24 أكتوبر 2024
الانتخابات البرلمانية في المغرب.. اختبار المسار الديمقراطي
يستعد المغرب لإجراء الانتخابات التشريعية، الأسبوع المقبل، وهي الثانية بعد إقرار دستور 2011. ويمثّل هذا الاستحقاق الانتخابي مناسبةً لتقييم سياسات حزب العدالة والتنمية الموجود في السلطة منذ خمسة أعوام، واختبارًا لقدرته على الاحتفاظ بالتأييد الشعبي الذي حصده في الانتخابات السابقة. وتمثّل هذه الانتخابات أيضًا مناسبةً لاختبار مدى التزام القصر بمسار الإصلاحات ذات المنحى الديمقراطي التي أطلقها عام 2011، واحتفاظه بالمسافة نفسها من الأحزاب السياسية المتنافسة، لتبيان قدرتها الذاتية على استقطاب الناخبين عبر البرامج التي تقدّمها.
وتنظّم هذه الانتخابات بعد عام على الانتخابات الجهوية والمحلية التي جرت في سبتمبر/ أيلول 2015، وعدّت نتائجها على نطاق واسع انعكاسًا لتركيبة المشهد السياسي المغربي. وبناءً على هذه النتائج، يتوقع أن تكون المنافسة قويةً بين الحزبين الكبيرين: العدالة والتنمية (ذو هوية إسلامية، يقود الحكومة حاليًا إلى جانب تحالف من أحزاب من اليمين واليسار)، والأصالة والمعاصرة (وسط مقرب من النظام الملكي، ويمثل المعارضة). وكانت الانتخابات المحلية والجهوية أسفرت عن تقاربٍ كبير في النتائج بين الحزبين، مع اختلاف في أوساط التأييد ومواقع القوة لكلٍّ منهما؛ فقد حصد "العدالة والتنمية" نتائج متقدمة في المدن، بينما فاز منافسه "الأصالة والمعاصرة" بغالبية المقاعد في الأرياف. وهو ما قرأ فيه متابعون كثيرون للشأن السياسي المغربي استمرارية لـ "سوسيولوجيا" الانتخابات نفسها التي حكمت المغرب منذ الاستقلال؛ فقد مثّلت الدوائر الانتخابية في الأرياف خزّانًا انتخابيًا للأحزاب المقرّبة من القصر (النظام)، بينما ظلّت المدن واجهةً للمنافسة بين أحزاب معارضة للنظام وأخرى موالية له.
المشهد السياسي عشية الانتخابات
وفقًا للبيانات الرسمية، بشأن إيداع التصريحات بالترشيح لانتخاب أعضاء مجلس النواب،
يشارك في انتخابات الأسبوع المقبل 24 حزبًا سياسيا وتحالفان حزبيان (التحالف يضمّ حزبين سياسيين أو أكثر). وقد بلغ عدد لوائح الترشيح المقدمة برسم جميع الدوائر الانتخابية المحلية والدائرة الانتخابية الوطنية ما مجموعه 1410 لوائح، تشتمل في المجموع على 6992 مترشّحًا ومترشّحة، منها 1385 لائحة ترشيح، جرى إيداعها برسم الدوائر الانتخابية المحلية، وتتضمن 4742 مترشحًا ومترشحة، أي بمعدل 15 لائحة عن كلّ دائرة محلية، علمًا أنّ عدد اللوائح المودعة عن كلّ دائرة انتخابية محلية يراوح بين تسع لوائح في الحد أدنى و25 لائحة عدداً أقصى، إضافةً إلى تقديم لائحتي ترشيح من دون انتماء سياسي.
