في هذه الفترة من السنة، يتكرر الحديث عن معاناة المشرّدين في الجزائر، الذين ينامون على الأرصفة رغم البرد القارس، من دون أن يكون هناك خطة متكاملة من قبل الحكومة لإيجاد مأوى أو وظائف مناسبة، وقد بات البرد يقتلهم.
خلال موجة البرد التي تشهدها مدن عدة في الجزائر، خصوصاً مناطق الشرق حيث تساقطت الثلوج، انتشرت صور المشرّدين في الشوارع على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ورود أخبار عن وفاة مشرّدين بسبب البرد في منطقتي تبسة وعنابة شرق البلاد.
ولا تخلو مدن جزائريّة من مشرّدين ينامون على الأرصفة، ولكل منهم قصة. حميدة هي إحدى هؤلاء. بعد طلاقها من زوجها، طردها من البيت، فلم يبق لها غير الشارع. خلال النهار، تتنقل من مكان إلى آخر. وفي المساء، تتوجّه إلى الشارع المقابل لمقر الأمن الوطني وسط العاصمة الجزائرية. اختارت النوم في هذا المكان لأنه أكثر أمناً، ولتجنّب الاعتداءات. تقول لـ "العربي الجديد" إنّ "المشكلة الأكبر تكون خلال فصل الشتاء. نفتقد للأغطية. في حياتنا، للكرتون معنى"، مضيفة أنها تأتي للنوم هنا لضمان عدم التحرّش بها من قبل بعض الشباب "الذين لا يتقون الله".
في شارع عميروش وسط العاصمة الجزائرية، يختار بعض المشرّدين النوم على مقربة من الأفران طلباً للدفء في ليالي البرد. حياتهم لا تختلف عن مشرّدين آخرين ربما، وإن كان يتوجب على الحكومات تأمين حياة كريمة لهم. ويختار مشرّدون آخرون محطات الحافلات وسيارات الأجرة في منطقة الخروبة في قلب العاصمة الجزائرية. هذا المكان الذي يعج بالمسافرين يعد مكاناً آمناً. هؤلاء يضعون بقايا علب كرتون على الأرض، بعدما يختارون إحدى زوايا المحطة، إذ يحاولون البقاء بعيداً عن عيون رجال الأمن. في هذا المكان، يجدون الملجأ والمسكن غير الدائم، بعدما تخلت عنهم عائلاتهم أو قست عليهم الظروف.
هي كذلك تنام في الشارع (أحمد كمال) |
في هذا السياق، يقول رياض، وهو أحد رجال الأمن في هذه المحطة، لـ "العربي الجديد"، إنّ عدداً كبيراً من المشرّدين قدموا من مدن داخلية، ومنهم من هرب من أسرته نتيجة بعض المشاكل، ومنهم من تخلت عنهم عائلاتهم، فيما اعتاد آخرون حياة التشرّد. ويختار المشرّدون محطات الحافلات المغطاة، أو الجسور والأزقة الضيقة في الأحياء الشعبية، أو أقبية العمارات القديمة. هم مواطنون يعيشون على الهامش، ولا يبالي بهم أحد. في باب عزون، أسفل قصبة الجزائر، تجد عدداً كبيراً من المشرّدين سواء أكانوا رجال ونساء أو كبار سن. بعضهم اختار حياة التشرّد رفضاً للبقاء في دور العجزة أو دور رعاية المسنين ، وربّما بحثاً عن بديل.
من حين إلى آخر، توزّع جمعيات خيرية أو مبادرات حساء ساخناً على المشرّدين، وتعطيهم أغطية وتقدّم لهم بعض الإسعافات الأولية. إلا أن ذلك أشبه بمسكن لليلة أو ليلتين، من دون أن تحل المشكلة في حد ذاتها. من حين إلى آخر، ينقلون إلى مراكز إيواء حكومية، إلا أن غالبيتهم يخرجون من هذه المراكز كونها مؤقتة.
يقول الناشط في جمعية "جزائر الخير"، عمر مشاط، إن وجود مشرّدين في الجزائر "وصمة اجتماعية وإساءة كبيرة للجزائر. لا يفترض أن يكون هناك مشرّدون في مجتمع مثل المجتمع الجزائري، بل يتوجب على الجمعيات وفاعلي الخير والحكومة العمل مع بعضهم بعضاً بهدف توفير ملجأ وحياة كريمة للمشرّدين، وتوفير ظروف عيش مناسبة لهم، ومساعدتهم على إيجاد وظائف ليتمكنوا من إعالة أنفسهم". يضيف: "صحيح أن المشرّدين لا حول لهم ولا قوة، إلا أننا لاحظنا أن بعضهم في حاجة إلى مساعدة اجتماعية وتأمين وظائف لهم ليتخلصوا من الحياة التعيسة التي يعيشونها".
قيلولة قبل العودة إلى التسوّل (أحمد كمال) |
قبل أيام، تساءلت الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان عمن يتحمل مسؤولية وفاة شاب مشرّد في مدينة ولاية تبسة، وآخر في في عنابة شرق البلاد، بسبب البرد. "كم عدد الأشخاص المشرّدين الذين يجب أن يموتوا بعد حتى يتحرك الرأي العام والسلطات المحلية والمركزية؟". وأعربت الرابطة عن استيائها بسبب استمرار معاناة المشرّدين المعرضين لخطر الموت بسبب البرد وظروف الحياة الصعبة، من دون التفاتة جادة من السلطات. وجاءت هذه المواقف بعد انتشار صورة لمشرّدين في البرد القارس في قلب العاصمة الجزائرية، وتساءل الناشطون الجزائريون عن سبب وجود عشرات المشردين في الجزائر، الذين يموتون بسبب البرد شتاء، فيما تؤذيهم حرارة الشمس صيفاً، رغم وجود مئات الجمعيات، إضافة إلى وزارة التضامن.
وفي وقت سابق، أعلنت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري، سعيدة بن حبيلس، أن عدد المقيمين في الشارع تجاوز 200 ألف، لافتة إلى أن "هذه الظاهرة تحولت إلى أزمة حقيقية يعيشها المجتمع الجزائري". وكانت قد كشفت أيضاً عن استراتيجية وضعتها الحكومة بالتنسيق مع وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية، تتمثل في إعداد حصيلة وطنية للحالات بهدف تحديد المحتاجين الحقيقيين الذي يستحقون المساعدات من الهلال الأحمر.