الاختلافات الثقافية بين المهاجرين والألمان لا يراها البعض اليوم في هذه الدائرة، بل كمعوق لاندماج المهاجرين في المجتمع الذي استقبلهم
أثارت قضية السياسي المسلم من حزب الخضر الذي رفض مصافحة سياسية أخرى لأسباب دينية، عاصفة من الانتقادات في أوروبا، خصوصاً في ألمانيا حيث فتح باب واسع للنقاش حول كيفية تعايش الثقافات في بلاد تتبنى القيم الأوروبية التي تساوي بين الرجل والمرأة.
وطغى موضوع المصافحة بين الرجال والنساء لأسباب دينية على كثير من حوارات الألمان، ورأى كثيرون أنّ ذلك يندرج تحت بند القيم المرفوضة أوروبياً. تعليقاً على ذلك، يقول رئيس لجنة الفتوى في ألمانيا وعضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، الدكتور خالد حَنفي، لـ "العربي الجديد" إنّ "مصافحة الرجل للمرأة والعكس، من القضايا التي تضخّمت في أذهان المسلمين، وقُدّمت بوصفها معياراً ظاهراً للتديّن. إذا كان الرجل لا يصافح المرأة حتى وإن مدّت يدها كعلامة على ورعه وتديّنه، هذا من تعاجيب الزمان".
ربما كان الأمر مقبولاً في بيئة عربية ذات أعراف نشأ عليها الناس تقول بتجنّب المصافحة، بحسب ما يشير حنفي، "إلا أنّ الأمر يصبح مختلفاً في الغرب حيث المصافحة دليل على الذوق واحترام الناس وتقديره، وعدمها يُعَدّ عدم تقدير لا بل إهانة لمن مدّ يده أكان رجلاً أم امرأة". ويحذّر من أنّ "العيش فى الغرب مع تحريم المصافحة وعدم تنشئة الأجيال الجديدة عليها، من شأنه أن يعزل المسلمين عن المجتمع وأن يضعف من فرص اندماجهم فيه وأن ينصب الحواجز بينهم وبين غير المسلمين باسم الإسلام". يضيف: "كم من أزمة وقعت في المدارس والوظائف والإعلام بسبب إصرار بعض المسلمين على تجنّب المصافحة!".
ويؤكّد حنفي على أنّ "القضية ليست من قطعيات الدين ولا من ثوابته، وهي محلّ خلاف بين العلماء"، داعياً "المسلمين في الغرب، خصوصاً إخواننا المهاجرين الجدد، إلى تجسيد قيم الإسلام وسماحته وحضارته في تعاملهم وسلوكهم ورعاية أعراف البلاد وقوانينها واستشعار حساسية ودقة السياق الزمني والسياسي الذي ينظر من خلاله الغرب إلى الإسلام واللاجئين. كذلك لا بدّ من أن يرجعوا في معرفة أحكام دينهم، إلى المؤسسات الفقهية الأوروبية وألا يستوردوا الفتاوى من الشرق، إذ لا ترعى قوانين الغرب ولا خصوصياته ولا أعرافه".
من جهة أخرى، يسوق كثير من اللاجئين السوريين أو العراقيين أو الأفغان حججاً لعدم تعلّم زوجاتهم اللغة الألمانية، وفي مقدّمتها الحجج الشرعية، من قبيل عدم جواز وجود النساء في صفوف اللغة مع الرجال. كذلك لا يسمحون للمرأة بالعمل للسبب نفسه، وهو ما يجعل كثيرين من الألمان ومنهم المؤيّدون للاجئين، يتشكّكون في دعمهم. أيضاً تسبّبت الحجج الشرعية المُساقة بدهشة واستغراب لدى البعض، ودفعت إلى طرح أسئلة من قبيل: ماذا لو بقيت كل النساء اللاجئات بلا عمل وبلا لغة؟ هذه كارثة على المجتمع والاقتصاد على حدّ سواء، بحسب البعض. وهل من الممكن أن يتحقق الاندماج في حين أنّ النساء ما زلن لا يعملن ولا يتحدثن لغة البلاد؟ يشيرون في هذا الإطار، إلى أنّ المرأة عنصر أساسي في عملية الاندماج. والمهاجرات لا يمكن أن يستبعدن عن هذه العملية، فقط لأنّ رجالهن أرادوا ذلك كشكل من أشكال التمييز والتمسك بعادات من مجتمعاتهم الأصلية، بصرف النظر عمّا إذا كانت نابعة من تعاليم دينية أم لا.
