04 نوفمبر 2024
الاغتيال السياسي للإخوان المسلمين في مصر
توفي محمد مرسي، خامس الرؤساء المصريين، وأول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً، في قاعة محكمة مصرية، حوكم فيها داخل قفص زجاجي عازل للصوت مصمم لإسكاته. احتُجز مرسي، منذ اعتقاله، في سجن شديد الحراسة بالقرب من الإسكندرية، وبعد ذلك في العقرب سيئ السمعة، المصمم لسجناء سياسيين يمنحون تذكرة للدخول دون عودة.
خلال ست سنوات من الحبس الانفرادي الذي احتجز فيه مرسي، رأى أسرته ثلاث مرات فقط، ومُنع مرات عدة من مقابلة محاميه، ومن العناية الطبية الكافية لأمراض السكري، وارتفاع ضغط الدم، والكبد. قالت الجهات الرسمية المصرية إنه أصيب بنوبة قلبية، ولكن نشطاء محليين قالوا إن وفاته كانت نتيجة للإهمال الطبي، والتعذيب خلال سنوات احتجازه.
سبق لمنظمة هيومن رايتس مونيتور أن اتّهمت الأجهزة الأمنية المصرية بـ"الإمعان في قتل المعارضين والمعتقلين، باحتجازهم في ظروف غير إنسانية، ومنع الدواء عن المرضى منهم"، كما أفادت لجنة برلمانية بريطانية، برئاسة كريسبين بلانت، بأن محمد مرسي كان محتجزاً في الحبس الانفرادي 23 ساعة يومياً، وصَنَّفت الظروف العامة لسجنه أنها تعذيب، وعبّرت اللجنة عن خشيتها من أن تؤدي تلك المعاملة إلى وفاته المبكرة. تجاهل النظام المصري تلك التقارير، وغيرها، ولم يكترث للتحذيرات. وفي غياب تحقيق تجريه هيئة مستقلة، تؤكد السلطات المصرية اليوم أن وفاة مرسي كانت طبيعية، وأن غير ذلك ما هو إلا "ادعاءات واهية"، واستمرار في "تدوير الأكاذيب".
الحقيقة الساطعة التي لم تعد تخفى على المصريين أن السجناء السياسيين لا يُعاملون وفقاً للقانونين، المصري والدولي، ولا تُراعى لهم حقوق. ومهما كانت نتائج أي تحقيق لهيئات مستقلة، وإن تعذر إثبات مسؤولية النظام المصري عن موت مرسي بيولوجياً، فإن هناك حقيقة سيذكرها التاريخ، أن هذا النظام احتاج ست سنوات لاغتيال مرسي سياسياً. لم يكن من مصلحته اغتيال الرجل بيولوجياً عبر إعدامه، فهو ليس بحاجة إلى سيّد قطب جديد مُلهم، يصبح رمزاً إخوانياً جديداً لجموعٍ غفيرة من المصريين، واكتفى أن يضمن أن معاملته بقسوة سوف
تؤدي إلى تلك النهاية، مع إجبار عائلة مرسي على دفنه في مراسم جنازة أمنية في مقبرة عامة في القاهرة، بدلاً من مقبرة العائلة في محافظة الشرقية. ويدفع موت مرسي في سجنه إلى التساؤل عن مصير 106 آلاف معتقل في السجون المصرية، يتعرّضون للمرض، والتعذيب، وعدم كفاية الرعاية الطبية، أو حرمانهم منها. كم من عمليات الاغتيال السياسي تُنفذ ببطء؟
أيضاً، مورس الاغتيال السياسي ضد جماعة الإخوان المسلمين، بإلصاق صفة الإرهاب بها، وجرى ذلك لصالح أطراف عدة، فبالإضافة إلى نظام عبد الفتاح السيسي هناك إسرائيل ودول خليجية، ولا تزال الإدارة الأميركية الحالية تسعى إلى تشريع لتعيين جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أجنبية. ولم تقدم أي من الحكومات التي صَنّفت "الإخوان" منظمة إرهابية أي دليل ملموس على وجود نشاط إرهابي تجيزه الحركة، وحتى حين دفعت الإمارات رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون إلى إصدار أمر بالتحقيق في وضع "الإخوان" للتوصل إلى نتيجة بشأن ما إذا كانت منظمة إرهابية أم لا؟ جاء ذلك بنتيجة عكسية، وبرّأ تحقيق الحكومة البريطانية جماعة الإخوان المسلمين من تهمة الإرهاب. وتوصلت لجنة برلمانية بعد تحقيق أجرته في السياسة التي تنتهجها الحكومة البريطانية تجاه الإسلام السياسي إلى أن "الإسلاميين السياسيين يشكلون جدار حماية في وجه التطرّف العنيف، وأنه ينبغي التواصل والتفاهم معهم، سواء كانوا في السلطة أم في المعارضة"، واتهمت الحكومة بعدم
الشفافية، وبالخضوع لإملاءات دول خليجية طالبت بإدانة الجماعة بعد الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي في يوليو/ تموز 2013.
