اقرأ أيضاً: شتاء إيراني انتخابي ساخن: المواجهة المزدوجة الكبرى في فبراير
ويبدو المحافظون على اختلاف جبهاتهم وتكتلاتهم الأكثر حرصاً على الفوز؛ فقد أدرك أبناء هذا التيار متشددين كانوا أم تقليديين أم معتدلين، الخطر الذي يتربص بهم، إذ أن هذه الجولة الانتخابية تختلف عن سابقتها، التي جرت قبل أربعة أعوام، حين سيطروا بسهولة على غالبية مقاعد البرلمان الحالي، وانحصر السباق بين محافظين تقليديين وآخرين تمت تسميتهم حينها بالمحافظين الجدد؛ وهم المحسوبون على تيار الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.
الوضع يختلف في هذه الانتخابات، إذ أن المعتدلين والإصلاحيين يشكلان خطراً جدياً. ويبدو أن هؤلاء متفقون على الأقل فيما بينهم على طريقة خوض السباق، فيما تتعدّد تكتلات وجبهات المحافظين وتختلف فيما بينها، لذا تركز أبرز الأسماء في هذا التيار على ضرورة تحقيق تقارب، قد يصل لمشاركة المحافظين جميعاً تحت اسم جبهة واحدة أو تكتل واحد.
وعقد أخيراً اجتماع للجنة العليا للشورى المركزية في ائتلاف المحافظين، دون أن تشارك فيه وجوه الائتلاف المعروفة، كرئيس البرلمان الحالي علي لاريجاني، ونائبه محمد رضا باهنر، ورئيس بلدية طهران والمرشح الرئاسي السابق محمد باقر قاليباف، وحتى مستشار المرشد علي أكبر ولايتي. وبرّر المتحدث باسم اللجنة والمرشح للانتخابات التشريعية غلام علي حداد عادل الأمر بانشغالاتهم الكثيرة.
وأكد حداد عادل الذي ترأس البرلمان في سنوات سابقة، في كلمته التي نشرتها المواقع الرسمية الإيرانية على ضرورة الإخلاص لتيار المحافظين، قائلاً إن محاولة خلق شرخ بينهم يدفع ثمنه من يريد تفرقة المحافظين. ونوه إلى أن لجنة المحافظين المركزية هي التي ستحدد آلية المشاركة في المستقبل القريب، وقد تقدم أسماء دون أخرى، ما قد يعني ضرورة انسحاب بعض المرشحين بغية تحقيق الفوز المنشود في البرلمان، على حدّ تعبيره.
ورغم المعطيات التي تشير إلى أنّ المحافظين يشعرون بتهديد منافسيهم المرتقب، وتؤكد على أنهم يمرون بظروف حساسة، إلا أنهم لا يريدون أن تكون العوامل نفسها هي سبب ابتعادهم عن المشهد السياسي المقبل. ورغم ذلك، استطاعوا خلال هذه المرحلة تحديد عناوين حملاتهم الانتخابية، والتي سيركزون فيها على ثغرات لم تستطع حكومة الاعتدال الحالية حلّها.
وأضاف عادل أن الأهم الآن هو بناء اقتصاد البلاد المقاوم، وهو الاصطلاح الذي يعني ضرورة تحقيق اكتفاء ذاتي في وقت لم تلغ فيه بعد كل العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، ولم ينل الغرب ثقة الإيرانيين المطلقة. ويدرك المحافظون أن لديهم جمهوراً في الشارع الإيراني يتقبل هذه الشعارات ويؤيدها، وهم من لم يلمسوا حتى الآن نتائج الاتفاق النووي العملية، ومن يريدون تحسين الوضع المعيشي الداخلي دون مد اليد لأعداء إيران كما يعتبرون.
ويلمح المحافظون بغالبيتهم وبأسمائهم المعروفة لضرورة خوض السباق الانتخابي المقبل دون الخروج عن القانون، والعودة بالبلاد لمرحلة إثارة الفتن. ويقصدون بذلك احتجاجات عام 2009، التي أثارها مناصرو المرشح الرئاسي الإصلاحي ميرحسين موسوي إبان فوز منافسه نجاد بدورة رئاسية ثانية مشككين بنزاهة عملية فرز الأصوات. وهو الأمر الذي لم تتقبله أيضاً فئة لا تزال متواجدة في الشارع الإيراني، واعتبرت أن ما جرى في البداية كاحتجاجات مشروعة تحول إلى بلبلة فقدت بوصلتها الأصلية وباتت تخدم رغبات أعداء البلاد كما يقولون. ويسعى المحافظون لنيل هذه الأصوات.