اقــرأ أيضاً
في هذا الإطار، يوضح مدير المعهد الألماني للعلوم الإسلامية في مدينة روسلس هايم الألمانية وإمام وخطيب مسجد طارق بن زياد في فرانكفورت، مبارك كونت، أنّ "لا مانعاً شرعياً لعمل المرأة، ما دامت طبيعة العمل لا تتضمّن مخالفات شرعية، وهي في ذلك والرجل سواء. أمّا تعلم اللغة، فهو أمر ضروري في هذا المجتمع للمرأة والرجل، إذ بدونها لا يمكن تحقيق الاندماج والمشاركة في المجتمع ولا يمكن متابعة الأولاد في المدارس ولا يمكن إنجاز الشؤون الخاصة. بالتالي، يظل المرء عالة على غيره إذ يحتاج إلى من يترجم له". يضيف أنّ "عدم تعلم اللغة يجعل المرأة في عزلة عن المجتمع، ويُعَدّ رسالة سلبية توحي بالانغلاق وعدم الانتماء إلى هذا المجتمع".
ويشير كونت إلى أنّ "بعض المسلمات قد يتحرّجن من الالتحاق بدروس اللغة، بحجة الاختلاط. لذا، في حال أمكن تنظيم دروس خاصة للنساء، فإنّ ذلك أفضل للواتي لم يعتدن التعلّم المختلط. لكن في حال عدم تيسّر ذلك وما دام التعليم في جوّ جماعي محترم وفي قاعات عمومية، فلا حرج في الالتحاق". يتابع أنّ "نظراً لأهمية تعلم اللغة الألمانية وعلاقة ذلك بمستقبل المسلمين ووجودهم في ألمانيا، فإنّني أهيب ببعض الرجال الذين يتحرّجون من السماح لزوجاتهم ويمنعوهنّ من الالتحاق بدروس اللغة، أن يدركوا أنّ تعلمها هو من ضرورات الحياة، إذا كان ينوي الاستقرار والعيش في هذا المجتمع. كذلك فإنّ منع المرأة من تعلم اللغة إجحاف في حقها وفي حقّ الأجيال المقبلة. وليس لهذا المنع أيّ أساس من الناحية الشرعية".
من جهة أخرى، أنشأ عبد الرحمن الحوت (مواليد حلب) وهو إمام مسجد في نورنبرغ، صفحة على موقع "فيسبوك" تُعَدّ منبراً دينياً. أمّا هدفها الأساسي فهو الإجابة على الأسئلة التي يطرحها المسلمون الجدد، والذين ليس لديهم خطيب أو إمام جامع يتحدّث العربية. ويؤكّد لـ "العربي الجديد" على أهمية العمل، قائلاً: "علينا أن نبرز العمل كقيمة إسلامية عليا، فالمرء حينما يزداد إيمانه بالله يستوجب ذلك منه أن يزداد عمله ونفعه للمجتمع الذي يعيش به". من جهة أخرى، يؤكّد أن المنتدى الإسلامي الذي أسّسه هو فضاء معرفي (على موقع التواصل الاجتماعي) لمناقشة القضايا الدينية التي تهمّ المسلمين في ألمانيا، لا سيما الوافدين الجدد. يضيف أنّه "يحرص على المحافظة على التعاليم الشرعية مع مراعاة جانب رفع الحرج عن الناس والتيسير عليهم، بالإضافة إلى ترسيخ مبدأ أنّ الإسلام دين مع بعد إنساني يمكّن المسلم من العيش والتواصل مع الناس بأخلاق تحفظ لهم حقوقهم، من غير أن يتخلى عن تعاليم دينه". كذلك "يعمد المنتدى إلى توضيح الأحكام الإسلامية والمقاصد منها ومراعاة تطبيقها، والتحديات التي تواجه ذلك مع مراعاة فقه الأقليات وخصوصية المجتمع الأوروبي".
إلى ذلك، يعبّر عدد كبير من الألمان عن تخوّفهم من بدء عمل اللاجئين السوريين "بالأسود". بعض هؤلاء يستمرّون في الحصول على معونة الدولة الألمانية على أساس أنهم عاطلون من العمل ويستحقون المساعدة الاجتماعية التي تقدّم لهم، فيما يعملون سراً من الجهة الأخرى من دون أن يضطروا إلى دفع الضرائب. في هذا الإطار، يقول كونت: "لا شك في أنّ العمل من دون تصريح (ما اصطلح عليه العمل بالأسود) وما يترتب على ذلك من الاحتيال والحصول على مساعدات اجتماعية بغير حقّ، أمر يرفضه العقل السليم والشرع الحنيف. الصدق في الإسلام قيمة مطلقة وليست نسبية ولا نفعية".
