لم يفلح قرار الحكومة الكويتية منح المواطنين كميات مجانية من البنزين شهريا، لتعويضهم عن ارتفاع أسعاره بعد خفض الدعم، في كسب رضا رجل الشارع ولا المحللين.
فالخطوة التي جاءت تحت ضغوط نيابية، لم تنل استحسان المواطن الكويتي، الذي اعتبرها أقل من اللازم، بينما رآها محللون تعطيلاً جزئياً للخطة التي أعلنتها الحكومة لإصلاح أوضاع الاقتصاد على المدى المتوسط، وحصلت على موافقة البرلمان في يونيو/حزيران الماضي.
وتهدف الاستراتيجية، التي عرفت بوثيقة الإصلاح الاقتصادي، إلى إصلاح الميزانية العامة، وإعادة رسم دور الدولة في الاقتصاد، وزيادة دور القطاع الخاص، وتفعيل مشاركة المواطنين في تملك المشروعات العامة، وإصلاح سوق العمل.
لكن محللين يقولون إن هذه الاستراتيجية، أصبحت اليوم مهددة، أكثر من أي وقت مضى، بسبب الاعتبارات السياسية.
وقدم نواب كويتيون، يوم الخميس الماضي، استجوابا ضد وزير المالية وزير النفط بالوكالة، أنس الصالح، يدور حول ثلاثة محاور تتعلق بشكل أساسي ببرنامج الإصلاح الاقتصادي.
وتتهم صحيفة الاستجواب الوزير "بسوء الإدارة والعشوائية إضراراً بمصالح المواطنين متمثلة في الزيادة غير المدروسة أو المبررة لأسعار الوقود.. والتفريط في حماية مصادر النفط وضياع ثروات البلاد. وافتقاد المصداقية في التعاون مع أعضاء مجلس الأمة".
وتعتمد الكويت، عضو منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك"، على إيرادات النفط في تمويل أكثر من 90% من ميزانيتها العامة. وقد تضررت كثيراً جراء هبوط أسعار الخام إلى أقل من النصف في العامين الأخيرين.
وطبقا لبيانات أعلنها وزير المالية، في يناير/كانون الثاني الماضي، فإن حجم الإنفاق على الدعم يبلغ 2.9 مليار دينار (9.6 مليارات دولار)، ويمثل نحو 15% من إجمالي مصروفات السنة المالية الحالية 2016/2017، التي تنتهي في مارس/آذار المقبل، في حين بلغ 3.78 مليارات دينار في ميزانية السنة الماضية. ويذهب الجزء الأساسي من هذا الدعم إلى الطاقة بمختلف أنواعها.
وأخذت أغلب دول مجلس التعاون الخليجي الست، التي يعتمد اقتصادها على النفط، خطوات مماثلة، بعد التراجع الحاد في إيراداتها إثر انخفاض أسعار النفط عالمياً بأكثر من النصف منذ منتصف عام 2014.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتراجع فيها الحكومة الكويتية، تحت ضغط شعبي ونيابي، عن قرارات مهمة لإصلاح الاقتصاد والتأقلم مع هبوط أسعار النفط.
فقد تراجعت، في أبريل/نيسان الماضي، تحت ضغط إضراب عمال النفط، عن خطة سميت بالبديل الاستراتيجي، وهدفت إلى خفض النفقات وإصلاح مرتبات العاملين في الوظائف الحكومية وتحقيق العدالة بينهم، وفي مقدمتهم عمال النفط الذين يحصلون على مرتبات ومزايا وظيفية لا تقارن بنظرائهم العاملين في وظائف حكومية أخرى.
كما تراجعت أيضا، بضغط من النواب، عن المضي قدما في خطة خصخصة الخطوط الكويتية التي تُمنى بخسائر سنوية كبيرة. وكانت الخطة تقضي بطرح 40% من أسهم الخطوط الكويتية للاكتتاب العام وبيع 35% لمستثمر للأجل الطويل، بينما تحتفظ الحكومة بنسبة 25%، وذلك وفقا للقانون الذي أقره البرلمان في عام 2008.
وقال عبد الله أحمد الشرهان، الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية الكويتية في 2015، إن الحكومة والبرلمان يتجهان لإلغاء حصة الشريك الاستراتيجي، بحيث يبقى 75% من الأسهم ملكا للحكومة، و20% للاكتتاب العام للمواطنين، و5% لموظفي الشركة.
وقال المحلل السياسي أحمد الديين، إن ما وصفه بعدم كفاءة الإدارة السياسية والاقتصادية لدى الدولة، يجعل من الصعب تمرير بعض السياسات، التي تعتبرها الحكومة إصلاحات اقتصادية حيث "تنهار" هذه الخطط عندما تصطدم بأول معارضة.
وأكد الديين أن هناك "مقاومة من داخل المجتمع لهذا البرنامج (الحكومي).. لكن عدم الكفاءة هو العنصر الذي يعوق (تنفيذ البرنامج) أكثر من المقاومة".
وقال مواطن عرّف نفسه بأبي سعود لرويترز، إن غالبية الشعب تعارض هذه القرارات، معتبرا أن زيادة أسعار البنزين "ليست إلا بداية".
