تكثرُ في كل عام التساؤلات حول إمكان توافق المرجعيات الدينية على تحديد أول أيام شهر رمضان. فبعضها يعتمد على رؤية الهلال بالعين المجردة فقط، فيما تلجأ أخرى إلى الحسابات الفلكية باعتبارها أكثر دقة، ومنهم من يعتمد الإثنتين معاً.
ومع ظهور الحساب الفلكي في القرن الثالث، انقسمت الآراء الفقهية بين رفض مطلق له، أو قبوله عند استحالة الرؤية، أو اعتباره امتداداً للمدرسة الفقهية. ويتمسك رافضو الحسابات الفلكية "بنصوص الكتاب والسنة"، ويرون أنه لا سبيل إلى اثبات دخول الشهر إلا من خلال رؤية الهلال بالعين المجردة. ويقول المسؤول في دار الفتوى اللبنانية، الشيخ وسام مزوّق لـ"العربي الجديد": "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فَإِنْ غُمَّ علَيكم فأكملوا الْعدةَ ثَلاثين. وبالتالي، فإن الحساب الفلكي ظهر مع التطور العلمي، وهو من الأمور المعاصرة التي لا يأخذ بها المجمع المكي في السعودية".
وعن الأخطاء في تحديد أول أيام رمضان، يقول مزوق إن "كل مرجع ديني مسؤول عن رعيته الذين يتبعونه أمام الله الذي يحاسب فقط".
من جهته، يتفق مكتب المرجع الشيعي، محمد حسين فضل الله، مع اجتهاد رؤية الهلال بالعين المجردة أو المسلحة، أي من خلال المناظير، إضافة إلى الأخذ بالحسابات الفلكية التي تسهّل عملية تحديد أول أيام شهر رمضان. ويؤكد الشيخ جعفر فضل الله لـ"العربي الجديد" أن "المدرسة الفقهية تشدد على ضرورة تطابق العين المجردة مع المعايير الفلكية. فالعلم تطور وأصبحنا بحاجة إلى مساعدته في تحديد بعد القمر أو قربه من سطح الأرض والشمس".
وفي ما يتعلّق بـ"تسييس" الاجتهادات، يقول فضل الله إن "تنوّع وتعدد الاجتهادات الفقهية هما السبب الأكبر في خلافات المسلمين"، داعياً إياهم إلى "إنشاء مجمع إسلامي يضم الفلكيين والمجتهدين على حد سواء، وتجنب التسييس في التشريع الديني والابتعاد عن النزاعات الطائفية".
في المقابل، يؤكد المفتي في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، علي مكي، أن "المجلس يرفض الحديث عن تسييس الاجتهادات الدينية"، عازياً التضارب بين المراجع الدينية إلى "اعتماد كل واحد فقهاً معيناً". ويقول لـ"العربي الجديد": "يوجد اتجاهان مشهوران لدى الامامية أديا إلى اختلاف في تحديد أول أيام رمضان". ويشرح أن "الاتجاه الأول يكتفي برؤية الهلال بالعين المجردة، فيما يعتمد الآخر تعدد الأفق، بمعنى أن ظهور القمر في أميركا يكفي للمسلمين القاطنين في البلد ليحددوا موعد صيامهم".
ويضيف مكي: "يعتمد المجلس على القرار الصادر عن المرجعية العليا للعموم، التي تعتمد بدورها على الشهادة الحسية، بمعنى أن يراه بالعين المجردة شاهدان عادلان". ويضيف أن "التضارب الفلكي الكبير أدى إلى تجنب اعتمادنا عليه، علماً أن النص الشرعي يقول: لا يثبت الهلال بالحساب".
في المقابل، تقول عالمة الفلك، كارمن شماس، إن "الحسابات الفلكية لا تخطئ". وتشرح أن في "اليوم (27 يونيو/حزيران) يظهر القمر الجديد عند الساعة التاسعة صباحاً بتوقيت غرينيتش، أي أن القمر والشمس يلتقيان عند النقطة نفسها. ما يعني أن أول أيام شهر رمضان هو يوم غد السبت". وتضيف "يمكننا بهذه العملية احتساب الأيام الأولى لشهر رمضان حتى 20 عاماً، لأن الكواكب ثابتة لا تتحرك، وهذا ما يعتمد عليه العلم".