قلبت الأسابيع التي سبقت الانتخابات البرلمانية البريطانية موازين اهتمامات الشعب البريطاني. فبعد أن كان همّ غالبيته "البريكست" وكيفية الوصول إلى اتفاقية تصبّ في صالح بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، بات أمن البلاد يحتل الأولوية، عقب الاعتداءات الإرهابية التي وقعت في مانشستر ولندن.
أصبح النقاش الأساسي في الحملات الانتخابية، التي يقودها حزب "المحافظين" وحزب "العمّال"، يدور حول كيفية حفظ الأمن في البلاد، وراح الطرفان يتبادلان الاتّهامات، ويتعهّدان ببذل المزيد من الجهود لجعل بريطانيا بلداً أكثر أمناً.
وقد جذب اعتداء جسر لندن الأخير الشرطة البريطانية إلى منطقة باركينغ، شرق العاصمة، بعد أن تبيّن أنّ أحد المهاجمين عاش فيها.
وتعتبر باركينغ منطقة متنوّعة عرقياً، تقطنها جالية باكستانية نسبتها 17 في المائة، يليهم البريطانيون البيض بنسبة 16 في المائة، فالأفارقة السود بـ15 في المائة، فضلاً عن الهنود والآسيويين.
وللتعرّف على آراء الناس حيال الانتخابات البرلمانية، تجوّل "العربي الجديد" في هذه المنطقة.
وفي السياق، قال ستيفن مور، رجل أعمال بريطاني، إنّ "الكثير من الأمور حدثت مع اعتداءي مانشستر ولندن، لكنّ ذلك لم يبدّل شيئاً"، مضيفا أنّ "الشعب في هذه البلاد لم يصوّت لـ"بريكست" والخروج من الاتحاد الأوروبي لأسباب اقتصادية. نحن نريد علاقات تجارية قويّة مع الاتحاد بعد خروجنا منه، وجميع الأحزاب تكرّر ذلك".
وأوضح مور: "في الواقع صوّتنا للخروج، لأنّ الاتحاد الأوروبي تطوّر ليصبح "اتحادا سياسيا"، مع امتلاك قوّة كبيرة للتحكّم بمن يمكنه القدوم للعيش في هذه البلاد. إنّها سلطة مهمّة تفرض علينا كيفية التعامل مع قضية الهجرة وكيفية حفظ الأمن على حدودنا، وحفظ السلامة العامة. لذلك لطالما احتلت مسألة الأمن أولويات "البريكست" بالنسبة لمعظم الأشخاص الذين صوّتوا للخروج من الاتحاد الأوروبي".
وأبرز المتحدث ذاته: "لو كانت المسألة اقتصادية فقط فلا أعتقد أنّنا كنّا سنصوّت للرحيل. ولو تسنّى لي احتساء كوب شاي لفضّلت تناوله مع جيريمي كوربين، وليس تيريزا ماي. بيد أنّ القضية تكمن في إدارة البلاد، وامتلاك القوّة في مفاوضات "البريكست"، حتى نكون جميعنا أكثر أمناً ممّا نحن عليه اليوم. ولا أظن أنّ كوربين وحزبه يستطيعان القيام بذلك، كما أنّ بقية الأحزاب هامشية، لذلك سأصوّت للمحافظين".
بدوره، قال جون، مواطن بريطاني في السبعينيات من العمر من سكّان هذه المنطقة، إنّه يعتقد أنّ "بريكست" هي العنصر الأساسي للقضاء على ما يحدث في البلاد حالياً، وأيضاً اعتبر الأمن مسألة مهمة، "لكن لا يمكن التحكّم فيه من قبل أي من الأحزاب، لذلك ينبغي أن يفوز حزب المحافظين"، وأضاف:"سأصوّت لهم".
ولم يختلف رأيه عن رأي زميلة له، التي رأت أنّ "الحكومة الحالية هي القادرة على حفظ أمن البلاد بشكل أفضل"، مشيرة بذلك إلى "حزب المحافظين". وتابعت أنّها ستصوّت له، "لأنّه كان الأفضل خلال السنوات الماضية"، مؤكدة أنّ "ما يجري الآن حدث في الماضي، قبل أن يتولى المحافظون الحكم، ولذلك قد تزيد (تيريزا ماي) عدد الشرطة من جديد، إن اقتضى الأمر".
وكان لـ"العربي الجديد" حديث مع بيساراني، الذي قال إنّه لا يعتقد أنّ "بريكست" هي العنصر الرئيسي، "بل هناك مسائل عديدة مهمّة للمجتمع الأوسع، مثل خدمات الصحة العامة والتعليم، ورعاية كبار السن، والنقل العام، والوظائف، وتوزيع أفضل لثروات البلاد والأمن". وتساءل بيساراني: "إن كنت وزيرة الداخلية على مدى سبع سنوات، وعجزت عن جعل شوارع بريطانيا أكثر أمنا، فكيف ستقومين بذلك الآن؟ إن كنت قد قلّصت أعداد الشرطة بـ20 ألفا خلال السبع سنوات الماضية، كيف من الممكن أن نكون أكثر أمناً؟".
وأكّد المتحدث ذاته أنّه لا يثق بتيريزا ماي في ما يتعلّق بأمن البلاد، "لأنّهم ليسوا أحرارا في التصريح عن مصادر الإرهاب، أو الاعتراف بإلقاء اللوم على سياستهم الخارجية"، متابعا أنّ "الناس بحاجة للتغيير، وقد مُنحوا الأمل في ذلك. لكن بالتأكيد ليس من قبل تيريزا ماي، بل من شخص ذي مبادئ لا يمتلك أسهما في أي شركة، وأمضى حياته في العمل على تأمين مجتمع أكثر عدلاً، وهو جيريمي كوربين".
