البائع المتجول الذي أشعل فتيل أولى ثورات الربيع العربي في تونس لم يبرح، إلى اليوم، مكانه، ولم يترك للحظة عربته ذات الأربع عجلات، ولم يتغير حاله، إلا إلى الأسوأ. وترتبط ظاهرة ارتفاع عدد الباعة المتجولين في تونس إلى نسبة البطالة المرتفعة بين الشباب وتراجع عدد الوظائف في السوق المحلية بما لا يستوعب عدد المتخرجين الجدد من الجامعات.
وتقول آخر إحصائيات رسمية صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء، إن نسبة البطالة بلغت خلال الثلث الأول من السنة الحالية 15%. وعن بطالة حاملي الشهادات العليا أفاد المعهد الوطني أن عدد هؤلاء بلغ 223 ألف عاطل عن العمل. وأن البطالة تطاول 30% من هذه الفئة الاجتماعية...
هذا الواقع، عن الباعة المتجولين إلى الحلقة الأضعف في الفئات الاجتماعية الناشطة، لتشهد تونس، خلال السنوات الماضية، حالات متزايدة من الانتحار ومحاولات الانتحار بين الباعة المتجولين والذين يعانون من البطالة المستفحلة، غالبيتهم تعمدوا إحراق أنفسهم احتجاجاً على ملاحقتهم أو على تدهور أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.
معاناة يومية
"محمد البوعزيزي البائع المتجول، يجسد تماماً معاناتنا اليومية. فالفقر والتهميش الذي نعيشه مستمر بعد انتفاضته على واقعه، ومطالبه بتحسين أوضاع حياته والاستماع إلى الأزمات التي يعيشها ما زالت هاجسنا"، هذا ما يقوله الشاب التونسي محمد علي، الذي يأتي، يومياً، إلى المكان نفسه في شارع فرعي في تونس العاصمة، ليبيع أدوات منزلية متنوعة، ما يساعده على سداد مصاريف أسرته.
ويقول محمد إن "النظرة إلى البائع المتجول على أنه أمي أو لا يملك كفاءات تؤهله لوظائف ليست صائبة. وكما البوعزيزي فإن الكثير من الباعة في تونس يملكون شهادات علمية، لكن سوق العمل لم تستطع استيعابهم بسبب قلة الفرص وعوائق إدارية وتوظيفية أخرى".
ويلفت محمد علي إلى أن "ازدياد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في تونس رفعت من حجم مبيعاتنا كباعة متجولين في مختلف الأحياء والأسواق، خصوصاً أن الأسعار التي نطرحها في متناول الجميع".
ويشرح أن عمله كبائع متجول هو حله الوحيد للهروب من البطالة والفقر، وقد لجأ إلى هذه المهنة عدد كبير من الشباب، خصوصاً أن هذه المهنة لا تتطلب دفع إيجارات ولا أكلاف كهرباء ومياه ولا تقديم وثائق رسمية ولا تحتاج إلى إجراءات معقدة كحال المحال التجارية القائمة".
اقرأ أيضا: البوعزيزيون...مهمشو تونس ينتحرون والفقر يخنق الأحياء
ملاحقات أمنية
وتشهد تونس انتشاراً واسعاً للباعة المتجولين، خصوصاً في الأسواق الموازية، ويقول محمد إن البائع المتجول يعيش يوماً بيوم، كونه ملاحقاً من الأجهزة الأمنية التي تطارده طوال الوقت، وفي كثير من الأحيان يتعرض الباعة إلى حجز رأسمالهم الوحيد، أي بضائعهم، ويضطرون إلى الاستدانة لتأمين كمية إضافية من البضائع لبيعها والعودة إلى العمل.