بلغة الأرقام، استطاعت ثلاثة أحزاب فقط تغطية مختلف الدوائر الانتخابية المحلية، ما يؤكد أنّها معنيةٌ بالتنافس على احتلال الرتبة الأولى في هذه الانتخابات؛ ويتعلق الأمر بكلٍّ من حزب الاستقلال (يمين محافظ)، وحزب العدالة والتنمية، وحزب الأصالة والمعاصرة، إلّا أنّ المؤشرات الانتخابية تُنذر بأن يكون التنافس على خط النهاية بين الأخيريْن فحسب؛ فقد رشّحا معًا في كلّ الدوائر الانتخابية المحلية، بنسبة تغطية بلغت مئة في المئة. وفي المقابل، راوحت تغطية باقي الأحزاب السياسية المشاركة في هذه الانتخابات بين 97.8 في المئة (90 لائحة من أصل 92) و13 في المئة فقط (12 لائحة فقط من أصل 92)، مع الأخذ في الحسبان أنّ كثيراً من الصراع الانتخابي يتركّز أساسًا بين ثمانية أحزاب رئيسة في المغرب: العدالة والتنمية (محافظ ذو هوية إسلامية)، والأصالة والمعاصرة (وسط مدعوم من أوساط في محيط القصر)، والاستقلال (يمين محافظ)، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (اشتراكي يساري)، والحركة الشعبية (يمين مقرب من النظام)، والتجمع الوطني للأحرار (يمين مقرّب من النظام)، ثم التقدم والاشتراكية (شيوعي متحالف مع العدالة والتنمية).
وفي العموم، يمكن تصنيف هذه الأحزاب في إطار ثلاث فئات من القوى الحزبية في المشهد السياسي المغربي: الأحزاب السياسية الصاعدة التي أكدت قوتها وعزّزت حضورها، والأحزاب التي كانت تعدّ ركائز النظام السياسي المغربي، وأخذت قوّتها تتلاشى وحضورها يتضاءل، وبين الصاعد والآفل توجد أحزابٌ ينحصر همها في ضمان مكانٍ لها في أيّ ائتلاف حاكم، يبعدها عن مقاعد المعارضة.
تشمل الفئة الأولى التي ستقود العمل السياسي المغربي، في الفترة المقبلة، كما ذكرنا سابقًا،
على طرفين قويين: "العدالة والتنمية" الموجود في السلطة منذ خمس سنوات، والذي نجح وفقًا لنتائج الانتخابات المحلية، أخيراً، في انتزاع إدارة شؤون أهم المدن الرئيسة: الدار البيضاء، وفاس، ومراكش، والرباط، ومكناس؛ و"الأصالة والمعاصرة" الذي غدا القوة السياسية الثانية في المغرب، بفضل دعم الناخبين في المناطق الريفية، وبرزت قوة الحزب خصوصًا على المستوى الجهوي، حيث فاز برئاسة خمس جهات، في حين أنّ "العدالة والتنمية" تمكّن من الحصول على جهتين فقط. ومن هنا، يعدّ "الأصالة والمعاصرة" منافسًا كبيرا للحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية، ويتضح هذا جليًا خصوصا في أعقاب الاستقالة الجماعية لمسؤولين تنفيذيين كبار من "العدالة والتنمية" الذين انضموا لحزب الأصالة والمعاصرة. لذا يحتفظ الأخير بحظوظه كاملة في الفوز في انتخابات الأسبوع المقبل.
يمثّل حزب الاستقلال الفئة الثانية من الأحزاب التي تعاني انخفاضًا كبيرًا في شعبيتها؛ فبعد تجربةٍ في المعارضة، يحاول حزب الاستقلال استرجاع موقعه الاعتيادي في الحكومة، بوصفه الحزب الأول في تاريخ المغرب وصاحب المركز الثالث في انتخابات 2015، ما يعطي إشارةً واضحةً إلى نيته العودة بقوة إلى الساحة السياسية.
أما الأحزاب الأخرى، مثل التجمع الوطني للأحرار، والتقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية، الموجودة اليوم داخل الائتلاف الحكومي، فتدرك عدم قدرتها على التنافس، إلّا أنّها ترغب في تحسين وضعيتها للتأثير في التركيبة السياسية المغربية، ومن ثم ضمان مكانتها في الأغلبية، قصد المشاركة، مرة أخرى، في الائتلاف الحكومي.
ثنائية قطبية
في الخطاب السياسي الذي سبق الحملة الانتخابية، بدأت تتشكّل بوادر اصطفاف سياسي ثنائي يقوده طرفَا الصراع الانتخابي اليوم في المغرب: "الأصالة والمعاصرة" و"العدالة والتنمية"؛ فالأخير أعلن تحالفه مع "التقدم والاشتراكية" (حزب شيوعي مغربي) من أجل قيادة الحكومة المقبلة، بينما يراهن منافسوه في "الأصالة والمعاصرة" على إنهاء تجربته في الحكم، بدعمٍ من أطرافٍ في محيط النظام الملكي، وهو ما بيّنته المواقف والمواجهات غير المعلنة بين رئيس الحكومة وأمين عام "العدالة والتنمية"، عبد الإله بنكيران، ومستشار ملك المغرب محمد السادس الذي كان وراء فكرة تأسيس حزبٍ منافس للمد الإسلامي.
