21 فبراير 2016
البحث عن جمهور ساندرز
أثارت تصريحات المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية، بيرني ساندرز، بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة، ردود فعل غاضبة في أوساط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وفي الرأي العام في إسرائيل. واستغلت هذه الأوساط خطأ وقع فيه ساندرز، في مقابلته مع "نيويورك نيوز أوف تودي"، حيث قال إن إسرائيل قتلت في حربها عام 2014 على غزة عشرة آلاف من المواطنين الفلسطينيين الأبرياء، وطلبت منه تصحيح الخطأ، والتراجع عما قاله إن إسرائيل قصفت، بشكل أعمى وعشوائي، أحياء ومستشفيات ومدارس.
كان ساندرز نفسه مترددًا في ذكر الرقم، وقال إنه قد يكون على خطأ، وطلب من الصحافي تصحيحه، إذا كانت المعلومة خاطئة. المهم في الأمر ليس الرقم، بل الانتقاد الذي وجهه مرشح ديمقراطي للرئاسة لإسرائيل في حملة انتخابية، وهذا ليس أمراً هيّناً، إذا أخذنا بعين الاعتبار تأثير المنظمات الصهيونية واليهودية في الولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية، والذي يعبر من خلال شبكة مركبة من وسائل الإعلام والمال السياسي والتنظيم المنتشر على طول الولايات المتحدة وغربها.
من الواضح أن ضغوطًا رهيبة تمارس على ساندرز، حتى يسير في "التلم"، ويدعم إسرائيل بشكل أعمى، مثل بقية مرشحي الرئاسة. هو بالتأكيد يدعم إسرائيل، وقد تطوّع سابقاً في "كيبوتس"، ودأب على التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وهو يأخذ الضغوط بالحسبان، ويصرح، مثلاً، إنه يعارض محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين في محكمة الجنايات الدولية، لكنه، في المقابل، وقف أمام مؤتمر اللوبي الصهيوني "آيباك"، ودعا إلى "إخلاء كل المستوطنات من الضفة، كما جرى إخلاء كل المستوطنات من غزة". وصرّح، أكثر من مرّة، أنه يربط بين العلاقة الأميركية الإسرائيلية، وتعامل إسرائيل مع الحل السياسي، وهذا يختلف عن الموقف الدارج لدى القيادات الأميركية التي تؤكد دوماً على الدعم غير المشروط لإسرائيل.
في فترة الانتخابات، ينصب تفكير المرشح على الانتخابات، وعلى كسب الأصوات، ويقول ما يكسبه أصواتاً، ويتجنب ما قد يُهَرّبها. علينا أن ننتبه جيّدًا إلى الأوساط الاجتماعية التي تدعم ساندرز، فهي، فيما يبدو، تقبل تصريحاته ضد الاحتلال والاستيطان والعدوان، ومن المفروض أن تكون هي العنوان الأول لحشد التضامن مع الشعب الفلسطيني، وحشد الضغوط والمقاطعة على إسرائيل. لقد جرى إهمال هذه الأوساط في حقبة "أوسلو"، ووفق عقلية "أوسلو"، وآن الأوان لمخاطبتها باللغة التي تفهمها وهي لغة الحقوق والعدالة أولاً.
يعتبر ساندرز مرشحًا "اشتراكياً"، وهو يخاطب فئة الشباب بلغةٍ شبابيةٍ، وبنفسية من يحمل
لواء التغيير والثورة على الوضع القائم. على الرغم من أن عمره 74 عاماً، إلاّ أن ملايين الشباب يدعمونه، ولديه عندهم شعبية جارفة، وهو يحصل على غالبية ساحقة من أصوات شباب الحزب الديمقراطي، تبعاً لشعارات حملته الانتخابية، وفي مقدمتها إعلانه الحرب على "وول ستريت"، وعلى الفجوات الاجتماعية الرهيبة، وعلى المال السياسي المفسد، وكذلك برنامجه الذي يشمل مضاعفة الحد الأدنى للأجور، وتطوير الخدمات الصحية والاجتماعية من الدولة. كشف ساندرز شعبية العدالة، وأنه، في مقابل التطرف اليميني الفاشي الذي يمثله المرشح الجمهوري دونالد ترامب، هناك جمهور واسع يحلم بغدٍ مختلف. ويضم جمهور ساندرز عدداً كبيراً من الشبان المبهورين بخطاب هذا السبعيني الذي لا يخشى الحديث عن "ثورة سياسية"، ويعد بتوسيع التأمين الصحي وسلة الخدمات الاجتماعية، وبتعليم عالٍ مجاني، بعد أن وصلت ديون الطالب الأميركي بالمعدل إلى حوالي 35 ألف دولار.
بدأت حركة الاحتجاج على الحرب في فيتنام في السبعينيات، والحملة ضد نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا، بشباب جامعي يساري، وتوسعت لتشمل أوساطاً أوسع فأوسع في المجتمع الأميركي، وصولاً إلى النخب، وإلى التيار المركزي في السياسة الأميركية، وإلى متخذي القرار. أما في القضية الفلسطينية، فقد جرى القفز على المراحل، وانصبت الجهود بالمستوى الدبلوماسي، لا الشعبي، وكانت النتائج عموماً قريبة من الصفر. في المقابل، هناك مؤشرات جدية على الطاقات الهائلة في المجتمع الأميركي التي من الممكن أن توظّف في التضامن مع قضية شعب فلسطين، فحيثما كان هناك تحرك في الجامعات، كان التجاوب جارفاً، ما يعنى أنه بالإمكان محاصرة التأثير الصهيوني والإسرائيلي على شباب اليوم ونخب المستقبل في الولايات المتحدة.