وأضاف "هذه القرارات باب لقرارات أكبر.. لو زدت البنزين اليوم ستزيد الكهرباء غدا ثم الماء ثم يأتي دور الرواتب (لتقليصها) والوظائف.. وكل يوم شوية (إجراءات متوالية)".
وبحسب الديين، فإن قدرة الحكومة على مطالبة الشعب بالتضحية وتحمل فاتورة الإصلاح الاقتصادي، ستكون دائما ضعيفة دون اتخاذ خطوات جدية لمواجهة الفساد.
وقال الديين "أمام الفساد المستشري في كل مكان.. كيف تطلب من الناس التضحية مع شعورهم بأن هناك فسادا مستشريا".
وقدم النائب أحمد القضيبي، الأحد الماضي، طلبا لاستجواب وزير العدل الكويتي، يعقوب الصانع، بسبب التأخر في إصدار اللائحة التنفيذية لهيئة مكافحة الفساد. ورد الوزير بأنه يعتبر الاستجواب "فرصة لكشف الجهود، التي تبذلها وزارة العدل بتوجيه من القيادة السياسية لمساندة الهيئة العامة لمكافحة الفساد في تفعيل دورها".
وقال فؤاد عبدالرحمن الهدلق، الرئيس التنفيذي لشركة الفارابي للاستثمار، إن الاتجاه لتخفيض الدعم قوبل برفض شعبي، لأن هناك "اشتراطات مبدئية" لابد أن تسير فيها الحكومة، وأولها خفض ما وصفه "بالهدر"، لاسيما في ملفي مرتبات كبار المسؤولين، وملف العلاج بالخارج المثير للجدل في الكويت.
وأشار الهدلق إلى تجربة السعودية في خفض مرتبات كبار المسؤولين، مع مطالبة الشعب بتحمل تبعات الإصلاح الاقتصادي، مضيفا "لا تبدأ (التقشف) من تحت وأنت لا تخفض من فوق".
واعتبر ناصر النفيسي، مدير مكتب الجمان للدراسات الاقتصادية، أن التقدم في برنامج الإصلاح الاقتصادي "خجول وهامشي" حتى الآن، ويقتصر على بعض الإنجازات "الطفيفة"، وأن الاعتبارات السياسية هي "مربط الفرس" في هذا التأخير.
وقال بدر الملا، الأستاذ في جامعة الكويت على حسابه على تويتر "وثيقة الإصلاح الاقتصادي لم يطبق منها وزير المالية سوى البنود المتعلقة بجيب المواطن، تاركا البنود الأخرى للنسيان".
ويرى المحللون أن الحكومة الكويتية التي ترتكن إلى صندوق سيادي يقدر بأكثر من 600 مليار دولار ويستثمر غالبية أمواله في الخارج، لا تشعر بضغط حقيقي لإجراء الإصلاحات الاقتصادية، حتى لو تضررت ميزانيتها العامة مؤقتا.
وقال الهدلق، إن وجود الصندوق السيادي قد يدعم الإصلاح الاقتصادي، لأنه يمثل "الوسادة التي تعطي الكويت فرصة كبيرة لأي إصلاح اقتصادي قد يمتد لسنوات عديدة".
وأضاف "الكويت وضعها لن يكون خطراً في الوقت الراهن، لكن نريد أن نبني نظاما دائما للمستقبل واقتصادا ينمو.. لا نريد أن الدولة تصير دولة فقيرة في المستقبل مقابل أن نعيش نحن سنوات قليلة في بحبوحة".
وحذر النفيسي من الارتكان إلى الاحتياطيات النقدية الكبيرة، لأن "عشرات المليارات ضاعت في أشهر قليلة" في الأزمة المالية العالمية في 2008.
وأشار إلى أن التغيرات الدولية السريعة، لاسيما بعد إقرار قانون جاستا في الولايات المتحدة، تجعل من الصعب على دول الخليج الارتكان إلى صناديقها السيادية.
ويمنح قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، والذي يعرف اختصارا باسم "جاستا"، استثناء من مبدأ الحصانة السيادية في قضايا الإرهاب على الأراضي الأميركية.
وقال الديين إن حسبة ميزانية الكويت يجب أن تتم بشكل صحيح، بحيث تحتسب عوائد الاستثمار الخارجي للصندوق السيادي للدولة ضمن بند الإيرادات، ولا يتم استبعادها كما هو حادث حاليا.
وأكد الديين أن الإصلاح الاقتصادي الحقيقي، يمكن أن يتم عبر خطوات أخرى من أهمها دعم القطاعات المنتجة، وقيام القطاع الخاص بدوره المجتمعي من خلال توفير فرص عمل للكويتيين، وفرض ضرائب تصاعدية علي الشركات والبنوك، وليس من خلال هذا "البرنامج النيو ليبرالي" للإصلاح.
وقال الديين إن القطاع الخاص يجب أن يدفع ضريبة تصاعدية على الدخل، متسائلا "أيهما أعدل الضريبة على الدخل (للأفراد) أم الضريبة على البنوك والبورصة؟".
( رويترز)