باتت حالة الاصطفاف الثنائي داخل المشهد الحزبي المغربي، عشية بدء الانتخابات، تثير مخاوف من أن تمثّل الثنائية القطبية الناشئة بين "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة" خطرًا على الديمقراطية المغربية، ومبرّرًا لإقصاء "العدالة والتنمية"، في تحالفٍ مع أحزاب من اليمين واليسار، لأنّ السلطة ما زالت في يد نظام ملكي يسود ويحكم، على الرغم من إلزام الملك نفسه بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدّر الانتخابات النيابية. وهو ما مثّل تحوّلًا كبيرا في إعادة توزيع السلطة، بموجب تعديل دستوري سنة 2011، جرى توصيفه بـ "دسترة المنهجية الديمقراطية" في الحالة المغربية.
موقف القصر
باستقراء المؤشرات السياسية، يظهر أنّ جهاتٍ داخل الدولة لا تريد استمرار "العدالة والتنمية" في الحكم، وتصوغ مبرّراتها في ذلك بهدم كلّ الأطروحات التي روّجها "العدالة
والتنمية"، لتحسين صورته لدى دوائر المؤسسة الملكية، وهي المهمة التي يبدو أنّ هذه الجهات (محيط الملك) نجحت في تحقيق بعضها، من خلال ما تضمّنه خطاب الملك، محمد السادس، في يوم 30 يوليو/ تموز الماضي، بمناسبة الذكرى 17 لجلوسه على العرش؛ فقد استغرب الملك "أن البعض يقوم بممارساتٍ تتنافى مع مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي، ويطلق تصريحاتٍ ومفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمسّ بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولةٍ لكسب أصوات وتعاطف الناخبين (..). فبمجرد اقتراب موعد الانتخابات، .... الجميع حكومة وأحزابا، مرشحين وناخبين، .... يدخلون في فوضى وصراعاتٍ، لا علاقة لها بحرية الاختيار التي يمثلها الانتخاب". وقد رأى مهتمون بتحليل الخطاب السياسي أنّ في الكلام توبيخًا بالتلميح لكلّ الأحزاب، بما في ذلك "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة".
لا يبدو أنّ النظام الحاكم في المغرب يأخذ المسافة نفسها من كلّ الأطياف السياسية؛ وإذا كانت المفاضلة بين "الأصالة والمعاصرة" و"العدالة والتنمية" تقع لمصلحة الأول على حساب الثاني، فإنّ صناديق الاقتراع، في السنوات الأخيرة، دائمًا ترجّح الكفة لفائدة "العدالة والتنمية"، ما يعني أن "تحكّم" الدولة في العملية السياسية لا يعني تدخّلها في العملية الانتخابية؛ وهو ما أكّدته نتائج الانتخابات البلدية التي حلّ فيها "العدالة والتنمية" أوّلاً، واكتسح حواضر عديدة، وجعلته الحزب الأول في المملكة؛ قد تساعد هذه الوضعية الحزب على حصد نتائج جيدة في انتخابات الأسبوع المقبل، بالنظر إلى معطيين: يكمن أولهما في قصر المسافة الزمنية بين الانتخابات المحلية (سبتمبر/ أيلول 2015) ونظيرتها البرلمانية (أكتوبر/ تشرين الأول 2016). ويتمثل ثانيهما في أن "العدالة والتنمية" يملك قاعدةً انتخابيةً ثابتة، حريصة على المشاركة في التصويت، في حين يملك منافسوه قواعد انتخابية متأرجحة.
احتمالات التشكيلة الحكومية المقبلة
تشير هيمنة حزب العدالة والتنمية إلى جانب حزب الأصالة والمعاصرة على المشهد السياسي المغربي إلى أنّ انتخابات الأسبوع المقبل تمثّل تحديًا كبيرا لمستقبل البلاد؛ فبعد هذه التجربة الانتخابية سيحدّد مدى تفضيل المغاربة الاستمرارية مع "العدالة والتنمية" وسياساته، ومدى اقتناعهم بالحاجة إلى التغيير مع حزب الأصالة والمعاصرة.