في المقابل، يملك الإصلاحيون وللمرة الأولى منذ أعوام فرصة خوض سباق انتخابي حقيقي؛ فبعد عام 2009، غابوا عن المشهد السياسي وتفرقت آراءهم بين من يدعم موسوي ومن يقف ضد تصعيده. وتأثرت وحدة كلمتهم وفقدوا مشجعين لهم في الشارع، كما اضطر مرشحهم خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة محمد رضا عارف للانسحاب من السباق في مراحله الأخيرة، ليمنح أصوات مؤيديه للرئيس المعتدل الحالي حسن روحاني، فقد كان يعلم أن بقاءه يعني خسارته وخسارة روحاني معه لصالح مرشح محافظ، لكن بانسحابه ضَمِن عودة الإصلاحين للمشهد السياسي بتعيينات قدمها روحاني لهم في حكومته وفي مراكز صنع القرار المعني بها.
ومع عودتهم تدريجياً وارتفاع صوتهم، تبدو رغبتهم واضحة بخوض السباق كإصلاحيين، لا كمتحدين مع المعتدلين. وتقدم محمد رضا عارف بترشحه للانتخابات التشريعية، وحظوظه تبقى قوية في حال أيدت لجنة صيانة الدستور أهليته للترشح، كونه سيقود جبهة الإصلاح في السباق المقبل.
وقد أعلن عضو حزب اعتماد ملي الإصلاحي محمد رضا خباز أن كلا من عارف وعبد الواحد موسوي لاري ومحمد علي غريباني وهم من ذات التيار، قد اتفقوا على توجه المرشحين الإصلاحيين وبشكل واحد موحد نحو السباق التشريعي.
وفي حال فوزهم بغالبية المقاعد، يتوقع أن يقدم الإصلاحيون عارف ليكون مرشحهم لرئاسة البرلمان المقبل، وحتى وإن كان برلماناً ائتلافياً بين التيارات الثلاثة أو بين تيارين منها، سيكون عارف منافساً للاريجاني الذي قدم نفسه كمرشح انتخابي مستقل لا كمحافظ، وهي خطوة تقرأ على أن لاريجاني يسعى لنيل أصوات المعتدلين ليجلس على كرسي الرئاسة مجدداً، ولكن كل هذا يبقى مشروطاً بشكل البرلمان المقبل.
في هذه الأثناء، لا يمكن الاستهانة بتيار "الاعتدال"، وهو التيار الذي يحظى بدعم رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني، ويقوده فعلياً الرئيس حسن روحاني. يعمل هؤلاء في الوقت الحالي على دعم مرشحيهم المعتدلين إضافة إلى ضم ذوي التوجهات المعتدلة لا المتشددة في كلا التيارين المحافظ والإصلاحي. وتعدّ جبهتهم السيناريو الأفضل للفوز في الوقت الراهن، فجبهتهم هي الأكثر قبولاً في الشارع، وقد استغلوا أخطاء حكومة نجاد السابقة، وتوصلوا للاتفاق النووي مع الغرب، وسيعملون على استخدام هذين الأمرين كشعارات لحملاتهم الانتخابية المرتقبة.
في ظل كل هذه الاستعدادات، يبقى الوضع الاقتصادي هو العنوان الأول لكل المرشحين للانتخابات التشريعية، فهو الهم الذي يشغل بال الإيرانيين في الشارع، وهم غير معنيين بآراء الساسة بقدر ما يريدون من يحل لهم مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية. وفي انتظار احتدام السباق التشريعي يبقى القرار في الوقت الراهن للجنة صيانة الدستور التي ستقلص عدد المتقدمين للترشح بشكل كبير، وحسب لوائحها المعلنة سيبدو شكل السباق القادم أكثر وضوحاً.
اقرأ أيضاً: إيران في مواجهة الاستحقاقات الداخلية