وأورد البنك الدولي في تقريره، العام الماضي، تحت عنوان "إزالة الحواجز أمام إشراك الشباب"، أن الشباب التونسي يواجه صعوبات في العثور على فرص عمل، لا سيما في المنطقتين الداخلية والجنوبية. وفي واقع الأمر، كان من بين الأسباب الرئيسية لاندلاع ثورة 2011 التهميش المكاني والاقتصادي والسياسي للمجتمع في أنحاء من البلاد لمصلحة المنطقة الساحلية.
وأكد التقرير، أن واحداً من بين كل ثلاثة عمال شباب، يعمل بعقد رسمي ويحصل على الحماية الاجتماعية. أما غالبية الفئة الشابة فتعمل في القطاع غير الرسمي. ويشعر الشباب التونسي بقدر كبير من السخط والاستياء من العمل في القطاع غير الرسمي، وما يصاحبه من خطر التعرض للاستغلال، وفق التقرير.
وأكد التقرير أن أكثر من يواجه البطالة هم حملة شهادات التعليم العالي. وتقترب معدلات البطالة بين خريجي الجامعات في المناطق الداخلية والجنوبية الحضرية من 40%.
وأشار التقرير إلى أن التقديرات تشير إلى أن عدد الشباب التونسي بين سن 15 و29 عاماً، الذين لم يتلقوا أي تعليم، وليس لديهم وظيفة، ولم يحصلوا على أي تدريب، يصل إلى 33% من إجمالي الشباب التونسي، وهو من أعلى المعدلات في المنطقة.
إلا أن الخبير الاقتصادي، عادل غرار، في حديث لـ "العربي الجديد"، أكد أن البائع المتجول في تونس ظاهرة تنتشر يوماً بعد يوم ويزداد انتشارها تدريجياً مع تساهل الدولة مع المهربين.
ويشرح غرار أن المهربين يوفرون السلع لهذه الفئة من الباعة التي لا تملك أي رخص قانونية تسمح لها بممارسة مهنة التجارة. ويعتبر الخبير أن عدداً من السلع المهربة تفتقر إلى أبسط قواعد الجودة والصحة وبالتالي فهي تمثل خطراً على صحة المستهلك التونسي.
اقرأ أيضا: هل يكون الاقتصاد التضامني حلاً لأزمة تونس؟
ويدعو غرار الحكومة التونسية إلى ضرورة تنظيم قطاع الاقتصاد الموازي الذي يمثل قرابة 40% من الناتج المحلي الإجمالي، معتبراً أن الباعة المتجولين، هم فقط، جزء من منظومة كاملة ناتجة عن ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية معينة. وأن الاقتصاد الموازي يضر الاقتصاد بشكل حاد، ويؤثر على فئات المجتمع كافة، ولا يمكن تبرير استمراره لا بانتشار البطالة ولا بضعف المقدرة الشرائية للمواطن.
دعوة إلى تسوية أوضاع الباعة
إلا أن المسؤول الجمركي، محمد الغضبان، له نظرة مختلفة تماماً. فهو يعتبر في حديث لـ "العربي الجديد" أن الباعة المتجولين هم الحلقة الأضعف في منظومة الاقتصاد الموازي، خصوصاً أن هذه الفئة تعمل بطريقة لا تضر أي قطاعات اقتصادية أخرى، كون زبائن البائع المتجول يختلفون عن زبائن المحال التجارية العادية.
ويؤكد الغضبان، أن المشكلة الأساسية بالنسبة للجمارك التونسية هي مجموعات المهربين التي تهرب السلع من الموانئ وتسربها إلى الباعة غير النظاميين.
اقرأ أيضا: التونسيّون يؤمنون حاجاتهم من سلع مهرّبة
ويدعو الغضبان إلى تسوية وضعية التجار غير النظاميين، وخصوصاً الباعة المتجولين الذين لا يتوافر لهم أي مكان يقدرون من خلاله ممارسة التجارة التي يعتاشون من مداخيلها مع أسرهم.