طوال أكثر من نصف قرن، كانت جماعة الإخوان المسلمين حليفاً سياسياً وأيديولوجياً للمملكة العربية السعودية (الوثائق التي نشرها روبرت درايفوس في كتابه "لُعبة الشيطان" تؤكد)، وتمتّعت بمساندة كاملة إبّان الفترات الحرجة من دول الخليج (وليس قطر فقط). وعلى الرغم من الاختلاف الأيديولوجي بين "الإسلام الإخواني" الإصلاحي و"الإسلام الخليجي" السلفي الوهابي، ومن أنهما كانا أشبه بخطّين متوازيين لا يلتقيان، تمكّنت السعودية، ودول أخرى، من إرجاء خلافاتها الأيديولوجية، واختلافاتها السياسية مع "الإخوان"، واستثمرتهم ورقة ضغط استراتيجية ضد خصومها في المنطقة.
بعد أحداث "11 سبتمبر" في العام 2011، بدا أن الولايات المتحدة الأميركية تنسحب من تحالفها التاريخي الذي دُشّن على ظهر المدمرة الأميركية كوينسي، العام 1945، مع الأنظمة الملكية التقليدية، وأيديولوجيتها السلفية الوهابية، لتكون أكثر انفتاحاً على الإخوان المسلمين، وتدعهم أيضاً في الساحة السياسية من خلال العملية الديمقراطية. وسعت إدارة الرئيس باراك أوباما إلى إعادة تأهيلهم سياسياً وديمقراطياً، بوصفهم حلفاء جدداً بنمط "إسلام ليبرالي" مقبول غربياً، يحافظ على اتفاقيات السلام، وأمن إسرائيل.
بعد الربيع العربي، سيطر "الإخوان" على السلطة، وأظهروا قوة واستقلالية. دعمت السعودية والإمارات عسكر مصر ضدهم، بعد أن نجحت في تعبِئة تيار سلفي منافس لهم، واستغلّت الشروخ التي حدثت ما بين الولايات المتحدة و"الإخوان" بعد فوز محمد مرسي، سيما التي تسبب بها موقف "الإخوان" من إسرائيل والاتفاقيات الموقعة معها، والعلاقة مع حركة حماس. كان كل شيء جاهزاً للانقلاب على مرسي وجماعته.
الدعم الإقليمي والدولي الذي لقيه "الإخوان" تم استثماره في دعم أهدافهم الحزبية والأيديولوجية الضيّقة، وانشغل الرئيس مرسي بتوطيد السلطة لـ"الإخوان"، بدل أن يتصرف رئيساً لجميع المصريين الذين انتخبوه، وفشل في القضاء على الدولة العميقة التي كانت لا تزال مسيطرة على مؤسسات الدولة المصرية، فضمنت تعاون موظفين مدنيين قليلين مع حكومة مرسي، ما كان له دور في فشل اجتماعي واقتصادي، تسببا في فشل سياسي ذريع أمام الثورة المضادة،
لتفقد الجماعة كثيراً من رصيدها الذي راكمته عقوداً، لصالح الإسلام السلفي وحركات السلفية الجهادية.
غياب الرشد السياسي، والنضج الديمقراطي، دفعا مرسي إلى أن يصدر، في نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2012، قراراً دستورياً، يمنح فيه نفسه صلاحيات واسعة، وحصانة لقراراته ضد أي تحد قضائي، إضافة إلى تحصين الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور، والتي يهيمن عليها الإسلاميون. وجد مصريون كثيرون في القرار الدستوري استحواذاً على سلطات الدولة، وإيجاد دكتاتورية جديدة، وإجهاضاً للثورة. بعدها بشهر نَصّ مرسوم رئاسي بالقانون رقم 107 على أن "تدعم القوات المسلحة أجهزة الشرطة، وبالتنسيق الكامل معها، في إجراءات حفظ الأمن، وحماية المنشآت الحيوية في الدولة، فترة مؤقتة، حتى إعلان نتيجة الاستفتاء على الدستور، ويحدّد وزير الدفاع (عبد الفتاح السيسي) المناطق، وأفراد القوات المسلحة، ومهامهم". وبالتالي بات لضباط القوات المسلحة وضباط الصف المشاركين في ذلك سلطة توقيف المدنيين.
