تؤدي إلى إخلال التوازن في عمل السلطات، وتركيز الصلاحيات في يد رئيس الدولة والسلطة التنفيذية، كما ترى أن النظام القائم في الديمقراطيّات الناشئة يحتاج إلى تنوعٍ وتعددٍ في المؤسسات السياسية، بدلًا من تركيزها في يد السلطة التنفيذية؛ وذلك لتكريس الممارسة الديمقراطية في أجهزة الدولة ودوائر المجتمع.
وبإقرار التعديلات المقترحة على دستور 20 تموز/ يوليو 1991، يصبح من حق الرئيس
إلغاء مجلس الشيوخ (وهو إحدى غرف السلطة التشريعية)، وتحويل صلاحياته إلى الجمعية الوطنية، والتعويض عنه بمجالس محلية، تناط بها شؤون التنمية في الولايات المناطقية، إضافة إلى إنشاء مجالس إقليمية جديدة، تؤدي عملها إلى جانب البلديات التي لا يزال قانونها محل جدلٍ. وكان مجلس الشيوخ قد رفض التعديلات الدستورية المقترحة في جلسته في 18 آذار/ مارس 2017؛ لكونها لا تتعلق بقضايا جوهرية في الدستور، وتُساهم في تعميق الجهوية والمناطقية. كما تقر التعديلات الدستورية إلغاء محكمة العدل السامية - المحكمة الدستورية التي تتألف عضويتها من أعضاء في البرلمان (وهذا في حد ذاته نظام لا يفصل السلطة التشريعية عن القضائية) واتخاذ هيئة قضائية بدلًا منها، تتألف من قضاةٍ تكنوقراط يعينهم الرئيس (وهذا لا يحل المشكلة إذ يُتبِع السلطةَ القضائيةَ السلطةَ التنفيذيةَ)، إضافة إلى تحويل تحريك الدعوى القضائية في حق رئيس الجمهورية والوزراء من المحكمة الدستورية إلى الجمعية الوطنية. ويشمل مشروع التعديل الدستوري أيضًا إنشاء مجلس أعلى للفتوى والمظالم، بدلًا من المجلس الإسلامي الأعلى ووسيط الجمهورية (اللذين يقومان بتنظيم شؤون الفتوى والتشريعات وحل المظالم والنزاعات الدينية)، وتغيير العلَم الوطني بحيث يضاف مستطيلان أحمران على جانبَيِ العلم، وتغيير النشيد الوطني. وبموجب هذه التعديلات، أثار الرئيس الموريتاني جدلًا قانونيًا؛ كونه طرح التعديلات الدستورية للاستفتاء الشعبي، بالاستناد إلى المادة (38) من الدستور، والتي تجيز له "استفتاء الشعب في أي قضية وطنية هامة"، ولكن المادة (99) لا تجيز التصديق على مشروع مراجعة الدستور إلا إذا صوّت لمصلحته ثلثا أعضاء الجمعية الوطنية، وثلثا أعضاء مجلس الشيوخ الذي تم حله، ليتسنى تقديمه إلى الاستفتاء الشعبي.
جدل سياسي وتنمية مفقودة
شككت اللجنة التنسيقية للمعارضة، والتي تتكون من المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة،
وتكتل القوى الديمقراطية، وحزب الصواب، وحزب الوطن، وحزب القوى التقدمية للتغيير، ومبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (إيرا)، بنسب المشاركة الشعبية التي أعلنتها اللجنة الوطنية للانتخابات، وأصرّت على أن الغالبية العظمى من الموريتانيين قاطعت الاستفتاء، وأن المراقبين المحليين والصحافة والناشطين أثبتوا أن نسب المشاركة كانت ضئيلة؛ الأمر الذي زاد من تعقيد الخلافات السياسية بين قوى النظام والمعارضة، وأدّى إلى استخدام الشرطة القوةَ لتفريق المحتجين من قوى المعارضة وأعضاء مجلس الشيوخ، وذلك إثر تظاهراتٍ شهدتها العاصمة نواكشوط، وأدت إلى اعتقال متظاهرين وإصابة آخرين منهم. وأصدرت المعارضة الموريتانية على لسان رئيسها الحسن ولد محمد بيانًا دانت فيه ما وصفته بـ "عمليات التزوير" التي سجّلها المراقبون.