علماً، أن الباعة المتجولين ينظمون تحركات متواصلة من أجل تسوية أوضاعهم، حيث تؤكد المعلومات، أنه كان هنالك وعود بإنشاء سوق منظمة في تونس العاصمة لتضم حوالي 500 بائع متجول، إلا أن المشروع لم ير النور حتى اللحظة.
وتقول آخر إحصائيات رسمية صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء، إن نسبة البطالة بلغت خلال الثلث الأول من السنة الحالية 15%. وعن بطالة حاملي الشهادات العليا أفاد المعهد الوطني أن عدد هؤلاء بلغ 223 ألف عاطل عن العمل. وأن البطالة تطاول 30% من هذه الفئة الاجتماعية...
هذا الواقع، عن الباعة المتجولين إلى الحلقة الأضعف في الفئات الاجتماعية الناشطة، لتشهد تونس، خلال السنوات الماضية، حالات متزايدة من الانتحار ومحاولات الانتحار بين الباعة المتجولين والذين يعانون من البطالة المستفحلة، غالبيتهم تعمدوا إحراق أنفسهم احتجاجاً على ملاحقتهم أو على تدهور أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.
معاناة يومية
"محمد البوعزيزي البائع المتجول، يجسد تماماً معاناتنا اليومية. فالفقر والتهميش الذي نعيشه مستمر بعد انتفاضته على واقعه، ومطالبه بتحسين أوضاع حياته والاستماع إلى الأزمات التي يعيشها ما زالت هاجسنا"، هذا ما يقوله الشاب التونسي محمد علي، الذي يأتي، يومياً، إلى المكان نفسه في شارع فرعي في تونس العاصمة، ليبيع أدوات منزلية متنوعة، ما يساعده على سداد مصاريف أسرته.
ويقول محمد إن "النظرة إلى البائع المتجول على أنه أمي أو لا يملك كفاءات تؤهله لوظائف ليست صائبة. وكما البوعزيزي فإن الكثير من الباعة في تونس يملكون شهادات علمية، لكن سوق العمل لم تستطع استيعابهم بسبب قلة الفرص وعوائق إدارية وتوظيفية أخرى".
ويلفت محمد علي إلى أن "ازدياد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في تونس رفعت من حجم مبيعاتنا كباعة متجولين في مختلف الأحياء والأسواق، خصوصاً أن الأسعار التي نطرحها في متناول الجميع".
ويشرح أن عمله كبائع متجول هو حله الوحيد للهروب من البطالة والفقر، وقد لجأ إلى هذه المهنة عدد كبير من الشباب، خصوصاً أن هذه المهنة لا تتطلب دفع إيجارات ولا أكلاف كهرباء ومياه ولا تقديم وثائق رسمية ولا تحتاج إلى إجراءات معقدة كحال المحال التجارية القائمة".
اقرأ أيضا: البوعزيزيون...مهمشو تونس ينتحرون والفقر يخنق الأحياء
ملاحقات أمنية
وتشهد تونس انتشاراً واسعاً للباعة المتجولين، خصوصاً في الأسواق الموازية، ويقول محمد إن البائع المتجول يعيش يوماً بيوم، كونه ملاحقاً من الأجهزة الأمنية التي تطارده طوال الوقت، وفي كثير من الأحيان يتعرض الباعة إلى حجز رأسمالهم الوحيد، أي بضائعهم، ويضطرون إلى الاستدانة لتأمين كمية إضافية من البضائع لبيعها والعودة إلى العمل.
وأورد البنك الدولي في تقريره، العام الماضي، تحت عنوان "إزالة الحواجز أمام إشراك الشباب"، أن الشباب التونسي يواجه صعوبات في العثور على فرص عمل، لا سيما في المنطقتين الداخلية والجنوبية. وفي واقع الأمر، كان من بين الأسباب الرئيسية لاندلاع ثورة 2011 التهميش المكاني والاقتصادي والسياسي للمجتمع في أنحاء من البلاد لمصلحة المنطقة الساحلية.