في حالة فوزه، يتوقع أن يعزّز "العدالة والتنمية" موقفه بوصفه القوة السياسية الأكبر في البلاد، ومن خلال تجديد شرعيته، سيتمكّن من مواصلة سياسته التي يجري تنفيذها منذ عام 2011. أمّا تحالفه الحكومي، فيمكن، على سبيل المثال، أن يتكون من أحزاب الاستقلال، والتقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية، والأحزاب الأخرى التي ترغب في تجنّب مقاعد المعارضة. في الواقع، تعدّ هذه الفرضية الأكثر واقعية. ولكن، لا يستبعد هذا كله فوز حزب الأصالة والمعاصرة، واختلال المشهد السياسي في المغرب.
يتميز "الأصالة والمعاصرة" بهيكلته المتطورة وتفاعل أنصاره، ما يجعل قوّته في تزايد مستمر؛ فللحزب القدرة على مواجهة "العدالة والتنمية" والخروج منتصرًا. لتحقيق ذلك، يركّز قادته على خطابٍ يعلن القطيعة مع سياسة غريمه التي يعدّها عاجزة عن مواجهة التحديات على الصعيدين الوطني والدولي. وبذلك، يرى نفسه الأكثر استعدادا والأكفأ لقيادة البلاد في المرحلة المقبلة.
في حال فوزه، سينشئ حزب الأصالة والمعاصرة تحالفاً حكومياً، يعتقد أن يتكون من حزب التجمع الوطني للأحرار (أعلن دعمه الأصالة والمعاصرة)، وربما "الاستقلال" الذي يطمح إلى أن يأخذ مكانه في الأغلبية، ولا يستبعد أيضًا مشاركة الاتحاد الاشتراكي فرصة للخروج من حقل المعارضة. وسيبقى موقف القصر العامل المرجّح بين الاحتماليْن، في حال كانت النتائج متقاربة.
وتنظّم هذه الانتخابات بعد عام على الانتخابات الجهوية والمحلية التي جرت في سبتمبر/ أيلول 2015، وعدّت نتائجها على نطاق واسع انعكاسًا لتركيبة المشهد السياسي المغربي. وبناءً على هذه النتائج، يتوقع أن تكون المنافسة قويةً بين الحزبين الكبيرين: العدالة والتنمية (ذو هوية إسلامية، يقود الحكومة حاليًا إلى جانب تحالف من أحزاب من اليمين واليسار)، والأصالة والمعاصرة (وسط مقرب من النظام الملكي، ويمثل المعارضة). وكانت الانتخابات المحلية والجهوية أسفرت عن تقاربٍ كبير في النتائج بين الحزبين، مع اختلاف في أوساط التأييد ومواقع القوة لكلٍّ منهما؛ فقد حصد "العدالة والتنمية" نتائج متقدمة في المدن، بينما فاز منافسه "الأصالة والمعاصرة" بغالبية المقاعد في الأرياف. وهو ما قرأ فيه متابعون كثيرون للشأن السياسي المغربي استمرارية لـ "سوسيولوجيا" الانتخابات نفسها التي حكمت المغرب منذ الاستقلال؛ فقد مثّلت الدوائر الانتخابية في الأرياف خزّانًا انتخابيًا للأحزاب المقرّبة من القصر (النظام)، بينما ظلّت المدن واجهةً للمنافسة بين أحزاب معارضة للنظام وأخرى موالية له.