لم يطالب المصريون بإسقاط شخص حسني مبارك فقط، بل أيضاً نظامه العسكري، وبانحيازه للمؤسسة العسكرية على حساب المواطنين المصريين، اختار مرسي، ومن خلفه الإخوان المسلمون، الانتحار السياسي قبل أن تبدأ عملية اغتيالهم سياسياً، وخرج آلاف المصريين إلى الشوارع مطالبين باستقالة مرسي في 30 يونيو/ حزيران 2013، وهي الذكرى السنوية الأولى لتوليه منصبه. بعد ثلاثة أيام من الاحتجاجات الجماهيرية، أطاح عبد الفتاح السيسي بالرجل الذي روّجه ليترأس الجيش.
سبق لمنظمة هيومن رايتس مونيتور أن اتّهمت الأجهزة الأمنية المصرية بـ"الإمعان في قتل المعارضين والمعتقلين، باحتجازهم في ظروف غير إنسانية، ومنع الدواء عن المرضى منهم"، كما أفادت لجنة برلمانية بريطانية، برئاسة كريسبين بلانت، بأن محمد مرسي كان محتجزاً في الحبس الانفرادي 23 ساعة يومياً، وصَنَّفت الظروف العامة لسجنه أنها تعذيب، وعبّرت اللجنة عن خشيتها من أن تؤدي تلك المعاملة إلى وفاته المبكرة. تجاهل النظام المصري تلك التقارير، وغيرها، ولم يكترث للتحذيرات. وفي غياب تحقيق تجريه هيئة مستقلة، تؤكد السلطات المصرية اليوم أن وفاة مرسي كانت طبيعية، وأن غير ذلك ما هو إلا "ادعاءات واهية"، واستمرار في "تدوير الأكاذيب".
الحقيقة الساطعة التي لم تعد تخفى على المصريين أن السجناء السياسيين لا يُعاملون وفقاً للقانونين، المصري والدولي، ولا تُراعى لهم حقوق. ومهما كانت نتائج أي تحقيق لهيئات مستقلة، وإن تعذر إثبات مسؤولية النظام المصري عن موت مرسي بيولوجياً، فإن هناك حقيقة سيذكرها التاريخ، أن هذا النظام احتاج ست سنوات لاغتيال مرسي سياسياً. لم يكن من مصلحته اغتيال الرجل بيولوجياً عبر إعدامه، فهو ليس بحاجة إلى سيّد قطب جديد مُلهم، يصبح رمزاً إخوانياً جديداً لجموعٍ غفيرة من المصريين، واكتفى أن يضمن أن معاملته بقسوة سوف
أيضاً، مورس الاغتيال السياسي ضد جماعة الإخوان المسلمين، بإلصاق صفة الإرهاب بها، وجرى ذلك لصالح أطراف عدة، فبالإضافة إلى نظام عبد الفتاح السيسي هناك إسرائيل ودول خليجية، ولا تزال الإدارة الأميركية الحالية تسعى إلى تشريع لتعيين جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أجنبية. ولم تقدم أي من الحكومات التي صَنّفت "الإخوان" منظمة إرهابية أي دليل ملموس على وجود نشاط إرهابي تجيزه الحركة، وحتى حين دفعت الإمارات رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون إلى إصدار أمر بالتحقيق في وضع "الإخوان" للتوصل إلى نتيجة بشأن ما إذا كانت منظمة إرهابية أم لا؟ جاء ذلك بنتيجة عكسية، وبرّأ تحقيق الحكومة البريطانية جماعة الإخوان المسلمين من تهمة الإرهاب. وتوصلت لجنة برلمانية بعد تحقيق أجرته في السياسة التي تنتهجها الحكومة البريطانية تجاه الإسلام السياسي إلى أن "الإسلاميين السياسيين يشكلون جدار حماية في وجه التطرّف العنيف، وأنه ينبغي التواصل والتفاهم معهم، سواء كانوا في السلطة أم في المعارضة"، واتهمت الحكومة بعدم
طوال أكثر من نصف قرن، كانت جماعة الإخوان المسلمين حليفاً سياسياً وأيديولوجياً للمملكة العربية السعودية (الوثائق التي نشرها روبرت درايفوس في كتابه "لُعبة الشيطان" تؤكد)، وتمتّعت بمساندة كاملة إبّان الفترات الحرجة من دول الخليج (وليس قطر فقط). وعلى الرغم من الاختلاف الأيديولوجي بين "الإسلام الإخواني" الإصلاحي و"الإسلام الخليجي" السلفي الوهابي، ومن أنهما كانا أشبه بخطّين متوازيين لا يلتقيان، تمكّنت السعودية، ودول أخرى، من إرجاء خلافاتها الأيديولوجية، واختلافاتها السياسية مع "الإخوان"، واستثمرتهم ورقة ضغط استراتيجية ضد خصومها في المنطقة.
