يشعر الأكاديمي الكويتي علي الشمري، الأستاذ في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب (ثاني أكبر مؤسسة تعليمية بعد جامعة الكويت) بالقلق على مستقبل جودة التعليم العالي والبحث العلمي في بلاده، بسبب استمرار ظاهرة سرقة وانتحال الأبحاث العلمية من قبل بعض الأساتذة الراغبين بالصعود الأكاديمي السريع عبر الحصول على ترقيات من دون جهد علمي حقيقي في ظل ما يصفه بالتغاضي عن عمليات الانتحال الأدبي والعلمي.
ويعرّف الانتحال الأدبي والعلمي بأنه سرقة أفكار الآخرين وجهودهم وأبحاثهم ونسبتها إلى شخص آخر، والادعاء بأنها من نتاج أفكار الباحث المتورط في الأمر، بل وحتى تقديمها للمجلات العلمية المحكّمة للحصول على ترقيات كما يقول الشمري، موضحا أن لائحة الترقيات المعدلة في جامعة الكويت تشترط على المدرس الذي يرغب بالحصول على مرتبة أستاذ مساعد تقديم خمسة بحوث علمية محكمة، إذ تنص المادة الثالثة من الباب الثاني في لائحة الترقيات الخاصة بالجامعة على أنه "عند الترقية لدرجة أستاذ مساعد يشترط تقديم بحوث منشورة بمجلات علمية محكمة (....)، على أن يكون واحدا منها على الأقل منشورا بمجلة علمية عالمية".
ويبدأ الانتحال الأدبي من تجاوز نسبة الاقتباس المسموح بها إلى سرقة بحث كامل وتغيير اسم الباحث الأصلي، وفق إفادة الأستاذة في كلية التربية بجامعة الكويت، والنائب السابق في مجلس الأمة، الدكتورة سلوى الجسار لـ"العربي الجديد".
الجسار التي تعمل محكّمة للبحوث العلمية المنشورة في المجلات العلمية الجامعية في منطقة الخليج العربي، وسبق لها أن حكّمت عدة بحوث علمية من البحرين والإمارات تقول إن نسبة الاقتباس المسموح بها في البحوث العلمية تصل إلى 10% فقط.
حجم الظاهرة
على الرغم من غياب إحصائية رسمية عن عدد الأبحاث العلمية المنتحلة التي أحيل مقدموها إلى التحقيق، أو التي شُكّلت فيها مجالس تأديبية، إلا أن أكاديمياً في كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت (رفض الكشف عن اسمه خشية تعرضه لمشاكل في جامعته) أكد أن عدد الأبحاث العلمية التي يدور حولها "اللغط" في جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي بالمئات، وهو ما يتطابق مع ما ذهب إليه الأكاديميان في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي علي الشمري، ومحمد الوطيان الذي اعترض على قيام إدارة الهيئة بتجاهل تقرير قدمه عن 6 حالات سرقة بحوث علمية قام بها أستاذان في كلية الدراسات التجارية، أحدهما رُشح لمنصب العميد والآخر رقي إلى بروفيسور نظير أبحاثه المسروقة، وهو ما دفعه إلى مقاضاة إدارة الكلية والأستاذين اللذين يتهمهما بالانتحال العلمي، ولا تزال القضية بحسب إفادته لـ"العربي الجديد" منظورة أمام القضاء الكويتي حتى الآن.
تراجع جودة التعليم
من بين 143 دولة على مستوى العالم، جاءت دول الخليج ضمن أفضل 50 دولة في مجال التعليم باستثناء الكويت التي جاءت في المرتبة 72 وفق ما جاء في تقرير صادر عن شركة "بيت الاستثمار العالمي" (جلوبل) الكويتية الصادر في فبراير/شباط من عام 2017، فيما تتراوح نسبة الإنفاق على التعليم في الكويت من الميزانية العامة للدولة ما بين 8.5% إلى 10.7% خلال السنوات التسع الأخيرة بحسب ما جاء في بحث التعليم الحكومي في الكويت مشكلاته وسبل الحل المنشور على موقع مجلس الأمة الكويتي، وبالإضافة إلى ما سبق احتلت الكويت المرتبة 17 في العالم من حيث الإنفاق على التعليم، إذ وصلت في 2011 إلى 13% من مجموع الإنفاق العام مقارنة بما تنفقه سنغافورة على التعليم الذي يصل إلى (3.3%) من معدل الإنفاق العام، وفق ما ذكرته الأكاديمية الجسار، وبالرغم من الانفاق الكبير الذي تكشف عنه الأرقام السابقة إلا أن جودة النظام التعليمي تراجعت إلى المرتبة الـ 89 عالميا والثامنة عربيا، ووصل التراجع من حيث جودة خدمات البحوث والتدريب إلى المرتبة 121 عالميا من بين 137 دولة وفقاً لتقرير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2017، وهو رقم لا يتناسب مع حجم الإنفاق المالي الكبير للحكومة الكويتية على التعليم، كما يؤكد الأكاديميون المشاركون في التحقيق.