المشهد السياسي عشية الانتخابات
وفقًا للبيانات الرسمية، بشأن إيداع التصريحات بالترشيح لانتخاب أعضاء مجلس النواب،
بلغة الأرقام، استطاعت ثلاثة أحزاب فقط تغطية مختلف الدوائر الانتخابية المحلية، ما يؤكد أنّها معنيةٌ بالتنافس على احتلال الرتبة الأولى في هذه الانتخابات؛ ويتعلق الأمر بكلٍّ من حزب الاستقلال (يمين محافظ)، وحزب العدالة والتنمية، وحزب الأصالة والمعاصرة، إلّا أنّ المؤشرات الانتخابية تُنذر بأن يكون التنافس على خط النهاية بين الأخيريْن فحسب؛ فقد رشّحا معًا في كلّ الدوائر الانتخابية المحلية، بنسبة تغطية بلغت مئة في المئة. وفي المقابل، راوحت تغطية باقي الأحزاب السياسية المشاركة في هذه الانتخابات بين 97.8 في المئة (90 لائحة من أصل 92) و13 في المئة فقط (12 لائحة فقط من أصل 92)، مع الأخذ في الحسبان أنّ كثيراً من الصراع الانتخابي يتركّز أساسًا بين ثمانية أحزاب رئيسة في المغرب: العدالة والتنمية (محافظ ذو هوية إسلامية)، والأصالة والمعاصرة (وسط مدعوم من أوساط في محيط القصر)، والاستقلال (يمين محافظ)، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (اشتراكي يساري)، والحركة الشعبية (يمين مقرب من النظام)، والتجمع الوطني للأحرار (يمين مقرّب من النظام)، ثم التقدم والاشتراكية (شيوعي متحالف مع العدالة والتنمية).
وفي العموم، يمكن تصنيف هذه الأحزاب في إطار ثلاث فئات من القوى الحزبية في المشهد السياسي المغربي: الأحزاب السياسية الصاعدة التي أكدت قوتها وعزّزت حضورها، والأحزاب التي كانت تعدّ ركائز النظام السياسي المغربي، وأخذت قوّتها تتلاشى وحضورها يتضاءل، وبين الصاعد والآفل توجد أحزابٌ ينحصر همها في ضمان مكانٍ لها في أيّ ائتلاف حاكم، يبعدها عن مقاعد المعارضة.
تشمل الفئة الأولى التي ستقود العمل السياسي المغربي، في الفترة المقبلة، كما ذكرنا سابقًا،
يمثّل حزب الاستقلال الفئة الثانية من الأحزاب التي تعاني انخفاضًا كبيرًا في شعبيتها؛ فبعد تجربةٍ في المعارضة، يحاول حزب الاستقلال استرجاع موقعه الاعتيادي في الحكومة، بوصفه الحزب الأول في تاريخ المغرب وصاحب المركز الثالث في انتخابات 2015، ما يعطي إشارةً واضحةً إلى نيته العودة بقوة إلى الساحة السياسية.
أما الأحزاب الأخرى، مثل التجمع الوطني للأحرار، والتقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية، الموجودة اليوم داخل الائتلاف الحكومي، فتدرك عدم قدرتها على التنافس، إلّا أنّها ترغب في تحسين وضعيتها للتأثير في التركيبة السياسية المغربية، ومن ثم ضمان مكانتها في الأغلبية، قصد المشاركة، مرة أخرى، في الائتلاف الحكومي.
ثنائية قطبية
في الخطاب السياسي الذي سبق الحملة الانتخابية، بدأت تتشكّل بوادر اصطفاف سياسي ثنائي يقوده طرفَا الصراع الانتخابي اليوم في المغرب: "الأصالة والمعاصرة" و"العدالة والتنمية"؛ فالأخير أعلن تحالفه مع "التقدم والاشتراكية" (حزب شيوعي مغربي) من أجل قيادة الحكومة المقبلة، بينما يراهن منافسوه في "الأصالة والمعاصرة" على إنهاء تجربته في الحكم، بدعمٍ من أطرافٍ في محيط النظام الملكي، وهو ما بيّنته المواقف والمواجهات غير المعلنة بين رئيس الحكومة وأمين عام "العدالة والتنمية"، عبد الإله بنكيران، ومستشار ملك المغرب محمد السادس الذي كان وراء فكرة تأسيس حزبٍ منافس للمد الإسلامي.
باتت حالة الاصطفاف الثنائي داخل المشهد الحزبي المغربي، عشية بدء الانتخابات، تثير مخاوف من أن تمثّل الثنائية القطبية الناشئة بين "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة" خطرًا على الديمقراطية المغربية، ومبرّرًا لإقصاء "العدالة والتنمية"، في تحالفٍ مع أحزاب من اليمين واليسار، لأنّ السلطة ما زالت في يد نظام ملكي يسود ويحكم، على الرغم من إلزام الملك نفسه بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدّر الانتخابات النيابية. وهو ما مثّل تحوّلًا كبيرا في إعادة توزيع السلطة، بموجب تعديل دستوري سنة 2011، جرى توصيفه بـ "دسترة المنهجية الديمقراطية" في الحالة المغربية.
