يتوجّه الأميركيون، اليوم الثلاثاء، في خمسين ولاية، لتبديل أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، أو التمديد للأعضاء الحاليين المرشحين من جديد. كما سيدلون بأصواتهم على النطاق المحلي في كل ولاية، لاختيار حكام ولايات وأعضاء مجالس تشريعية في هذه الولايات، ومسؤولين عموميين على مختلف المستويات في أكثر من ثلاثة آلاف مقاطعة، إضافة إلى الإجابة عن استفتاءات تتعلق معظمها بقضايا محلية على مستوى كل بلدية ومقاطعة وولاية من الولايات الـ50. وتُصنّف هذه الانتخابات بالنصفية لأنها تأتي في منتصف ولاية الرئيس الأميركي.
وقبل متابعة نتائج الانتخابات، لا بد من التوقّف عند حقائق أساسية تتلخّص في نقاط عشر. أولاً، تفيد معظم التوقعات أن صباح غداً الأربعاء، سيكون يوماً سعيداً للجمهوريين وسيئاً للديمقراطيين. الطرفان يعرفان ذلك، ولكن الحزب الديمقراطي يأمل ألا تكون الخسارة كارثية، فيما يأمل الحزب الجمهوري بأن يكون النصر كاسحاً.
أساس المنافسة سيكون مجلس الشيوخ، فإذا نجح الجمهوريون في الحصول على أغلبية تتجاوز الـ50 في المائة من المقاعد، فإنّ هذا الأمر سيمثّل انتصاراً كبيراً لهم، وإذا خسر الديمقراطيون عدداً من المقاعد مع احتفاظهم بالأغلبية، فإن الخسارة لن تكون كارثية بالنسبة لهم حتى وإن لم تكن النتيجة سعيدة.
وتتمثّل النقطة الثانية في تركيبة مجلس الشيوخ، إذ يملك الجمهوريون حالياً 45 مقعداً في المجلس، مقابل 55 مقعداً للديمقراطيين، وهذا يعني أنهم بحاجة إلى انتزاع ستة مقاعد على الأقل من الحزب الديمقراطي ليكون لديهم 51 مقعداً تؤهلهم للحصول على لقب حزب الأغلبية في مجلس الشيوخ.
وتشير التوقعات إلى أنه بات مؤكداً انتزاع الجمهوريين مقعدين من الحزب الديمقراطي، ولكنهم ينافسون بقوة على أربعة مقاعد من بين 12 مقعداً خاضعة للمنافسة، ويشغلها ديمقراطيون حالياً.
أما النقطة الثالثة فتتمثّل في أن بعض المرشحين لمجلس الشيوخ يعلنون استقلاليتهم أو يتأرجحون في الولاء الحزبي بين الجمهوري والديمقراطي، وعند وجود تقارب شديد فإن مثل هؤلاء قد يحددون مصير الحزب صاحب الأغلبية، عن طريق انتقالهم من حزب إلى آخر، أو إنهاء استقلاليتهم وإعلان أنفسهم مع أحد الحزبين الكبيرين، أو البقاء في حزب ثالث. الأمر الذي يؤثّر على الحزب الساعي للأغلبية في حال عدم وجود أصوات ترجيحية كافيه لديه.
نقطة أخرى مهمة في السباق الانتخابي، وهي أن أكثر الأشخاص تأثراً بنتائج الانتخابات سلباً أو إيجاباً، سيكون بلا شك السيناتور الجمهوري عن ولاية كينتاكي ميتش ماكونيل، فهو حالياً زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، وفي حال فوزه وحزبه، فإن ذلك قد يجعله رئيساً للأغلبية في مجلس الشيوخ، أما في حال خسارته فقد يؤدي ذلك إلى بقاء حزبه حزباً للأقلية في المجلس وخسارته شخصياً لعمله وخروجه نهائياً من اللعبة السياسية.
أما النقطة الخامسة المهمة، فتتجلّى في كون أن الديمقراطيين، كالعادة، يملكون الشعبية الأكبر بين النساء والشباب والأقليات، ولكن هذه الفئات معروفة بعزوفها عن التصويت أو مشاركتها بنسب منخفضة جداً في الانتخابات النصفية، لأنها لا تشهد تنافساً على منصب الرئيس الذي يجذب الناس للمشاركة.
ولكن إذا استطاع الحزب الديمقراطي حث الناس على المشاركة، فإن ارتفاع نسبة الاقتراع قد تقلل خسارته وتمكّنه من الحفاظ على الأغلبية في مجلس الشيوخ وتقليل الخسارة في مجلس النواب.
