أكد البنك الدولي، اليوم الخميس، أن التدهور الاقتصادي الذي يشهده قطاع غزة أصبح أكبر من أن تعالجه المساعدات الدولية، وإنما يتطلب السماح بتجارة أكثر سلاسة للجيب الفلسطيني المحاصر.
ودعا البنك في تقرير صادر عنه بعنوان "اقتصاد غزة لا يمكنه الاستمرار دون اتصال بالعالم الخارجي"، المانحين إلى إرسال معونات عاجلة إلى قطاع غزة، لمعالجة نقص السيولة في الوقت الراهن وتحسين الأوضاع الإنسانية الأليمة، لافتاً إلى أن القطاع يشهد تدهوراً مطرداً في الأوضاع وانهياراً في الاقتصاد والخدمات الاجتماعية الأساسية.
وجاء نشر التقرير بالتزامن مع مؤتمر للدول المانحة الذي يعقد في روما، اليوم الخميس، لتأمين دعم عاجل بهدف سد العجز في موازنة "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين" (الأونروا)، ويعقد برعاية السويد ومصر والأردن ويحضره الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني.
ويأتي المؤتمر في ظل تقليص الولايات المتحدة التي تعد أكبر مساهم في موازنة الوكالة مساهمتها في موازنة "الأونروا" إلى النصف، ما يهدد الخدمات المقدمة للاجئين الذين يشكلون أكثر من ثلثي السكان في قطاع غزة.
وكشفت بيانات اقتصادية حديثة عن انخفاض معدل النمو في غزة من 8% عام 2016 إلى 0.5% فقط عام 2017 مع ارتفاع معدل البطالة إلى ما يقرب من نصف القوى العاملة، بسبب انخفاض التدفقات النقدية الواردة لتمويل نشاط إعادة الإعمار.
ولفت التقرير إلى هبوط حاد في دخل ربع السكان، في وقت تشهد فيه الخدمات الأساسية تدهوراً سريعاً في جودتها، خصوصاً الكهرباء والمياه والصرف الصحي، ما يشكل خطراً جسيماً على الصحة العامة.
وحذر البنك الدولي في بيانه من ازدياد "حالة الاضطراب" في ضوء زيادة احتمال خفض التمويل لوكالة "الأونروا" التي تعتبر من أهم الأطراف التي تؤمن فرص العمل والخدمات في القطاع، ما يهدد دخل حوالى 18 ألف موظف بالوكالة وعائلاتهم.
ورأى البيان الذي حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، أن تحقيق الانتعاش الدائم يتطلب استراتيجية منسقة لتعافي اقتصاد غزة، عن طريق التجارة مع الأسواق الخارجية والتوسع في الأنشطة التجارية.
وتقول المديرة والممثلة المقيمة للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة مارينا ويس، إن "المعونات العاجلة ضرورية لتوفير الإغاثة الإنسانية على المدى القصير ولتحسين حالة المالية العامة، لكنها لا يمكن أن تحل مكان الإجراءات الطويلة الأجل".
وأضافت أن "الالتزامات الجدية من جانب الأطراف كافة مطلوبة لتحفيز النمو وخلق فرص العمل عن طريق تهيئة الظروف الصحيحة من أجل وجود قطاع خاص ديناميكي. ومن دون التصدي للقيود القائمة، ستبقى غزة تعاني من وطأة العبء على سكانها".
وتشهد الدورة الاقتصادية في قطاع غزة، تباطؤاً كبيراً بسبب استمرار الحصار الإسرائيلي منذ 11 عاماً، وخفض السلطة الفلسطينية رواتب موظفيها في القطاع منذ قرابة عام.
وأكد البنك الدولي أن أسواق قطاع غزة غير قادرة حالياً على تأمين فرص العمل، ما يخلق حالة إحباط لدى شريحة ضخمة وخاصة الشباب، وقال إن صادرات غزة لم تعد تشكل سوى نسبة ضئيلة من مستواها قبل الحصار، وانكماش قطاع التصنيع إلى أكثر من 60% خلال السنوات الماضية. وأشار إلى أن الاقتصاد لن يتمكن من الاستمرار بدون الارتباط بالعالم الخارجي.
ويبرز التقرير الشروط اللازمة لاستدامة الانتعاش الاقتصادي في غزة، ومنها "وجود قطاع خاص قادر على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية وزيادة صادراته السلعية والخدمية، وتخفيف القيود على السلع ذات الاستخدام المزدوج، وتبسيط إجراءات التجارة عند المعبر التجاري لغزة وإعادة بناء الروابط التجارية مع الضفة الغربية وإسرائيل".
ودعا إلى "تركيز الجهود التنموية على معالجة الإغلاق الحالي، لأن التعديلات الطفيفة التي يجري تطبيقها حالياً على هذا النظام المُقيّد لن تكون كافية"، وحض المانحين على المساعدة بتوفير أدوات تمويل مبتكرة للتخفيف من مخاطر قد يواجهها القطاع الخاص عند استثماره في غزة.
وكانت وكالة "الأونروا" أفادت في وقت سابق من الشهر الجاري بأن أكثر من 77% من اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة تحت خط الفقر ويعانون من إحباط شديد، لافتة إلى أنه إذا لم تستطع أونروا جلب المزيد من الدعم حتى مايو/ أيار المقبل، "فإن العجز المالي سيزيد وستكون المساعدات التي نقدمها للفلسطينيين في مرحلة الخطر، فضلاً عن إمكان أن تضطر الوكالة إلى إغلاق بعض مقارها".
وفي مارس/ آذار الماضي، فوجئ موظفو قطاع غزة المدنيون والعسكريون بحسومات على مرتبات شهر فبراير/ شباط التي تسلموها خلال اليومين الماضيين، كما جرت إحالة 340 موظفاً من الخطوط الجوية الفلسطينية للتقاعد الإجباري براتب 50%، إضافة لما حدث مع الموظفين العسكريين.