موقف القصر
باستقراء المؤشرات السياسية، يظهر أنّ جهاتٍ داخل الدولة لا تريد استمرار "العدالة والتنمية" في الحكم، وتصوغ مبرّراتها في ذلك بهدم كلّ الأطروحات التي روّجها "العدالة
لا يبدو أنّ النظام الحاكم في المغرب يأخذ المسافة نفسها من كلّ الأطياف السياسية؛ وإذا كانت المفاضلة بين "الأصالة والمعاصرة" و"العدالة والتنمية" تقع لمصلحة الأول على حساب الثاني، فإنّ صناديق الاقتراع، في السنوات الأخيرة، دائمًا ترجّح الكفة لفائدة "العدالة والتنمية"، ما يعني أن "تحكّم" الدولة في العملية السياسية لا يعني تدخّلها في العملية الانتخابية؛ وهو ما أكّدته نتائج الانتخابات البلدية التي حلّ فيها "العدالة والتنمية" أوّلاً، واكتسح حواضر عديدة، وجعلته الحزب الأول في المملكة؛ قد تساعد هذه الوضعية الحزب على حصد نتائج جيدة في انتخابات الأسبوع المقبل، بالنظر إلى معطيين: يكمن أولهما في قصر المسافة الزمنية بين الانتخابات المحلية (سبتمبر/ أيلول 2015) ونظيرتها البرلمانية (أكتوبر/ تشرين الأول 2016). ويتمثل ثانيهما في أن "العدالة والتنمية" يملك قاعدةً انتخابيةً ثابتة، حريصة على المشاركة في التصويت، في حين يملك منافسوه قواعد انتخابية متأرجحة.
احتمالات التشكيلة الحكومية المقبلة
تشير هيمنة حزب العدالة والتنمية إلى جانب حزب الأصالة والمعاصرة على المشهد السياسي المغربي إلى أنّ انتخابات الأسبوع المقبل تمثّل تحديًا كبيرا لمستقبل البلاد؛ فبعد هذه التجربة الانتخابية سيحدّد مدى تفضيل المغاربة الاستمرارية مع "العدالة والتنمية" وسياساته، ومدى اقتناعهم بالحاجة إلى التغيير مع حزب الأصالة والمعاصرة.
في حالة فوزه، يتوقع أن يعزّز "العدالة والتنمية" موقفه بوصفه القوة السياسية الأكبر في البلاد، ومن خلال تجديد شرعيته، سيتمكّن من مواصلة سياسته التي يجري تنفيذها منذ عام 2011. أمّا تحالفه الحكومي، فيمكن، على سبيل المثال، أن يتكون من أحزاب الاستقلال، والتقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية، والأحزاب الأخرى التي ترغب في تجنّب مقاعد المعارضة. في الواقع، تعدّ هذه الفرضية الأكثر واقعية. ولكن، لا يستبعد هذا كله فوز حزب الأصالة والمعاصرة، واختلال المشهد السياسي في المغرب.
يتميز "الأصالة والمعاصرة" بهيكلته المتطورة وتفاعل أنصاره، ما يجعل قوّته في تزايد مستمر؛ فللحزب القدرة على مواجهة "العدالة والتنمية" والخروج منتصرًا. لتحقيق ذلك، يركّز قادته على خطابٍ يعلن القطيعة مع سياسة غريمه التي يعدّها عاجزة عن مواجهة التحديات على الصعيدين الوطني والدولي. وبذلك، يرى نفسه الأكثر استعدادا والأكفأ لقيادة البلاد في المرحلة المقبلة.
في حال فوزه، سينشئ حزب الأصالة والمعاصرة تحالفاً حكومياً، يعتقد أن يتكون من حزب التجمع الوطني للأحرار (أعلن دعمه الأصالة والمعاصرة)، وربما "الاستقلال" الذي يطمح إلى أن يأخذ مكانه في الأغلبية، ولا يستبعد أيضًا مشاركة الاتحاد الاشتراكي فرصة للخروج من حقل المعارضة. وسيبقى موقف القصر العامل المرجّح بين الاحتماليْن، في حال كانت النتائج متقاربة.