ربما كانت الأسواق المالية العالمية تتوقع من اجتماع وزراء المال ورؤساء البنوك المركزية في قمة العشرين، الذي اختتم أعماله يوم السبت الماضي في مدينة شنغهاي الصينية، اتخاذ إجراءات تنسيقية شبيهة بالإجراءات التي اتخذت في قمة بلازا التي عقدت بمدينة نيويورك في عام 1985 ونجحت في إنقاذ الاقتصاد العالمي من الركود عبر إضعاف الدولار وتنشيط التجارة العالمية.
لكن ما حدث في اجتماع شنغهاي الأخير كان عبارة عن مجموعة من النقاط العامة، ولم يشتمل البيان الختامي على قواعد محددة، وهو ما يشير إلى أن البنوك المركزية ليست لديها أسلحة جديدة لمعالجة الاختلالات المرعبة، التي يعاني منها الاقتصاد العالمي حالياً.
ورغم أن مسؤولي المال بقمة العشرين قالوا في شنغهاي إن السياسات النقدية ستستمر في دعم النشاط الاقتصادي واستقرار الأسعار، لكنهم اعترفوا في البيان الختامي أن السيات نقدية وحدها لن تكون كافية في إحداث النمو المتوازن.
وحتى الآن، عملت البنوك المركزية على دفع النمو الاقتصادي العالمي عبر تبني نوعين من السياسات النقدية، وهما سياسة "التحفيز الكمي" عبر ضخ البنوك المركزية الأموال بشكل مباشر في الاقتصاد، من خلال شراء سندات الدين من البنوك التجارية والشركات الكبرى.
والسياسة الثانية هي خفض نسبة الفائدة تحت الصفر، أو ما يطلق عليه" الفائدة السالبة". وهذه السياسة ترمي إلى دفع البنوك والمدخرين إلى استثمار أموالهم في الأسواق والتجارة، بدلاً من إيداعها مع البنك المركزي أو وضعها في حسابات الادخار.
وتعني الفائدة السالبة التي طبقتها حتى الآن أكثر من 6 دول، أن البنوك التجارية ستدفع جزءاً من إيداعها مع البنك المركزي، يعادل نسبة الفائدة السالبة بدلاً من الحصول على عائد من إيداعاتها مع البنك المركزي، أي إذا كان البنك التجاري لدية مليار دولار مع البنك المركزي والفائدة السالبة ناقص 0.15%، فإنه يخسر كميات تعادل هذه النسبة.
وحتى الآن طبق الفائدة كل من "المركزي الأوروبي"، في منتصف عام 2014، ثم تلاه المركزي السويسري، ثم تلته بنوك مركزية في كل من الدانمارك والسويد وأخيراً البنك المركزي الياباني "بنك اليابان".
أما على صعيد سياسة "التحفيز الكمي"، والتي تعني طباعة نقود بشكل مباشر وضخها في شراء السندات، فقد طبقها أول مرة "المركزي الياباني" في عام 2001، لإخراج الاقتصاد الياباني من الركود، واستمر في تطبيقها إلى الآن ولكنها لم تفلح في إحراز ما كانت تهدف إليه.
وذلك بدليل أن الاقتصاد الياباني لم يتمكن من النمو منذ عام 2001 من تحقيق نمو يذكر فوق الصفر. وأفضل معدل نمو حققته اليابان كان في العام الماضي، حيث تمكن الاقتصاد الياباني، وحسب الإحصائيات الرسمية اليابانية، من النمو بنسبة 0.7%.
وفي أعقاب أزمة المال العالمية في عام 2008، طبق مصرف الاحتياط الفدرالي "المركزي الأميركي" سياسة التحفيز الكمي، والتي ضخ بموجبها خلال ست سنوات 4.5 ترليونات دولار في شراء السندات الفاسدة من البنوك التجارية والشركات الكبرى.
اقرأ أيضاً: اتفاق الدول الـ20.. تفادي حرب عملات وتنسيق السياسات
ونجحت السياسة في إنقاذ البنوك والشركات الأميركية الكبرى، مثل "فريدي ماك" و"فاني ماي" و"جنرال موتورز" من الوقوع في فخ الإفلاس، لكن هذا النجاح لم ينعكس على النمو الاقتصادي كما كانت الإدارة الأميركية تتوقع.
وحسب انتقادات الاقتصادي العالمي، جوزيف ستيغلتز، الحائز جائزة نوبل للاقتصاد، فإنه يرى أن أموال التحفيز الكمي التي ضخت في البنوك، كانت خطأ، لأن البنوك لم تستخدم هذه الأموال في إقراض الأعمال التجارية الأميركية، ولكنها استغلتها في المتاجرة على السلع، مثل شراء الذهب والمعادن، وإقراضها في الدول الناشئة مستفيدة في ذلك من الفارق الكبير بين الفائدة الصفرية في أميركا وبين الفائدة المرتفعة في الدول الآسيوية ودول أميركا اللاتينية.
وبالتالي صبت الفائدة السالبة في تحقيق ربحية عالية للبنوك الأميركية، ولكنها لم تخلق فرص العمل المطلوبة للنمو عبر زيادة التمويل المتاح للأعمال التجارية أو زيادة الصادرات.
وأخيراً، لجأ المركزي الأوروبي وفي أعقاب أزمة اليورو، التي كادت أن تفلّس عدداً من
اقتصادات أوروبا، إلى استخدام آلية" التحفيز الكمي"، رغم معارضة المركزي الألماني "بندسبانك". وضخ المركزي الأوروبي بموجبها ترليون يورو.
ولكن منذ تطبيقها لم تحقق نجاحاً يذكر، حيث لا تزال إحصائيات "اليورو ستات"، تشير إلى النمو الضعيف في منطقة اليورو وسط متاعب يواجهها قطاع البنوك في كل من إيطاليا واليونان.
وحسب صحيفة" فاينانشال تايمز"، في تغطيتها لاجتماع مسؤولي المال بقمة العشرين، فإن النقاشات التي دارت بين رؤساء البنوك المركزية بشأن سياسات التحفيز و"الفائدة السالبة"، أظهرت خلافات كبيرة في وجهات النظر. حيث انتقد محافظ البنك المركزي البريطاني،" بنك إنجلترا"، مارك كارني، سياسة الفائدة السالبة وقال إنها تقتل الادخار، فيما انتقد وزير المالية الألماني، فولفغانغ شويبلة، سياسة التحفيز الكمي.
تباين معدلات الفائدة وقوة الدولار
رغم تأكيد قمة العشرين على ضرورة تبني سياسات نقدية لا تقود العالم إلى "حرب عملات"، فإن تباين نسب الفائدة بين الاقتصادات الكبرى ومحاولة زيادة الصادرات عبر خفض سعر صرف العملات، سيقود، تلقائياً، إلى "حرب عملات".
ويلاحظ محللون أن خطوات الصين الأخيرة لخفض سعر صرف اليوان قادت تلقائياً إلى رفع سعر صرف الين الياباني، وهو ما أدى إلى تبني اليابان لسياسة الفائدة السالبة. كما أن خطوة الاحتياط الفدرالي رفع الفائدة بنسبة 0.25 % في أكتوبر/تشرين الأول الماضي تسببت في اضطراب أسواق المال في أنحاء العالم، بعد خفض الصين سعر صرف اليوان.
اقرأ أيضاً:
مجموعة "العشرين" مستعدة للتدخل إذا ساءت الأوضاع الاقتصادية
مجموعة العشرين تقرر اعتماد سياسات تحفيز لدعم الاقتصاد العالمي