بعد أحداث "11 سبتمبر" في العام 2011، بدا أن الولايات المتحدة الأميركية تنسحب من تحالفها التاريخي الذي دُشّن على ظهر المدمرة الأميركية كوينسي، العام 1945، مع الأنظمة الملكية التقليدية، وأيديولوجيتها السلفية الوهابية، لتكون أكثر انفتاحاً على الإخوان المسلمين، وتدعهم أيضاً في الساحة السياسية من خلال العملية الديمقراطية. وسعت إدارة الرئيس باراك أوباما إلى إعادة تأهيلهم سياسياً وديمقراطياً، بوصفهم حلفاء جدداً بنمط "إسلام ليبرالي" مقبول غربياً، يحافظ على اتفاقيات السلام، وأمن إسرائيل.
بعد الربيع العربي، سيطر "الإخوان" على السلطة، وأظهروا قوة واستقلالية. دعمت السعودية والإمارات عسكر مصر ضدهم، بعد أن نجحت في تعبِئة تيار سلفي منافس لهم، واستغلّت الشروخ التي حدثت ما بين الولايات المتحدة و"الإخوان" بعد فوز محمد مرسي، سيما التي تسبب بها موقف "الإخوان" من إسرائيل والاتفاقيات الموقعة معها، والعلاقة مع حركة حماس. كان كل شيء جاهزاً للانقلاب على مرسي وجماعته.
الدعم الإقليمي والدولي الذي لقيه "الإخوان" تم استثماره في دعم أهدافهم الحزبية والأيديولوجية الضيّقة، وانشغل الرئيس مرسي بتوطيد السلطة لـ"الإخوان"، بدل أن يتصرف رئيساً لجميع المصريين الذين انتخبوه، وفشل في القضاء على الدولة العميقة التي كانت لا تزال مسيطرة على مؤسسات الدولة المصرية، فضمنت تعاون موظفين مدنيين قليلين مع حكومة مرسي، ما كان له دور في فشل اجتماعي واقتصادي، تسببا في فشل سياسي ذريع أمام الثورة المضادة،
غياب الرشد السياسي، والنضج الديمقراطي، دفعا مرسي إلى أن يصدر، في نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2012، قراراً دستورياً، يمنح فيه نفسه صلاحيات واسعة، وحصانة لقراراته ضد أي تحد قضائي، إضافة إلى تحصين الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور، والتي يهيمن عليها الإسلاميون. وجد مصريون كثيرون في القرار الدستوري استحواذاً على سلطات الدولة، وإيجاد دكتاتورية جديدة، وإجهاضاً للثورة. بعدها بشهر نَصّ مرسوم رئاسي بالقانون رقم 107 على أن "تدعم القوات المسلحة أجهزة الشرطة، وبالتنسيق الكامل معها، في إجراءات حفظ الأمن، وحماية المنشآت الحيوية في الدولة، فترة مؤقتة، حتى إعلان نتيجة الاستفتاء على الدستور، ويحدّد وزير الدفاع (عبد الفتاح السيسي) المناطق، وأفراد القوات المسلحة، ومهامهم". وبالتالي بات لضباط القوات المسلحة وضباط الصف المشاركين في ذلك سلطة توقيف المدنيين.
لم يطالب المصريون بإسقاط شخص حسني مبارك فقط، بل أيضاً نظامه العسكري، وبانحيازه للمؤسسة العسكرية على حساب المواطنين المصريين، اختار مرسي، ومن خلفه الإخوان المسلمون، الانتحار السياسي قبل أن تبدأ عملية اغتيالهم سياسياً، وخرج آلاف المصريين إلى الشوارع مطالبين باستقالة مرسي في 30 يونيو/ حزيران 2013، وهي الذكرى السنوية الأولى لتوليه منصبه. بعد ثلاثة أيام من الاحتجاجات الجماهيرية، أطاح عبد الفتاح السيسي بالرجل الذي روّجه ليترأس الجيش.