الانتخابات الإسرائيلية ومآلات القضية الفلسطينية

18 ابريل 2019
+ الخط -
انتهت الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، وظهرت نتائجها، وبدأ بعض مسؤولي السلطة الفلسطينية ومؤيديها في ممارسة اللطم والندب السياسيَين، وكأن كارثةً قد حلت بالفلسطينيين، وأودت بقضيتهم العادلة إلى التهلكة، فقد انتصر اليمين الذي يرفض حل الدولتين بقيادة نتنياهو، في أجواء دولية مواتية للتيار اليميني عموما، والإسرائيلي خصوصا، في أكثر من دولة، وأهمها الولايات المتحدة الأميركية التي يعتزم رئيسها، دونالد ترامب، قريبا طرح خطته لحل القضية أو النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، والمعروفة إعلاميا بصفقة القرن، والتي تشير جميع المؤشرات إلى حجم الظلم والغبن الذي تتضمنه لجميع الفلسطينيين، ولقضيتهم وحقوقهم طبعا، فهل نحن حقا في خضم كارثةٍ سوف تقضي على القضية الفلسطينية، وتطيح بجميع حقوقنا المسلوبة؟ أم هي مجرّد زوبعة جديدة لا أكثر.
تصعب الإجابة على هذه الأسئلة بنعم أو لا فقط، نظراً إلى تداخل الأوضاع المحلية والخارجية، وصعوبة التكهن بالتطورات المستقبلية. ولكن قد ننجح عبر تتبع المؤشرات، وتحليل الأوضاع، في مقاربة النتائج قريبة وبعيدة المدى، من دون الانجرار خلف عناوين طنّانة ومفزعة، ومنها مستقبل السلطة الفلسطينية، على ضوء نتائج الانتخابات، والميل الواضح إلى رفض خيار الدولتين. وهو ما يتطلب أولا إدراك طبيعة حل الدولتين، المدعوم دوليا والمقبول إسرائيليا منذ توقيع اتفاق أوسلو، عبر التدقيق في المعاهدات والاتفاقات الموقعة؛ والأهم عبر التمعّن في بنية السلطة المدعومة دوليا وطبيعتها، وهو ما يوضح أن حل الدولتين قد وصل إلى خواتيمه وفق النظرة الإسرائيلية والدولية، بعيداً عن أوهام المتعلقين بآمال القانون الدولي، وبعيداً أيضا عن الدخول في متاهات الاحتمالات الوهمية والعديدة المبنية على افتراضاتٍ لا يمكن التكهن بنتائجها، مثل تأثير هزيمة نتنياهو على مسار التفاوض، أو نجاح هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الأميركية وغيرها من الاحتمالات اللانهائية العدد.
لكن وبعيداً عن الافتراضات، علينا الانطلاق من أرض الواقع، حيث ثبتت منذ نحو 26 عاما استحالة تحقيق حل الدولتين وفق نصوص القانون الدولي، نتيجة الاستمرار في البناء 
الاستيطاني، بل وتوسّعه أيضا، على الأراضي المفترض أن تقوم عليها دولة فلسطينية، وقضم مزيد منها عبر جدار الفصل العنصري، والإصرار الإسرائيلي والدولي على نزع أي مظهر من مظاهر الدولة ومقوماتها، من السيادة على الأرض والتحكّم في حدود الدولة، إلى بناء القدرات العسكرية البسيطة، ولو لأغراض دفاعية فقط، أو تقديم حلول بديلة ومشابهة، تضمن حماية الدولة المزمعة إقامتها من أي اعتداء خارجي، فضلاً عن التبعية الاقتصادية، وتقويض إمكانات بناء اقتصاد مستقل، وذي ملامح واضحة، قادر على إدارة شؤون الدولة المزعومة اليومية، من دون الخضوع لسيطرة الاحتلال أولاً، والداعمين الدوليين، وأولهم الولايات المتحدة، ثانيا. وهو ما يعيدنا إلى الحقيقة التي تعلمها الغالبية العظمى من الفلسطينيين والمتابعين للوضع الفلسطيني، وتفسر وتشرح دور السلطة وطبيعتها، بأنها إحدى وسائل تخليص إسرائيل من أعباء الاحتلال الطبيعية اللوجستية والاقتصادية والسياسية والأمنية، وإلقائها على أكتاف السلطة الوليدة الخاضعة كليا لإرادة الاحتلال ومشيئته. وعليه، تحملت هذه السلطة الوهمية مسؤولية ضبط المجتمع الفلسطيني، وإدارة شؤونه اليومية وفق الإمكانات التي سمح بها الاحتلال، وبالتالي تمت حماية الاحتلال من جميع موجات الغضب الشعبية، الناجمة عن سوء الخدمات وتردّي الأوضاع عموما. وهو ما مثل تفصيلا صغيرا في مهمة حماية الاحتلال الذي يتجسّد فعليا بالتنسيق الأمني، القائم على لعب السلطة دور أجهزة الشرطة والأمن داخل أماكن سيطرتها، من أجل ضبط أي مبادرات فردية أو جماعية قد تشكل خطرا على قوات الاحتلال ومؤسساته ومناطقه، وهو ما تُفاخر السلطة به في أحيانٍ كثيرة.