وأكد التقرير، أن واحداً من بين كل ثلاثة عمال شباب، يعمل بعقد رسمي ويحصل على الحماية الاجتماعية. أما غالبية الفئة الشابة فتعمل في القطاع غير الرسمي. ويشعر الشباب التونسي بقدر كبير من السخط والاستياء من العمل في القطاع غير الرسمي، وما يصاحبه من خطر التعرض للاستغلال، وفق التقرير.
وأكد التقرير أن أكثر من يواجه البطالة هم حملة شهادات التعليم العالي. وتقترب معدلات البطالة بين خريجي الجامعات في المناطق الداخلية والجنوبية الحضرية من 40%.
وأشار التقرير إلى أن التقديرات تشير إلى أن عدد الشباب التونسي بين سن 15 و29 عاماً، الذين لم يتلقوا أي تعليم، وليس لديهم وظيفة، ولم يحصلوا على أي تدريب، يصل إلى 33% من إجمالي الشباب التونسي، وهو من أعلى المعدلات في المنطقة.
إلا أن الخبير الاقتصادي، عادل غرار، في حديث لـ "العربي الجديد"، أكد أن البائع المتجول في تونس ظاهرة تنتشر يوماً بعد يوم ويزداد انتشارها تدريجياً مع تساهل الدولة مع المهربين.
ويشرح غرار أن المهربين يوفرون السلع لهذه الفئة من الباعة التي لا تملك أي رخص قانونية تسمح لها بممارسة مهنة التجارة. ويعتبر الخبير أن عدداً من السلع المهربة تفتقر إلى أبسط قواعد الجودة والصحة وبالتالي فهي تمثل خطراً على صحة المستهلك التونسي.
اقرأ أيضا: هل يكون الاقتصاد التضامني حلاً لأزمة تونس؟
ويدعو غرار الحكومة التونسية إلى ضرورة تنظيم قطاع الاقتصاد الموازي الذي يمثل قرابة 40% من الناتج المحلي الإجمالي، معتبراً أن الباعة المتجولين، هم فقط، جزء من منظومة كاملة ناتجة عن ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية معينة. وأن الاقتصاد الموازي يضر الاقتصاد بشكل حاد، ويؤثر على فئات المجتمع كافة، ولا يمكن تبرير استمراره لا بانتشار البطالة ولا بضعف المقدرة الشرائية للمواطن.
دعوة إلى تسوية أوضاع الباعة
إلا أن المسؤول الجمركي، محمد الغضبان، له نظرة مختلفة تماماً. فهو يعتبر في حديث لـ "العربي الجديد" أن الباعة المتجولين هم الحلقة الأضعف في منظومة الاقتصاد الموازي، خصوصاً أن هذه الفئة تعمل بطريقة لا تضر أي قطاعات اقتصادية أخرى، كون زبائن البائع المتجول يختلفون عن زبائن المحال التجارية العادية.
ويؤكد الغضبان، أن المشكلة الأساسية بالنسبة للجمارك التونسية هي مجموعات المهربين التي تهرب السلع من الموانئ وتسربها إلى الباعة غير النظاميين.
اقرأ أيضا: التونسيّون يؤمنون حاجاتهم من سلع مهرّبة
ويدعو الغضبان إلى تسوية وضعية التجار غير النظاميين، وخصوصاً الباعة المتجولين الذين لا يتوافر لهم أي مكان يقدرون من خلاله ممارسة التجارة التي يعتاشون من مداخيلها مع أسرهم.
علماً، أن الباعة المتجولين ينظمون تحركات متواصلة من أجل تسوية أوضاعهم، حيث تؤكد المعلومات، أنه كان هنالك وعود بإنشاء سوق منظمة في تونس العاصمة لتضم حوالي 500 بائع متجول، إلا أن المشروع لم ير النور حتى اللحظة.