وفضلًا عن ذلك، فاقمت الخلافات الحزبية والسياسية من معاناة الموريتانيين في حل أزماتهم التنموية؛ إذ يفيد تقرير مؤسسة الشفافية الدولية بأن الفساد الذي يعانيه الموريتانيون في مؤسسات الدولة، بات يمثل عائقًا حقيقيًا عن تنفيذ خطط الحكومة لبناء المؤسسات؛ إذ تحتل موريتانيا المركز 142 عالميًا في قائمة مؤشر الفساد العالمي من أصل 160 دولة. وأظهر تقرير البنك الدولي أن الدين العام وصل إلى مستوىً غير مسبوق؛ إذ بلغ في أواخر العام 2016 نحو 100% من إجمالي الناتج المحلي، وارتفع مستوى البطالة إلى نسبة 12% بنهاية العام 2016، مقارنة بالعام 2010، والذي كانت نسبة البطالة فيه 10%. ولا تزال مشكلة الفقر من أهم المشكلات التي تعانيها موريتانيا على مستوى دول شمال أفريقيا؛ إذ يعيش نحو 70% من الموريتانيين بأقل من دولارين في اليوم، ويعيش نحو 23% بأقل من دولار وربع الدولار يوميًا. وفي سياقٍ موازٍ، لم تستطع الحكومة الموريتانية، منذ تولي الرئيس محمد ولد عبد العزيز الرئاسة، تحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي وتنموي ملموس، بل، على العكس، تشير التقارير إلى أن الدين العام ارتفع من 2.6 مليار دولار في العام 2008، ليغدو 4.25 مليارات دولار في العام 2014، أي ارتفع ما نسبته 84.27% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى أن أصبحت نسبته 100% عام 2016.
تداعيات الاستفتاء
على الرغم من نجاح الرئيس الموريتاني في تمرير تعديلات دستورية، يحصل من خلالها على صلاحيات تنفيذية تعزّز من قبضته على السلطة، فإنه عمّق الجدل الذي دار بين النظام وقوى
المعارضة، بشأن شرعية إجراء هذه التعديلات، هوةَ الانقسام المجتمعي، وفتح الباب أمام أزمة يرجَّح أن تبقى مستمرة حتى موعد الانتخابات الرئاسية في العام 2019؛ إذ تتضح معها نيّات الرئيس الاستفادةَ من التعديلات الدستورية الجديدة في التمديد ولايةً ثالثةً (مع أنه نفى ذلك)، أو دعم أحد المرشحين الموالين في طريقه إلى إحكام قبضته على السلطة.
وحتى ذلك الحين، سوف يستمر المشهد السياسي الموريتاني في التشظي، والابتعاد عن تحقيق إجماع شعبي ووطني على إصلاحاتٍ سياسية حقيقية، تمثل مدخلًا للنهوض باقتصاد البلاد، ومواجهة التحديات التنموية الكبرى التي تواجهها. ولا يتحقق هذا الأمر إلا من خلال التحاور والتنسيق مع قوى المعارضة والمجتمع.
خاتمة
يعدّ الصراع على الاستفتاء في موريتانيا سياسيًا، لم يتمكن فيه النظام من جعل النقاش الدستوري فوق الخلافات السياسية، أو أن يكون الخلاف السياسي تحت مظلته. وهذا النوع من الشرخ السياسي، الذي يمتد إلى كل قضية، يميز الأنظمة غير الديمقراطية وغير المجمع على شرعيتها من طرف الحكام والمعارضين.
أدى الاستفتاء على إجراء التعديلات الدستورية، في غياب حوار وطني جامع، تشترك فيه القوى الموالية والمعارضة، إلى تعميق الانقسام السياسي والاجتماعي الذي تشهده موريتانيا. وتهدّد الشكوك في سعي الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى البقاء في السلطة، بعد انتهاء ولايته عام 2019، بشرخ أعمق، يمكن أن تكون له انعكاسات سلبية، في ظل انسداد الأفق أمام إصلاحات سياسية حقيقية، تنعكس إيجابيًا على وضع البلاد الصعب اقتصاديًا وتنمويًا، وهو آخر ما تحتاج إليه موريتانيا.
