محافظة البصرة العراقية تختنق بمليشيات الحشد الشعبي... ودور الشرطة والحكومة المحلية شكلي
كشفت مصادر سياسية عراقية في محافظة البصرة، جنوب بغداد والمطلة على مياه الخليج العربي، عن استنجاد الحكومة المحلية في المحافظة بجهاز مكافحة الإرهاب العراقي، للحد من الفوضى الأمنية العارمة التي تضرب البصرة منذ عدة أشهر، بسبب توسع نفوذ المليشيات والجماعات المسلحة التابعة إلى العشائر. وأوضحت أن أسلحة الجماعات والفصائل في البصرة، التي تزيد على 60 فصيلاً، أصبحت تفوق أسلحة القوات العراقية. وفيما انتقد مجلس محافظة البصرة أداء الأجهزة الأمنية، قال زعماء محليون إن البصرة تحولت إلى مقاطعة تديرها المليشيات بتوجيه من القنصلية الإيرانية في المحافظة.
وقال مصدر سياسي محلي، مقرب من الحكومة المحلية في البصرة، إن مسؤولي المحافظة يجرون، منذ عدة أيام، اتصالات حثيثة بالحكومة المركزية في بغداد من أجل إرسال قوة من جهاز مكافحة الإرهاب لإعادة نشر الأمن والاستقرار في البصرة، التي شهدت خروقات أمنية كبيرة خلال الأيام الماضية. وأوضح، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن دور القوات العراقية في المحافظة يكاد يكون معدوماً، بسبب السيطرة الواضحة لفصائل مليشيا "الحشد الشعبي"، والفصائل المسلحة المرتبطة بالعشائر. وأضاف أن "السلاح الذي تملكه هذه الجماعات المنفلتة يفوق بكثير أسلحة الجيش والشرطة"، مبيناً أن المليشيات ما تزال تحتفظ بأسلحتها الثقيلة والمتوسطة والخفيفة التي حصلت عليها أثناء المعارك. ولفت إلى أن بعض عناصر "الحشد الشعبي" يأخذون أسلحتهم، التي يمكن حملها، إلى بيوتهم أثناء الإجازات، متوقعاً ألا يستقر الوضع الأمني في البصرة قبل وصول قوات خاصة ومدربة.
إلى ذلك، انتقد رئيس مجلس محافظة البصرة، صباح البزوني، الإجراءات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية في المحافظة، ووصفها بالروتينية، مؤكداً، خلال تصريح صحافي، أن الحكومة المحلية في البصرة تنتظر انتهاء معركة الموصل لاستقدام قوة من جهاز مكافحة الإرهاب إلى المحافظة للحد من نشاط العصابات الإجرامية، وحل النزاعات العشائرية. وأضاف "أصبحت النزاعات العشائرية الشغل الشاغل للقوات الأمنية في المحافظة، ونتمنى أن تكون إجراءاتها الأمنية هي سحب الأسلحة، الثقيلة والمتوسطة، من المواطنين، لكن هذه الإجراءات روتينية، بحكم أن القوات الموجودة هي فقط من قيادة عمليات البصرة وشرطة المحافظة"، مشدداً على ضرورة وصول قوة من خارج البصرة لفرض القانون وإعادة الهيبة لرجل الأمن.
ولوّح مجلس محافظة البصرة، في وقت سابق، باحتمال الاستعانة بقوات أمنية كبيرة للتفتيش عن السلاح الثقيل والمتوسط في حال امتنعت العشائر عن تسليم أسلحتها، موضحاً أن غالبية الأسر تمتلك أسلحة رشاشة ومسدسات شخصية، مؤكداً ضرورة أن تسحب. وشدد المجلس على ضرورة إسراع العشائر بتسليم ما بحوزتها من سلاح ثقيل ومتوسط، قبل أن تتم مواجهتها بقوة من خارج البصرة. وشهدت البصرة ليل الجمعة – السبت الماضي مقتل وإصابة العشرات، بتفجير مزدوج ضرب أحد مداخل المحافظة. ولا يتمتع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بأي نفوذ في البصرة، ونادراً ما تتعرض المحافظة ومدنها إلى هجمات أو اعتداءات إرهابية. وعلى الرغم من ذلك، فإنها تعد من أكثر المحافظات الجنوبية توتراً، بسبب خضوعها لسيطرة مليشيات "الحشد الشعبي" وانتشار السلاح الثقيل والمتوسط والخفيف بين عشائرها التي تستخدم هذا السلاح في صراعاتها ومواجهاتها المسلحة.
ويقول عضو مجلس وجهاء البصرة، حسن العكيلي، إن المحافظة تحولت إلى مقاطعة تدار من قبل المليشيات التي تتلقى توجيهاتها من القنصلية الإيرانية في المحافظة، مشيراً، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى اجتماعات دورية لقادة المليشيا في القنصلية، باستثناء مليشيا "سرايا السلام" التابعة للتيار الصدري التي لا تتمتع بعلاقات جيدة مع الإيرانيين، بسبب مواقف زعيمها المناهضة لإيران. ولفت إلى غياب شبه تام للقوات الأمنية إذا تعلق الأمر بخروقات المليشيات، مؤكداً تكرار حوادث الاغتيال والخطف في المناطق التي تقع ضمن قاطع مسؤولية الفصائل المسلحة التابعة إلى "الحشد الشعبي". وأشار إلى تسبب "الحشد الشعبي" بإرباك أمني كبير، أدى إلى تعطيل عمل أجهزة الشرطة في كثير من الأحيان، لافتاً إلى أن الحكومة المحلية في البصرة غير راضية على تصرفات المليشيات، لكنها غير قادرة على مواجهتها لعدة أسباب، أبرزها امتلاك المليشيات أسلحة ثقيلة ومتوسطة تفوق ما هو موجود لدى الأجهزة الأمنية العراقية، فضلاً عن الدعم الذي تتلقاه المليشيات من إيران. وأكد العكيلي أن المليشيات تدير مافيات لتهريب النفط من البصرة، مقابل الحصول على أموال طائلة تستخدم في شراء الأسلحة والعقارات في المناطق الراقية في البصرة وتحويلها إلى مقار دائمة لها. وأوضح أن لدى المليشيات معسكرات عدة منتشرة في أرجاء مختلفة من البصرة، تستقبل الشباب الراغبين بالعمل ضمن صفوفها، وتدخلهم دورات خاصة لفهم مناهج عملها.
وسبق لمجلس محافظة البصرة أن طالب رئيس "التحالف الوطني" الحاكم في العراق، عمار الحكيم، بالعمل على إخراج مكاتب مليشيا "الحشد الشعبي" من البصرة، مؤكداً وجود عدد من المكاتب التي شوّهت سمعة "الحشد" بتصرفات غير منضبطة، لافتاً إلى وجود من ينتحل صفة "الحشد الشعبي" في البصرة. وانتقد رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، مسؤولي البصرة، مؤكداً أن المحافظة تحتاج إلى قادة أفضل، لأن القادة الحاليين يتنازعون في ما بينهم لغرض تحقيق مصالح شخصية على حساب المصلحة العامة. وأشار إلى أن الحكومة لن تسمح لجماعات أو مليشيات بالاستحواذ على النفط من أجل تصديره.