نجحت جهود الأمهات الكرديات المعتصمات منذ عام أمام مقر حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي، الداعم لـ"حزب العمال الكردستاني"، في ولاية دياربكر، في تحرير 15 شخصاً انضموا إلى "الكردستاني" خلال السنوات السابقة، واعتُبروا بمثابة المختطفين، ما يدفع قرابة 150 عائلة لمواصلة اعتصامها المدعوم رسمياً وشعبياً، من أجل تحرير أبنائها، في مسعى للضغط على "الشعوب الديمقراطي" وقياداته. ويأتي ذلك بالتزامن مع العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات التركية داخل البلاد وفي شمال العراق، لتجفيف منابع "الكردستاني"، ووقف عملياته المتواصلة منذ ثمانينيات القرن الماضي، بعدما خلّفت المواجهات بين هذا الحزب والجيش آلاماً كثيرة داخل المجتمع التركي، مع سقوط آلاف القتلى والجرحى، وتوسع الشرخ بين الأتراك والأكراد في تركيا.
وتشجع الحكومة التركية العائدين من صفوف "الكردستاني"، مستغلة محاولات الإقناع عبر الأهالي، بالاستفادة من التعاون وتخفيف الأحكام وعدم السجن وفرض الرقابة العدلية فقط، والإفراج عنهم في حال تعاونهم، وهو ما أسفر عن العودة الطوعية وتسليم قرابة مئتي عنصر آخرين. ولذلك يكتسب الحراك الشعبي من قبل الأمهات والعوائل دعماً كبيراً من الحكومة، لتحقيق الأهداف المرجوة منه بتفكيك "العمال الكردستاني"، من خلال تحريك الجانب الشعبي الذي يضاف إلى المواجهات العسكرية المستمرة.
تشجع الحكومة العائدين مستغلة محاولات الإقناع عبر الأهالي بالاستفادة من التعاون وتخفيف الأحكام وعدم السجن
ويصادف يوم الخميس المقبل، في الثالث من سبتمبر/أيلول، الذكرى السنوية الأولى للاعتصام الذي لم يتوقف على مدار عام، على الرغم من الظروف الجوية، وتفشي جائحة كورونا، وهو لا يزال متواصلاً حتى اليوم داخل خيمة نُصبت أمام مقر "الشعوب"، مراعياً قواعد التباعد الاجتماعي المطلوبة. ويشهد الاعتصام، انضماماً مستمراً للمزيد من العائلات، للمطالبة بعودة أبنائهم من جبال قنديل وبقية الجبال التي يتحصن بها "الكردستاني" في العراق وسورية، وهم يحمّلون الحزب الكردي المسؤولية عن مصير المختطفين. وتواصل عائلات أخرى اعتصامها من المنزل، متضامنة مع المتواجدين في الخيمة، كما حصل الاعتصام على دعم كبير شعبي تركي كبير، وأيضاً من مشاهير ونجوم زاروا الاعتصام مرات عدة، وكذلك من مسؤولين أتراك وفنانين ومطربين وممثلين ورياضيين، لا سيما في الأيام الأولى للاعتصام.
وبدأت قصة الاعتصام عندما اعتصمت هاجرة آكار أمام مقر حزب "الشعوب" في 22 أغسطس/آب من العام الماضي، مطالبة بعودة ابنها محمد، المختطف من قبل "الكردستاني". وخلال اعتصامها، وجهت آكار نداء إلى بقية الأمهات لمشاركتها فيه، لكنها أنهت اعتصامها بعد يومين فقط، مع عودة ابنها في 24 من الشهر ذاته. ومع تحقيقها لمرادها، استجابت بقية الأمهات لدعوتها، متسلحات بحصول آكار على نتيجة، وذلك اعتباراً من 3 سبتمبر/أيلول 2019، لتزداد أعداد المشاركين بشكل مستمر، وتصل إلى 143 عائلة. وبالفعل، نجحت تلك الاعتصامات في إعادة 15 شخصاً من أبناء العوائل، من بينهم فتيات وشبان قرروا العودة إلى ذويهم، فيما لا تزال عائلات معتصمة على الرغم من الضغوط التي تتعرض لها من قبل الحزب الكردي وأنصاره. فقد اشتكت عائلات عدة من اتصالات وتهديدات، لكنها تمسكت بالخطوة التي يصنفها المعتصمون على أنها إنسانية.
وتنوعت المناطق التي قدمت منها العائلات الكردية، من مناطق جنوب شرق البلاد والمدن ذات الأغلبية الكردية، ومن إسطنبول، وأجمعت أغلب روايات العائلات أن أبناءها تعرضوا للإغراء والخديعة من قبل مسؤولي "الشعوب الديمقراطي"، لا سيما بين العامين 2014 و2015، وهي الفترة التي شهدت تشكيل مناطق حكم ذاتي من قبل حزب "الكردستاني" جنوب شرق البلاد، وهو ما أدى إلى مواجهة هذه الخطوة من قبل قوات الجيش التركي، وإعادة تلك المناطق لسلطة الحكومة في أنقرة.