يبدو البرلمان العراقي منقسماً إلى حد كبير بشأن قانون الانتخابات المقرر أن تجرى بموجبه الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار المقبل، ففي الوقت الذي تدفع فيه قوى سياسية بارزة باتجاه إقرار قانون يبقيها في السلطة، يتوقع برلمانيون أن لا يتم الاتفاق على القانون قريباً بسبب وجود نقاط خلافية عدّة، وذلك وسط مخاوف من تفجير الأوضاع الأمنية من جديد كما يحصل قبيل كل انتخابات في البلاد، منذ انطلاق أول انتخابات تشريعية عام 2005.
وأكّد مصدر برلماني أنّ الخلاف على أشدّه منذ أسابيع بشأن الصيغة النهائية للقانون المفترض أن يعرض على التصويت داخل البرلمان، لافتاً إلى أن غالبية قوى "التحالف الوطني الحاكم، وقيادات تحالف القوى تدفع باتجاه اعتماد قانون سانت ليغو 1.6".
وأضاف المصدر، في حديث مع "العربي الجديد"، "لكن أطرافاً أخرى كقوى التيار المدني وأحزاب كردية اعترضت على هذه الصيغة التي قالوا إنها تكرس بقاء الأحزاب المتنفذة في السلطة لأربع سنوات جديدة"، مشيراً إلى "وجود أكثر من نقطة خلافية لم يتم الاتفاق بشأنها، إلى الآن".
ولفت، في هذا السياق، إلى احتمال "أن يؤثر تأخر إقرار قانون الانتخابات على الموعد المقرر لإجراء العملية الانتخابية، والذي لم يتبق عليه سوى أربعة أشهر"، مذكّراً أنّ "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أكدت في أكثر من مناسبة أنها لن تكون قادرة على إجراء الانتخابات في موعدها إذا لم يتم التصويت على قانون الانتخابات الجديد بوقت مبكر".
بدوره، استبعد عضو البرلمان العراقي عن "حركة التغيير" الكردية، أمين بكر، إمكانية الاتفاق على قانون الانتخابات في الوقت الحاضر بسبب كثرة الخلافات، فضلاً عن المطالب التي تقدمت بها القوى السياسية.
وأكّد بكر، خلال تصريح صحافي، وجود اختلاف في وجهات النظر بشأن بعض النقاط التي جاء بها مشروع القانون، مبيناً أنّ قوى سياسية أخرى تطالب بتضمين القانون نقاطاً جديدة.
وأوضح أنّ "من بين أهم النقاط الخلافية عدمُ منح النواب أصحاب الجنسية المزدوجة مناصب تنفيذية، وأخرى تتعلق بطريقة احتساب الأصوات لضمان عدم ذهاب أصوات الكتل الصغيرة للكبيرة داخل التحالفات".
إلى ذلك، اتّهم عضو اللجنة القانونية في البرلمان فائق الشيخ علي، خلال مقابلة متلفزة سابقة، "حزب الدعوة"، بأنه "يريد أن يفصل قانون الانتخابات على مزاجه من أجل الحصول على مكاسب حزبية ضيقة"، لافتاً إلى أنّ "القانون يجب أن لا يكون فقط لإرضاء الأمين العام للحزب نوري المالكي، ورئيس المكتب السياسي فيه، رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي".
يشار إلى أن مشروع قانون الانتخابات المطروح حالياً في البرلمان يعتمد نظام التمثيل النسبي الذي يوزع الأصوات بالقسمة على معادلة "سانت ليغو 1.6"، وهذه الآلية بحسب مختصين في النظم الانتخابية تخدم القوى السياسية الكبيرة، وتُقصي الأحزاب الصغيرة.
تفجيرات دامية
على الصعيد الأمني، تعرضت بغداد مع انطلاق أول التحالفات السياسية، خلال الأيام الأخيرة، إلى سلسلة من التفجيرات الدامية ضربت أسواقاً وأماكن عامة مكتظة بالمواطنين ذهب ضحيتها أكثر من 140 مدنياً بين قتيل وجريح.
في السياق، قال المواطن سامر علي (37 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، إن "شقيقي قُتل يوم أمس بالتفجيرات الإرهابية التي ضربت العاصمة بغداد وهو مجرد عامل بسيط في البلدية يخرج لكسب قوت يومه في الصباح الباكر، ويعود في المساء حاملاً بيده بعض الطعام لأسرته الصغيرة، فما ذنبه ليخسر حياته بسبب السياسيين وانتخاباتهم التي لم تجلب لنا سوى الموت".
ولفت علي إلى أنّه "كلما اقترب موعد الانتخابات نبدأ نشعر بالخوف والقلق الشديد لمعرفتنا المسبقة بما سيحصل من تفجيرات وكوارث كما حصل في الانتخابات السابقة خلال السنوات الماضية ويذهب ضحيتها عشرات العراقيين نتيحة صراع الكتل والأحزاب السياسية على المناصب".
وشرع أهالي العاصمة بأخذ بعض الاحتياطات اللازمة، خوفاً من احتمال تعرضهم للخطر، كالابتعاد عن الأسواق والتجمعات والأماكن العامة المكتظة، كما أوضح المواطن، مظهر البديري، مبيناً "مع اقتراب موعد الانتخابات وازدياد حمى التحالفات والخلافات السياسية تبدأ التفجيرات بضرب العاصمة وعدد من المدن العراقية مستهدفة الأسواق والتجمعات التي يرتادها المواطنون والعمال والكسبة، ولذلك لم نعد نستطيع الخروج بحرية إلى تلك الأماكن خشية التفجيرات".
وتابع البديري، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "كل العراقيين يعرفون تماماً أن تلك التفجيرات جزءٌ منها سياسي وأخرى تصبُّ في مصلحة الأحزاب، وداعش الإرهابي شريكٌ بلعبة استمرار حالة الموت والتخلف بالعراق".
وتوقع خبراء حصول مثل تلك التفجيرات، وهم لا يخفون قلقهم الشديد من تفجر الأوضاع الأمنية في البلاد مع تسارع الزمن قبيل موعد الانتخابات المقبلة.
وقال الخبير الأمني ماجد الزبيدي، إن "اقتراب موعد الانتخابات يعني لدى العراقيين كافة وخاصة لنا كخبراء في الأمن ازدياد التفجيرات الإرهابية، التي تضرب العاصمة وبعض مدن البلاد، ولدينا تجارب سابقة في هذا الصدد".
وبين الزبيدي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الخلافات السياسية المصاحبة للتحالفات الحزبية الممهدة لدخول الانتخابات تصاحبها عمليات انتقامية منظمة لتلك الأحزاب السياسية تضرب أسواقاً ومناطق سكنية قد تكون موالية عرقياً أو طائفياً لحزب أو تحالف آخر، وهذا أمر معروف لدى العراقيين، وهذا يدق ناقوس الخطر من تفجر الوضع الأمني في البلاد قبيل الانتخابات".
وما يزيد خوف العراقيين من تفجر الأوضاع الأمنية في البلاد مشاركة عدد من المليشيات المسلحة في التحالفات السياسية وعزمها دخول الانتخابات المقبلة، رغم ما ارتكبته من جرائم بحق المدنيين في المدن المحررة، ووجود تقارير دولية تفيد بارتكاب تلك المليشيات جرائم حرب، ما يعني ارتفاع احتمالات تفجر الأوضاع الأمنية، بحسب الخبراء.