جدل التعديلات المقترحة
يعيد الاستفتاء الدستوري إلى الواجهة سجالًا بدأ أواخر أيلول/ سبتمبر 2016، عندما انطلقت جلسات الحوار السياسي التي قاطعتها قوى المعارضة الديمقراطية التي تضم حزب تكتل القوى الديمقراطية، برئاسة أحمد ولد داداه، والمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة الذي يضم عددًا من الأحزاب والنقابات، وشخصيات مستقلة؛ بحجة عدم توفر ضماناتٍ لقيام حوار حقيقي. وترى قوى المعارضة أن التعديلات الدستورية المطروحة تعيد هيكلة النظام السياسي على صورةٍ تؤدي إلى إخلال التوازن في عمل السلطات، وتركيز الصلاحيات في يد رئيس الدولة والسلطة التنفيذية، كما ترى أن النظام القائم في الديمقراطيّات الناشئة يحتاج إلى تنوعٍ وتعددٍ في المؤسسات السياسية، بدلًا من تركيزها في يد السلطة التنفيذية؛ وذلك لتكريس الممارسة الديمقراطية في أجهزة الدولة ودوائر المجتمع.
وبإقرار التعديلات المقترحة على دستور 20 تموز/ يوليو 1991، يصبح من حق الرئيس
جدل سياسي وتنمية مفقودة
شككت اللجنة التنسيقية للمعارضة، والتي تتكون من المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة،
وفضلًا عن ذلك، فاقمت الخلافات الحزبية والسياسية من معاناة الموريتانيين في حل أزماتهم التنموية؛ إذ يفيد تقرير مؤسسة الشفافية الدولية بأن الفساد الذي يعانيه الموريتانيون في مؤسسات الدولة، بات يمثل عائقًا حقيقيًا عن تنفيذ خطط الحكومة لبناء المؤسسات؛ إذ تحتل موريتانيا المركز 142 عالميًا في قائمة مؤشر الفساد العالمي من أصل 160 دولة. وأظهر تقرير البنك الدولي أن الدين العام وصل إلى مستوىً غير مسبوق؛ إذ بلغ في أواخر العام 2016 نحو 100% من إجمالي الناتج المحلي، وارتفع مستوى البطالة إلى نسبة 12% بنهاية العام 2016، مقارنة بالعام 2010، والذي كانت نسبة البطالة فيه 10%. ولا تزال مشكلة الفقر من أهم المشكلات التي تعانيها موريتانيا على مستوى دول شمال أفريقيا؛ إذ يعيش نحو 70% من الموريتانيين بأقل من دولارين في اليوم، ويعيش نحو 23% بأقل من دولار وربع الدولار يوميًا. وفي سياقٍ موازٍ، لم تستطع الحكومة الموريتانية، منذ تولي الرئيس محمد ولد عبد العزيز الرئاسة، تحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي وتنموي ملموس، بل، على العكس، تشير التقارير إلى أن الدين العام ارتفع من 2.6 مليار دولار في العام 2008، ليغدو 4.25 مليارات دولار في العام 2014، أي ارتفع ما نسبته 84.27% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى أن أصبحت نسبته 100% عام 2016.
تداعيات الاستفتاء
على الرغم من نجاح الرئيس الموريتاني في تمرير تعديلات دستورية، يحصل من خلالها على صلاحيات تنفيذية تعزّز من قبضته على السلطة، فإنه عمّق الجدل الذي دار بين النظام وقوى
وحتى ذلك الحين، سوف يستمر المشهد السياسي الموريتاني في التشظي، والابتعاد عن تحقيق إجماع شعبي ووطني على إصلاحاتٍ سياسية حقيقية، تمثل مدخلًا للنهوض باقتصاد البلاد، ومواجهة التحديات التنموية الكبرى التي تواجهها. ولا يتحقق هذا الأمر إلا من خلال التحاور والتنسيق مع قوى المعارضة والمجتمع.
خاتمة
يعدّ الصراع على الاستفتاء في موريتانيا سياسيًا، لم يتمكن فيه النظام من جعل النقاش الدستوري فوق الخلافات السياسية، أو أن يكون الخلاف السياسي تحت مظلته. وهذا النوع من الشرخ السياسي، الذي يمتد إلى كل قضية، يميز الأنظمة غير الديمقراطية وغير المجمع على شرعيتها من طرف الحكام والمعارضين.
أدى الاستفتاء على إجراء التعديلات الدستورية، في غياب حوار وطني جامع، تشترك فيه القوى الموالية والمعارضة، إلى تعميق الانقسام السياسي والاجتماعي الذي تشهده موريتانيا. وتهدّد الشكوك في سعي الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى البقاء في السلطة، بعد انتهاء ولايته عام 2019، بشرخ أعمق، يمكن أن تكون له انعكاسات سلبية، في ظل انسداد الأفق أمام إصلاحات سياسية حقيقية، تنعكس إيجابيًا على وضع البلاد الصعب اقتصاديًا وتنمويًا، وهو آخر ما تحتاج إليه موريتانيا.