ومن المفارقات أن الولايات المتحدة تُروّج لما تسميه بـ "الكوتا النسائية"، أي ضمان حصول النساء على نسبة 30 في المائة من المقاعد، خصوصاً في بلدان نامية مثل أفغانستان واليمن، بل وتشترط هذه النسبة لتقديم المساعدات، لكن هذه النسبة لم تصل إليها الولايات المتحدة أبداً في تاريخها. وفي الانتخابات الحالية، إذا فازت جميع النساء المرشحات، فإن نسبة مشاركة المرأة في مجلسي النواب والشيوخ لن تصل بأي حال من الأحوال إلى 20 في المائة، وهي أعلى نسبة تحققت للمرأة الأميركية في الكونغرس منذ تأسيسه، ومنذ ما قبل السماح للمرأة بممارسة حقها الدستوري في التصويت والترشح.
مفارقة سادسة مهمة لفتت الأنظار، فقد تمكنت المرشحة الجمهورية لمجلس الشيوخ عن ولاية أيوا جوني إرنست، من جذب الناخبين، لدرجة أصبحت تهدد الحزب الديمقراطي بخسارة الأغلبية إذا ما فازت في الولاية، التي كانت فأل الخير للرئيس الأميركي باراك أوباما، وللحزب الديمقراطي في كل الانتخابات التي خاضها أوباما على المستوى الفدرالي. وبالتالي فخسارة ولاية أيوا تعني فقدان "الفأل الحسن" بالنسبة لكثير من مناصري أوباما.
النقطة السابعة المهمة، تكمن في أن ولاية كولورادو، هي من الولايات المتأرجحة بين الديمقراطيين والجمهوريين، وتُعتبر حالياً ديمقراطية، ولكنها بحسب استطلاعات الرأي ستتحول إلى جمهورية، الأمر الذي قد يؤثر على مزاج الناخبين في انتخابات الرئاسة عام 2016، ويجعل الناخبين يصوتون للمرشح الرئاسي الجمهوري.
أما النقطة الثامنة اللافتة في الانتخابات النصفية، فتُظهر أن الصراع في مجلس النواب أقل حدّة، إذ أصبح في حكم المؤكد أن الحزب الجمهوري سوف يعزز هيمنته على المجلس. ولا يأمل الحزب الديمقراطي في تغيير النتيجة لصالحه، نظراً لاستحالة ذلك وفقاً لحسابات راسمي الاستراتيجيات الانتخابية من الحزب الديمقراطي.
للجمهوريين حالياً 233 مقعداً من أصل 435 من مقاعد مجلس النواب، وبمقدورهم حسب معظم التوقعات، رفع هذا العدد إلى 245 مقعداً، وهو رقم لم يحصلوا عليه منذ عهد الرئيس الراحل هاري ترومان (1945 ـ 1953) حتى اليوم.
كما تُلاحَظ نقطة تاسعة أساسية، وهي أن الانتخابات على المستوى الفدرالي تشمل التنافس على كل مقاعد مجلس النواب، إذ تمتد خدمة النائب لسنتين فقط، في حين أن عضو مجلس الشيوخ يُنتخب لفترة ست سنوات، ما يعني أن التنافس يتم كل سنتين على ثلث المقاعد فقط إضافة لأي مقاعد قد تكون شاغرة بسبب الوفاة أو الاستقالة.
ولكن الانتخابات ستشهد أيضاً تنافساً على نسبة كبيرة من مواقع حكام الولايات، وربما يحرز الحزب الديمقراطي تقدماً في بعض الولايات. كما سيجري كذلك الاستفتاء الجانبي على بعض القضايا، مثل الموافقة على سنِّ تشريعات تجيز شراء وبيع وتدخين الماريجوانا بكميات محدودة في بعض الولايات بطريقة شرعية.
وتبقى النقطة العاشرة والأخيرة، وهي أنه على الرغم من التقدم التقني في فرز النتائج، إلا أن اليوم لن ينتهي بمعرفة النتائج النهائية، خصوصاً خارج الولايات المتحدة، في البلدان التي يصل فارق التوقيت بينها وبين الولايات المتحدة إلى سبع ساعات أو أكثر.
وعلى سبيل المثال، فإن العالم العربي قد يعرف النتائج، غداً صباحاً، وقد يتأخر الأمر في حال وجود تقارب كبير بين الحزبين، لأن بعض الولايات لا تسمح قوانينها بإعلان نتائج رسمية قبل الفرز اليدوي. كما أن هناك ولايات مثل ألاسكا ولويزيانا وجورجيا، تسمح بخوض جولة ثانية في حال لم يحصل أحد المرشحين على نسبة 50 في المائة من الأصوات المتنافس عليها، وقد يحدث ذلك في المواقع التي يوجد فيها مرشح ثالث منافس للمرشحين الديمقراطي والجمهوري.