لذا نستطيع القول، وبوضوح كامل، إنه لا أمل في إحداث تحول حقيقي بواقع السلطة، مهما كانت نتائج الانتخابات الإسرائيلية أم الأميركية، وإن الفرق الحقيقي بين نجاح نتنياهو ونجاح أي طرف آخر، أو بين مواقف الرؤساء الأميركيين، يدور حول مدى تضييق الخناق على الطرف الفلسطيني، بمعنى أن الفرق الوحيد المحتمل هو مدى شدة العقوبات، والتهديدات التي تطاول الفلسطينيين وممثليهم أمام المجتمع الدولي. أما الدولة المستقلة، فلا تتعدّى حيز الحلم وفق هذا المسار الاستسلامي. ومن ناحية أخرى، أضحت السلطة وقواها الأمنية وبناها الإدارية بمثابة ركيزة أساسية للاحتلال، يصعب الاستغناء عنها أو تدميرها، نظراً إلى حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، وبأقل الإمكانات الممكنة، وبحكم الخدمات الجليلة التي تقدمها للاحتلال، وهو ما يجب أن ينعكس في فهم مقاصد رفض حل الدولتين من الجزء الأكبر من القوى والأحزاب الإسرائيلية، وخصوصا من نتنياهو (قوى اليمين الإسرائيلي وفق التصنيف 
الإعلامي)، إذا لا يعبر هذا الموقف عن عزم هذه القوى والجهات على إعادة فرض السيطرة العسكرية والسياسية على كل الأراضي الفلسطينية باستثناء قطاع غزة، بقدر ما يعبّر عن أن القناعة السائدة اليوم في أوساط الاحتلال تعتقد أنه حان الأوان لتسمية الأمور بسمياتها، بعيداً عن ألاعيب العملية السياسية وأكاذيبها والتضليليّات الإعلامية العربية أو العالمية على حد سواء. وهو ما يعيدنا إلى حل الدولتين، أو المسار التفاوضي الذي هو واقعيا استسلامي، يسير، منذ بداياته، في مسارٍ لن يفضي إلى أي سلام أو استقرار. وطبعا لن يفضي إلى دولة فلسطينية في جوار الاحتلال، وهو ما يصر الاحتلال وداعموه، وخصوصا الولايات المتحدة، على إيضاحه اليوم من دون لف أو دوران، عبر تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية، منهيةً بذلك مرحلة التلاعب في الكلمات والتسميات التي تدغدغ مشاعر بعضهم، بالتزامن مع الاستمرار في فرض سيطرة الاحتلال ونفوذه على مجمل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة أو غالبيتها. وعليه، نستطيع القول إن مرحلة حماية الاحتلال واستنزاف الفلسطينيين وأسرهم وتقويض حقوقهم انتهت، بشكل غير مباشر أو تحت مسميات الحلول المرحلية، لصالح تنفيذ جميع رغبات الاحتلال، مع القطع النهائي لهذه الأوهام الوردية، عبر التأكيد على سلطة الاحتلال ونفوذه، وعلى دور السلطة المحلية تابعا وخادما للاحتلال لا أكثر. يثير هذا الوضوح حفيظة (وغضب) فلسطينيين كثيرين وداعميهم في الأوساط الشعبية الحرّة، وهو أمر محمود وجيد على المدى البعيد نسبيا، لأنه بمثابة إعلان نهاية الحلم أو الوهم الذي غرق به بعض أبناء الشعب الفلسطيني. وبالتالي، هو وللأسف بمثابة نهايةٍ لا بد منها لمرحلة أكل عليها الدهر وشرب، وبداية مرحلة وعي ووحدة ونضال جديدة، يجب أن تكون أكثر جذريةً وشموليةً وإنسانيةً وموضوعية.
75812723-2689-4553-B56D-72CE271905DB
حيّان جابر
كاتب فلسطيني، مشارك في إعداد ملحق فلسطين.