اقــرأ أيضاً
أثارت قضية السياسي المسلم من حزب الخضر الذي رفض مصافحة سياسية أخرى لأسباب دينية، عاصفة من الانتقادات في أوروبا، خصوصاً في ألمانيا حيث فتح باب واسع للنقاش حول كيفية تعايش الثقافات في بلاد تتبنى القيم الأوروبية التي تساوي بين الرجل والمرأة.
وطغى موضوع المصافحة بين الرجال والنساء لأسباب دينية على كثير من حوارات الألمان، ورأى كثيرون أنّ ذلك يندرج تحت بند القيم المرفوضة أوروبياً. تعليقاً على ذلك، يقول رئيس لجنة الفتوى في ألمانيا وعضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، الدكتور خالد حَنفي، لـ "العربي الجديد" إنّ "مصافحة الرجل للمرأة والعكس، من القضايا التي تضخّمت في أذهان المسلمين، وقُدّمت بوصفها معياراً ظاهراً للتديّن. إذا كان الرجل لا يصافح المرأة حتى وإن مدّت يدها كعلامة على ورعه وتديّنه، هذا من تعاجيب الزمان".
ربما كان الأمر مقبولاً في بيئة عربية ذات أعراف نشأ عليها الناس تقول بتجنّب المصافحة، بحسب ما يشير حنفي، "إلا أنّ الأمر يصبح مختلفاً في الغرب حيث المصافحة دليل على الذوق واحترام الناس وتقديره، وعدمها يُعَدّ عدم تقدير لا بل إهانة لمن مدّ يده أكان رجلاً أم امرأة". ويحذّر من أنّ "العيش فى الغرب مع تحريم المصافحة وعدم تنشئة الأجيال الجديدة عليها، من شأنه أن يعزل المسلمين عن المجتمع وأن يضعف من فرص اندماجهم فيه وأن ينصب الحواجز بينهم وبين غير المسلمين باسم الإسلام". يضيف: "كم من أزمة وقعت في المدارس والوظائف والإعلام بسبب إصرار بعض المسلمين على تجنّب المصافحة!".
ويؤكّد حنفي على أنّ "القضية ليست من قطعيات الدين ولا من ثوابته، وهي محلّ خلاف بين العلماء"، داعياً "المسلمين في الغرب، خصوصاً إخواننا المهاجرين الجدد، إلى تجسيد قيم الإسلام وسماحته وحضارته في تعاملهم وسلوكهم ورعاية أعراف البلاد وقوانينها واستشعار حساسية ودقة السياق الزمني والسياسي الذي ينظر من خلاله الغرب إلى الإسلام واللاجئين. كذلك لا بدّ من أن يرجعوا في معرفة أحكام دينهم، إلى المؤسسات الفقهية الأوروبية وألا يستوردوا الفتاوى من الشرق، إذ لا ترعى قوانين الغرب ولا خصوصياته ولا أعرافه".
من جهة أخرى، يسوق كثير من اللاجئين السوريين أو العراقيين أو الأفغان حججاً لعدم تعلّم زوجاتهم اللغة الألمانية، وفي مقدّمتها الحجج الشرعية، من قبيل عدم جواز وجود النساء في صفوف اللغة مع الرجال. كذلك لا يسمحون للمرأة بالعمل للسبب نفسه، وهو ما يجعل كثيرين من الألمان ومنهم المؤيّدون للاجئين، يتشكّكون في دعمهم. أيضاً تسبّبت الحجج الشرعية المُساقة بدهشة واستغراب لدى البعض، ودفعت إلى طرح أسئلة من قبيل: ماذا لو بقيت كل النساء اللاجئات بلا عمل وبلا لغة؟ هذه كارثة على المجتمع والاقتصاد على حدّ سواء، بحسب البعض. وهل من الممكن أن يتحقق الاندماج في حين أنّ النساء ما زلن لا يعملن ولا يتحدثن لغة البلاد؟ يشيرون في هذا الإطار، إلى أنّ المرأة عنصر أساسي في عملية الاندماج. والمهاجرات لا يمكن أن يستبعدن عن هذه العملية، فقط لأنّ رجالهن أرادوا ذلك كشكل من أشكال التمييز والتمسك بعادات من مجتمعاتهم الأصلية، بصرف النظر عمّا إذا كانت نابعة من تعاليم دينية أم لا.