في المقابل، عبّر آخرون من الشباب الأصغر سنّاً من الأقليات الأفريقية البريطانية عن دعمهم لحزب "العمّال".
فتاة في العشرينيات من العمر قالت، لـ"العربي الجديد"، إنّ الأهم بالنسبة لها في الوقت الحالي هو الأمن، و"لكن للتعامل مع هذه المسألة هناك علاقة تربطها بالبريكست.. القضيتان مترابطتان".
وأكملت أنّه "من المهم أن يصوّت الناس لحزب "العمّال"، لأنّه من الضروري أن ننفق كي نتمكّن من جمع المال". وتابعت أنّ حزب "المحافظين" الذي يمتلك السلطة حالياً، يحتفظ بكل شيء لذاته، وبالنسبة لأمثالها كـ"حاصلة على شهادة في التربية، وأعجز عن الحصول على وظيفة دائمة، لأن جميع المعاملات تعتمد على الوكالات، فضلاً عن عقود عمل بمعدّل صفر ساعات… هذا غير عادل. وأيضاً لا ينبغي علينا أن نحيا في قلق على حياتنا، ولا يمكن أن نستمر بشكل يومي في القلق من احتمالية أن يقوم شخص ما باعتداء. لذلك أعتقد أنّه من الضروري أن يتجّه الجميع للتصويت لحزب "العمّال"".
بدوره، أسهب الشاب الثلاثيني، من سكّان المنطقة من أصول أفريقية أيضاً، في التعبير عن رأيه في الانتخابات البرلمانية، وقال إن "العديد من الأشخاص لا يعلمون ما الذي يحدث بشأن البريكست.. والكثير منهم يصوتون من دون أن يدركوا ما هي الاتفاقية التي سنحظى بها. وفي ما يتعلّق بما هو أهم بالنسبة لي الآن، وما يحدث حاليا في لندن ومانشستر، وباريس وغيرها، أعتقد أنّ الأمن مهم جداً. وفي ظل حكم "المحافظين" رأينا عدد عناصر الشرطة انخفض بشكل كبير. وهذا غير آمن أبداً".
وأكمل أنّ حزب "العمّال" يهدف إلى زيادة أعداد الشرطة، وتوفير المعدّات والموارد اللازمة لجهاز المخابرات البريطانية، كي لا يتكرّر ما حدث مرتين في غضون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع.
وعلّق: "هذه إنجلترا، لدينا مخابرات في كل مكان، ولدينا أصدقاء من دول مختلفة، وتقليص أعداد الشرطة جعل الشارع غير آمن، ونحن خائفون.. أعتقد أنّه في ظل حكم حزب "العمّال" لدينا فرصة، لكن مع "المحافظين" تنعدم هذه الآمال بالكامل".
وأضاف: "جلّ ما يقوم به "المحافظون" هو التقشّف في كل شيء… الأشخاص مثلك ومثلي، علينا أن ندفع الكثير من الضرائب، لكن أولئك الذين يمتلكون المال الكافي لا يدفعون المبالغ التي ننفقها. كيف يكون ذلك عادلاً؟ وحين ولاية ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء السابق، قال إنّنا جميعنا في هذا معاً، لكن لا يبدو الأمر كذلك. نحن لسنا معهم، لأنّنا نعمل ما يقارب الـ40 ساعة أسبوعياً، ولا يبقى لنا أي مال لننفقه على أشياء نريدها أو على العائلة، لأنّنا ندفعه على الضرائب وارتفاع الإيجارات. أنا بعد أن أدفع كل ما هو مطلوب مني يبقى لي فقط حوالي 300 جنيه إسترليني لأعيش بها".
وأردف أنّ "حزب "العمّال" قدّم الكثير من التفاصيل والبيانات، ومنها 10 جنيهات الحد الأدنى في الساعة للعامل، فكيف نقول لا لهذا؟".
وبالنسبة للتصويت، لا يزال هذا الشاب يشعر بالتردد، علما أنّه "على يقين أن جيريمي كوربين يمثّل عائلته"، في مقابل توضيحه أنّ "السيدة ماي لا تمثله أو تمثل زملاءه، أو أولئك الأشخاص الذين يعيشون على دخل منخفض". لذلك قال إن "أراد الناس التصويت، فليصوتوا لحزب "العمال" وجيريمي كوربين، ولننس ما يقوله الناس عنه، لأنّ الأهم ما يقوله هو وما يتعهّد به".
كذلك، قالت مواطنة بريطانية هندية من سكّان باركينغ إنّ "الأمن هو الأهم بالنسبة لها، لأنّه من غير الأمن لن تستطيع التجوّل أو حضور حفل، أو أي مناسبة، لأنّهم يشعرون بالخوف من الخروج ولا يعلمون أين ومتى وما الذي سيحدث؟"، مشددة على أنّ "جميع الأحزاب تتعهّد بحفظ الأمن في البلاد، لكن هم لا يوفون بوعودهم"، رافضة الإفصاح عن الحزب الذي ستصوّت له.
إلى ذلك، وبعيداً عن الانتخابات، كانت سيارة الشرطة مركونة بالقرب من سكن المهاجم في شارع كينغز ستريت. وتبيّن اليوم أنّ خورام بوت، المهاجم الباكستاني، كان يعمل مدير مكتب في مطعم كنتاكي في باركينغ، وفق ما نشرت صحيفة "ديلي تلغراف"، مشيرة إلى أنّها تعتقد أنّ يوسف زاغبى، المعتدي الآخر، تمّ توظيفه هناك في الوقت ذاته، في حين أنّ رشيد رضوان، الشريك الثالث في هجوم جسر لندن، كان زبوناً منتظماً للمطعم.