ثمة مجموعة من القضايا الاقتصادية تثار في مناخ الانتخابات البرلمانية التركية المرتقب إجراؤها اليوم الأحد، على رأسها انخفاض العملة التركية، وارتفاع معدل التضخم، وزيادة معدلات البطالة في تركيا.
ويتصدر برامج الأحزاب اليسارية قضايا عدالة توزيع الثروة، ورفع رواتب الموظفين والمتقاعدين، بينما يعتمد حزب العدالة والتنمية الحاكم على ما حقق من إنجازات خلال الفترة الماضية، ويفخر بما حققه في ملفات اقتصادية عدة على رأسها ارتفاع حجم احتياطي النقد الأجنبي، والذي وصل إلى 130 مليار دولار بالإضافة إلى احتياطي الذهب الذي بلغ حوالي 20 مليار دولار.
وتسعى "العربي الجديد" في هذا الملف للتعرف على مدى تأثير البعد الاقتصادي لدى الناخب التركي، وإمكانية تأثير الحالة الاقتصادية على توجيه التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
الاقتصاد هو المحك
الباحث التركي ياسين كرنفيل صرح لـ"العربي الجديد" بأن الوضع الاقتصادي يمثل محل اهتمام جميع الأتراك، ويأملون أن تستمر معدلات النمو الاقتصادية الحالية، وألا يُسمح بمعدلات أقل من ذلك. وهناك مجموعة من الملفات التي تهم المواطن التركي في المعركة الانتخابية، على رأسها ارتفاع قيمة الدين المحلي، وانخفاض قيمة العملة الوطنية التركية، حيث وصل سعر الدولار حوالي 2.6 ليرة، وارتفاع معدلات التضخم الذي وصل إلى 7.5% خلال مارس/آذار الماضي، وإن كانت الصادرات التركية قد استفادت بشكل ملحوظ من انخفاض قيمة العملة الوطنية حسب تقدير كرنفيل.
ويضيف كرنفيل أن تخوفات المواطن بشأن معدلات التضخم، تهم نحو 20% من قوة العمل
حيث تقل دخولهم عن متطلبات عيشتهم، ولذلك يسعون للعمل الإضافي لكي يعوضوا النقص في دخولهم.
وعن تأثير قضية البطالة في توجيه التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث وصل معدل البطالة في الربع الأول من عام 2015 نحو 11.2%، أوضح كرنفيل بأن مشكلة
البطالة توجد فقط في مناطق شرق تركيا، بينما غرب تركيا تتوفر فيه فرص العمل بشكل كبير، حتى أن فرص العمل في غرب تركيا تستوعب الإخوة السوريين وبخاصة في قطاع الخدمات.
أما عن البعد الاقتصادي الذي تتبناه الأحزاب التركية المتنافسة في الانتخابات البرلمانية، فيوضح كرنفيل بأن حزب الشعب الجمهوري قدم وعودًا انتخابية تتمثل في رفع رواتب المتقاعدين والموظفين الحكوميين، وتأمين رواتب جيدة للعاملين بالقطاع الخاص، وتمتعهم بكافة المزايا التي يحصل عليها موظفو الحكومة، وكذلك خفض أسعار الطاقة لقطاعات الزراعة والصناعة لتصل إلى 1.5 ليرة للتر البنزين، بدلًا من 4.5 ليرات للّتر. أما حزب الشعوب الديمقراطي فقدم وعوده المتكررة بالحديث عن أهمية العدالة الاجتماعية.
اقرأ أيضاً: تركيا وروسيا: 100 مليار دولار تبادلاً تجارياً بحلول 2020
ويبين كرنفيل بأن الوعود الانتخابية في النواحي الاقتصادية اعتاد عليها الشعب التركي منذ تجربة الثمانينيات والتسعينيات، ولا يثق الناخبون كثيرًا في هذه الوعود، ولكنهم يعتمدون على من يفي بوعوده، لذلك تصوت نسبة كبيرة لحزب العدالة والتنمية.
وبسؤال كرنفيل عن اهتمام حزب العدالة والتنمية بالبعد الاقتصادي، ووزنه في خطابهم الانتخابي هذه المرة، بيّن كرنفيل أن حزب العدالة والتنمية يرفع شعاراً في وجه المعارضة في ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية مفاده "هم يتكلمون ونحن نعمل"، حيث يعتمد العدالة والتنمية على مجموعة المشروعات الكبيرة التي تم افتتاحها، من المطارات والطرق، وكذلك اهتمام الحزب بقطاع التعليم، وتطوير العملية التعليمية لتتم من خلال "الآيباد" الذي توزعه الحكومة مجانًا على الطلاب.
ويشير كرنفيل إلى أن بعض المناطق تتحكم فيها عوامل أخرى لتوجيه التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وعلى رأسها النواحي القومية، فالأكراد يصوتون لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وبخاصة في مناطقهم بشرق تركيا، كما يحصل حزب الحركة القومية على أصوات بعض الناخبين الذين يتمسكون بالقومية التركية.
ترقب اقتصادي
أما الكاتب التركي محمد زاهد غول فيؤكد لـ"العربي الجديد" أن من المعتاد قبل كل استحقاق انتخابي في تركيا، أن تسود حالة من الركود في الاقتصاد التركي، فضلًا عن ترقب المستثمرين وتوقفهم عن تنفيذ استثمارات جديدة، للوقوف على توجهات الحكومة الجديدة التي تفرزها العملية الانتخابية.
ويرى غول أن الوضع الاقتصادي بمشكلاته الحالية لا يمثل هاجسًا كبيرًا لدى المواطن التركي،
بقدر ما يشغله الاستقرار السياسي بالبلاد، ويتوقع غول أن يعود الانتعاش الاقتصادي عقب الإعلان عن نتيجة الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وعن وعود المعارضة برفع رواتب المتعاقدين والموظفين الحاليين، أوضح غول بأن زعيم حزب الشعب الجمهوري عندما سُئل في أحد البرامج التلفزيونية عن مصادر التمويل لهذه الوعود، حيث إن الحكومات عادة ما تكون مقيدة بموارد الموازنة، أجاب بأنه سيلجأ إلى احتياطي النقد الأجنبي الذي بلغ نحو 130 مليار دولار، وهو ما أثار قلق قاعدة عريضة من المواطنين، ترى أن تكوين هذا الاحتياطي صمام أمان لا ينبغي المساس به، ويجب العمل على زيادته وتقويته.
وعن الأجندة الاقتصادية في برامج الأحزاب المتنافسة في الانتخابات البرلمانية المرتقبة، يبين غول بأن حزب الشعوب الديمقراطي يصدر قضايا عدالة توزيع الثروة، ومعاناة شرق البلاد من الفقر، وغياب المشروعات الاستثمارية الكبرى، مقارنة بغرب تركيا.
وعن موقف حزب العدالة والتنمية من هذه الاتهامات، أجاب غول بأن ما تشهده مناطق شرق تركيا من مشروعات، لم تشهده على مدار الـ 90 عام الماضية، فهناك المنطقة الصناعية في ديار بكر، وإنشاء عدة مطارات كبرى، منها أكبر مطار بأوروبا على سطح البحر.
أما عن تأثير البعد الاقتصادي في توجيه الأصوات بالانتخابات، فيوضح غول بأن رجال الأعمال في الغالب الأعم سيصوتون لحزب العدالة والتنمية.
اقرأ أيضاً: أردوغان في إيران.. مصالح التجارة تعلو على خلافات السياسة