وبلغت خطة ميزانية وزارة التربية والتعليم العالي للعام المالي القادم 2019 مليارين و200 مليون دينار كويتي (ما يعادل 7.2 مليارات دولار أميركي) وهو رقم ضخم جداً ولا يتناسب مع مؤشرات الكويت المتدنية، وفق ما يقول الخبير الاقتصادي الكويتي سلطان العجمي، فيما بلغت ميزانية البحث العلمي في موازنة الكويت لعامي 2018 و2019 ما قيمته 3.6 ملايين دينار كويتي (ما يعادل 12 مليون دولار)، يضاف إليها وفقاً للمرسوم الأميري الصادر في عام 1976 نسبة 1% من أرباح الشركات المساهمة في الكويت الملزمة بتمويل قطاع الأبحاث العلمية، ممثلاً بمؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وهو مصدر تمويل تعتمد عليه المؤسسة بشكل أساسي.
استجوابات برلمانية من دون إجابة
على مدار سنوات، قدم نواب في البرلمان الكويتي عشرات الأسئلة حول عدد البحوث العلمية المسروقة التي اكتشفتها المؤسستين التعليميتين في البلاد، جامعة الكويت، والهيئة العامة للتعليم التطبيقي، لكن الوزراء على اختلافهم لم يجيبوا عن هذه الأسئلة، وهو أمر رآه النائب عبدالكريم الكندري دلالة على استفحال وعظم هذا الملف وخطورته.
ورصد معد التحقيق خمسة استجوابات لنواب في مجلس الأمة (البرلمان الكويتي) الذين وجهوا أسئلة واضحة وصريحة للحكومة خلال الفترة من يناير/كانون الثاني 2017 وحتى يونيو/حزيران الماضي حول حالات السرقات العلمية.
وكان أول هذه الاستجوابات موجهاً لوزير التربية والتعليم العالي الدكتور محمد الفارس من قبل النائب مبارك الحجرف، حول صحة إدانة أساتذة في كلية الدراسات التجارية بسرقة أبحاث علمية مقدمة للترقية من قبل لجنة تحقيق علمية مشكلة بقرار مدير عام الهيئة العامة للتعليم التطبيقي.
وفي إبريل/نيسان 2017 وجه النائب سعدون حماد سؤالاً لوزير التربية والتعليم العالي الفارس حول صحة تعيين أستاذ من الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، مدان بسرقة الأبحاث العلمية، في هيئة تحرير مجلة علمية لكلية العلوم الإدارية في جامعة الكويت، ووجه النائب عبدالكريم الكندري في سبتمبر/أيلول 2017 سؤالاً للوزير حول البحوث العلمية المزورة وطلب تزويده بعدد الحالات التي تمت إدانتها بالسرقة العلمية، أو تزوير البحوث في جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، وما الإجراءات التي اتخذتها الجامعة والهيئة مع من أدين بالسرقة العلمية، أو زوّر بحوثا، وبعد مجيء الوزير الجديد للتربية والتعليم الحالي الدكتور حامد العازمي في منتصف ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، وجّه الكندري السؤال ذاته للوزير الجديد، والذي وعد بالإجابة عنه في منتصف مارس/آذار، لكنه لم يجب عنه حتى الآن.
ووجه النائب محمد الدلال سؤالاً برلمانياً للوزير العازمي في شهر يونيو/حزيران الماضي، حول عدد القضايا المرفوعة ضد الأساتذة في جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب والمتعلقة بسرقتهم أبحاثاً علمية؟ كما تساءل حول آلية معاقبة منتحلي البحوث وآلية الترقيات وحرمانهم منها؟ ولم يرد الوزير عليه حتى الآن، وعبر البحث الأرشيفي، وجد معد التحقيق أن النائبة السابقة في البرلمان الدكتورة سلوى الجسار وجهت سؤالاً في عام 2009 حول البحوث العلمية المنتحلة أيضاً.