فرص ساندرز بالنجاح ضئيلة، وهو قد يغيّر بعض مواقفه تحت الضغوط، لكن المهم، والذي فاجأ كثيرين، أن جيل الشباب في الولايات المتحدة يطمح ليس إلى مجتمعٍ أكثر عدالة فقط، بل لعالم أكثر عدالة أيضاً. يجب البحث عن جمهور ساندرز، فمن يريد عدلاً فهو قابل للتفاعل مع عدالة قضية فلسطين، والعدل حليف شعب فلسطين الأول.
كان ساندرز نفسه مترددًا في ذكر الرقم، وقال إنه قد يكون على خطأ، وطلب من الصحافي تصحيحه، إذا كانت المعلومة خاطئة. المهم في الأمر ليس الرقم، بل الانتقاد الذي وجهه مرشح ديمقراطي للرئاسة لإسرائيل في حملة انتخابية، وهذا ليس أمراً هيّناً، إذا أخذنا بعين الاعتبار تأثير المنظمات الصهيونية واليهودية في الولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية، والذي يعبر من خلال شبكة مركبة من وسائل الإعلام والمال السياسي والتنظيم المنتشر على طول الولايات المتحدة وغربها.
من الواضح أن ضغوطًا رهيبة تمارس على ساندرز، حتى يسير في "التلم"، ويدعم إسرائيل بشكل أعمى، مثل بقية مرشحي الرئاسة. هو بالتأكيد يدعم إسرائيل، وقد تطوّع سابقاً في "كيبوتس"، ودأب على التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وهو يأخذ الضغوط بالحسبان، ويصرح، مثلاً، إنه يعارض محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين في محكمة الجنايات الدولية، لكنه، في المقابل، وقف أمام مؤتمر اللوبي الصهيوني "آيباك"، ودعا إلى "إخلاء كل المستوطنات من الضفة، كما جرى إخلاء كل المستوطنات من غزة". وصرّح، أكثر من مرّة، أنه يربط بين العلاقة الأميركية الإسرائيلية، وتعامل إسرائيل مع الحل السياسي، وهذا يختلف عن الموقف الدارج لدى القيادات الأميركية التي تؤكد دوماً على الدعم غير المشروط لإسرائيل.
في فترة الانتخابات، ينصب تفكير المرشح على الانتخابات، وعلى كسب الأصوات، ويقول ما يكسبه أصواتاً، ويتجنب ما قد يُهَرّبها. علينا أن ننتبه جيّدًا إلى الأوساط الاجتماعية التي تدعم ساندرز، فهي، فيما يبدو، تقبل تصريحاته ضد الاحتلال والاستيطان والعدوان، ومن المفروض أن تكون هي العنوان الأول لحشد التضامن مع الشعب الفلسطيني، وحشد الضغوط والمقاطعة على إسرائيل. لقد جرى إهمال هذه الأوساط في حقبة "أوسلو"، ووفق عقلية "أوسلو"، وآن الأوان لمخاطبتها باللغة التي تفهمها وهي لغة الحقوق والعدالة أولاً.
يعتبر ساندرز مرشحًا "اشتراكياً"، وهو يخاطب فئة الشباب بلغةٍ شبابيةٍ، وبنفسية من يحمل
بدأت حركة الاحتجاج على الحرب في فيتنام في السبعينيات، والحملة ضد نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا، بشباب جامعي يساري، وتوسعت لتشمل أوساطاً أوسع فأوسع في المجتمع الأميركي، وصولاً إلى النخب، وإلى التيار المركزي في السياسة الأميركية، وإلى متخذي القرار. أما في القضية الفلسطينية، فقد جرى القفز على المراحل، وانصبت الجهود بالمستوى الدبلوماسي، لا الشعبي، وكانت النتائج عموماً قريبة من الصفر. في المقابل، هناك مؤشرات جدية على الطاقات الهائلة في المجتمع الأميركي التي من الممكن أن توظّف في التضامن مع قضية شعب فلسطين، فحيثما كان هناك تحرك في الجامعات، كان التجاوب جارفاً، ما يعنى أنه بالإمكان محاصرة التأثير الصهيوني والإسرائيلي على شباب اليوم ونخب المستقبل في الولايات المتحدة.
فرص ساندرز بالنجاح ضئيلة، وهو قد يغيّر بعض مواقفه تحت الضغوط، لكن المهم، والذي فاجأ كثيرين، أن جيل الشباب في الولايات المتحدة يطمح ليس إلى مجتمعٍ أكثر عدالة فقط، بل لعالم أكثر عدالة أيضاً. يجب البحث عن جمهور ساندرز، فمن يريد عدلاً فهو قابل للتفاعل مع عدالة قضية فلسطين، والعدل حليف شعب فلسطين الأول.