في هذا الإطار، يوضح مدير المعهد الألماني للعلوم الإسلامية في مدينة روسلس هايم الألمانية وإمام وخطيب مسجد طارق بن زياد في فرانكفورت، مبارك كونت، أنّ "لا مانعاً شرعياً لعمل المرأة، ما دامت طبيعة العمل لا تتضمّن مخالفات شرعية، وهي في ذلك والرجل سواء. أمّا تعلم اللغة، فهو أمر ضروري في هذا المجتمع للمرأة والرجل، إذ بدونها لا يمكن تحقيق الاندماج والمشاركة في المجتمع ولا يمكن متابعة الأولاد في المدارس ولا يمكن إنجاز الشؤون الخاصة. بالتالي، يظل المرء عالة على غيره إذ يحتاج إلى من يترجم له". يضيف أنّ "عدم تعلم اللغة يجعل المرأة في عزلة عن المجتمع، ويُعَدّ رسالة سلبية توحي بالانغلاق وعدم الانتماء إلى هذا المجتمع".
ويشير كونت إلى أنّ "بعض المسلمات قد يتحرّجن من الالتحاق بدروس اللغة، بحجة الاختلاط. لذا، في حال أمكن تنظيم دروس خاصة للنساء، فإنّ ذلك أفضل للواتي لم يعتدن التعلّم المختلط. لكن في حال عدم تيسّر ذلك وما دام التعليم في جوّ جماعي محترم وفي قاعات عمومية، فلا حرج في الالتحاق". يتابع أنّ "نظراً لأهمية تعلم اللغة الألمانية وعلاقة ذلك بمستقبل المسلمين ووجودهم في ألمانيا، فإنّني أهيب ببعض الرجال الذين يتحرّجون من السماح لزوجاتهم ويمنعوهنّ من الالتحاق بدروس اللغة، أن يدركوا أنّ تعلمها هو من ضرورات الحياة، إذا كان ينوي الاستقرار والعيش في هذا المجتمع. كذلك فإنّ منع المرأة من تعلم اللغة إجحاف في حقها وفي حقّ الأجيال المقبلة. وليس لهذا المنع أيّ أساس من الناحية الشرعية".
من جهة أخرى، أنشأ عبد الرحمن الحوت (مواليد حلب) وهو إمام مسجد في نورنبرغ، صفحة على موقع "فيسبوك" تُعَدّ منبراً دينياً. أمّا هدفها الأساسي فهو الإجابة على الأسئلة التي يطرحها المسلمون الجدد، والذين ليس لديهم خطيب أو إمام جامع يتحدّث العربية. ويؤكّد لـ "العربي الجديد" على أهمية العمل، قائلاً: "علينا أن نبرز العمل كقيمة إسلامية عليا، فالمرء حينما يزداد إيمانه بالله يستوجب ذلك منه أن يزداد عمله ونفعه للمجتمع الذي يعيش به". من جهة أخرى، يؤكّد أن المنتدى الإسلامي الذي أسّسه هو فضاء معرفي (على موقع التواصل الاجتماعي) لمناقشة القضايا الدينية التي تهمّ المسلمين في ألمانيا، لا سيما الوافدين الجدد. يضيف أنّه "يحرص على المحافظة على التعاليم الشرعية مع مراعاة جانب رفع الحرج عن الناس والتيسير عليهم، بالإضافة إلى ترسيخ مبدأ أنّ الإسلام دين مع بعد إنساني يمكّن المسلم من العيش والتواصل مع الناس بأخلاق تحفظ لهم حقوقهم، من غير أن يتخلى عن تعاليم دينه". كذلك "يعمد المنتدى إلى توضيح الأحكام الإسلامية والمقاصد منها ومراعاة تطبيقها، والتحديات التي تواجه ذلك مع مراعاة فقه الأقليات وخصوصية المجتمع الأوروبي".
إلى ذلك، يعبّر عدد كبير من الألمان عن تخوّفهم من بدء عمل اللاجئين السوريين "بالأسود". بعض هؤلاء يستمرّون في الحصول على معونة الدولة الألمانية على أساس أنهم عاطلون من العمل ويستحقون المساعدة الاجتماعية التي تقدّم لهم، فيما يعملون سراً من الجهة الأخرى من دون أن يضطروا إلى دفع الضرائب. في هذا الإطار، يقول كونت: "لا شك في أنّ العمل من دون تصريح (ما اصطلح عليه العمل بالأسود) وما يترتب على ذلك من الاحتيال والحصول على مساعدات اجتماعية بغير حقّ، أمر يرفضه العقل السليم والشرع الحنيف. الصدق في الإسلام قيمة مطلقة وليست نسبية ولا نفعية".