لكن الدكتور علي الشمري الذي حمل على عاتقه مهمة محاربة ظاهرة سرقة الأبحاث العلمية يقلل من تلك الاستجوابات التي لا تعدو كونها مجرد وسيلة ضغط سياسي على الوزراء كما يقول، مشيرا إلى أن السؤال البرلماني كان جزءاً من عملية الضغط هذه، والدليل هو عدم رد أيّ من الوزيرين حتى الآن، غير أن الموظف في أمانة مجلس الأمة محمد العتيبي يقول إنه لا توجد في لائحة مجلس الأمة الداخلية ما يلزم الوزير بالرد على السؤال البرلماني، وأن مواد الأسئلة البرلمانية من 121 إلى 131 لم تلزمه بتاتاً.
اتهامات بالتساهل
تواجه وزارة التربية والتعليم العالي، ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، اتهامات بالتساهل مع المتهمين بسرقة وتزوير الأبحاث العلمية، إذ ما زال الكثير منهم يعمل كأستاذ في الجامعة، أو عضوا في المؤسسات المختلفة، رغم ثبوت تهمة السرقة عنه بحسب الدكتورة الجسار، التي أشارت إلى أن آلية التعامل مع البحوث المسروقة تنقسم إلى قسمين، الأول إذا ثبتت سرقة أستاذ جامعي لبحث ما، فإن عميد الكلية يشكل لجنة تحقيق، وتخلص اللجنة إلى صحة، أو كذب هذه الادعاءات، وفي حال صدق هذه الادعاءات، فإن اللجنة تقوم بالتوصية بتشكيل مجلس تأديبي للعقوبة، وهو إجراء تشكك الجسار في القيام به، وتختلف هذه العقوبات، بين خصم الراتب لمدة 15 يوماً، أو الإيقاف عن العمل مدة فصل أو فصلين جامعيين من دون راتب، لكنها لا تصل للطرد.
وفي حالة وجود الشخص الذي سرق البحث العلمي منه، فإنه يقوم برفع دعوى تزوير أمام المحكمة الإدارية في السلك القضائي الكويتي وفق قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960، لكن معد التحقيق اطلع على وثيقة تثبت ضعف العقوبات المفروضة على الأساتذة الذين ثبتت بحقهم تهمة سرقة الأبحاث العلمية، إذ خصمت مديرة الهيئة العامة للتعليم التطبيقي، 15 يوماً من راتب أستاذ جامعي برتبة عميد مساعد في كلية التربية الأساسية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي، بعد إثبات لجنة التحقيق سرقته لبحث أستاذة سعودية جامعية، وقيامه بوضع اسمه على البحث فقط.
ووفقا لمقابلة صحافية أجرتها مجلة أكاديميا الكويتية مع الدكتور سليمان الجسار، المهتم بملاحقة أساتذة الجامعة منتحلي الأبحاث العلمية، فإن الكثير من الأساتذة يستغل ثغرة قانونية في اللوائح الداخلية للتعليم العالي، والتي تنص على عدم إيقاع عقوبة بحق الأستاذ المتهم بتزوير البحث العلمي بعد إثبات لجنة التحقيق ذلك، إذا لم يقم وزير التربية بتشكيل مجلس تأديبي لإيقاع العقوبة في حقه خلال خمس سنوات، وبالتالي فإن الإدانة تسقط نهائياً رغم ثبوت التهمة عليه.
اللجوء إلى القضاء
ضعف العقوبات من قبل لجان التحقيق في جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي، دفعت الأساتذة المعترضين على التزوير إلى القضاء في محاولة لوقف المزورين وطردهم من الجامعات، لكن قصور القوانين التشريعية التي تحارب السرقة العلمية أدت إلى ردّ القضاء بعض القضايا، إذ قام المحامي محمد نومان برفع قضية باسم عدد من أساتذة جامعة الكويت ضد دكتور جامعي سرق بحثاً في مجال التربية الرياضية من جامعة بغداد، لكن القضاء ردّه لعدم الاختصاص عام 2017.
ويعزو نومان في شرحه لـ"العربي الجديد" رفض القضاء النظر فيها بحجة، عدم وجود صاحب ضرر أصلي، وهو ما يعني أن الكويت بحاجة إلى تشريعات لمحاربة الفساد في البحوث العلمية.