بعد يومين على صدور قرار مجلس الأمن الدولي الذي مدد ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء لعام كامل، وبعد البيان الأول الصادر عن قيادتها، عادت جبهة البوليساريو الانفصالية لتهاجم القرار، وهذه المرة على لسان من تعتبره وزيراً للخارجية في دولتها المعلنة من طرف واحد وغير المعترف بها دولياً.
وأدلى محمد سالم ولد السالك بتصريح كتابي لوكالة الأنباء التابعة للجبهة، نشرته مساء اليوم الجمعة، قال فيه إن المغرب بصدد التراجع عن اتفاق السلام الموقع سنة 1991، وإن ذلك يعيد المنطقة إلى "المربع الأول".
وخصّ القيادي في الجبهة فرنسا بهجوم خاص، باعتبارها حليفة للمغرب ومساندة قوية له داخل مجلس الأمن الدولي.
وقال ولد السالك إن فرنسا "أجهضت كل الخطوات والمجهودات الأممية وكل أساليب التعاون وضبط النفس وحسن النية التي تعامل بها الطرف الصحراوي مع الأوضاع طيلة زهاء ثلاثة عقود".
وأضاف أن دعم فرنسا للمغرب وصل إلى ذروته "مع المحاولات الأخيرة الرامية إلى تغيير مهمة المينورسو من خلال إدخال صياغات جديدة ومفردات مناقضة تماماً لنص وروح اتفاق الطرفين وقرارات ولوائح الجمعية العامة ومجلس الأمن وقرارات وأحكام الاتحاد الأفريقي ومحكمة العدل الدولية"، في إشارة منه إلى خلوّ القرار الجديد لمجلس الأمن الدولي من أية إشارة إلى تنظيم الاستفتاء حول مصير الصحراء، والذي احتفى به المغرب فور التصويت على القرار.
القيادي في الجبهة محمد سالم ولد السالك عاد إلى التلويح بما تضمنه البيان الصادر عن قيادة الجبهة فور صدور القرار مساء الأربعاء الأخير، من انسحاب من المسار السياسي الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، وقال: "الالتزام بوقف إطلاق النار مرتبط ومرهون بالالتزام بتنظيم الاستفتاء، لأنهما يشكّلان معاً الاتفاق الذي أدّى إلى إنشاء المينورسو باعتبارها آلية تنفيذ".
هذا الخروج الاستثنائي لقيادة جبهة البوليساريو أعقب التفاعل الهادئ للجزائر مع القرار الأممي الجديد، إذ لاحظ مراقبون أن التعليق الرسمي من جانب الحكومة الجزائرية تأخّر ليوم كامل بعد صدور القرار، وجاء التعليق في بيان مكتوب نشرته وزارة الخارجية الجزائرية أمس الخميس، اكتفى بتسجيل "الأسف" لعدم حيازة القرار الجديد إجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي.
وأضاف بيان الخارجية الجزائرية أنها تجدّد تأكيد مسؤولية مجلس الأمن "في تجديد التزامه الذي أكده خلال المصادقة على هذه اللائحة من أجل مساعدة طرفي النزاع على التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم يسمح بممارسة الشعب الصحراوي لحقه في تقرير المصير طبقاً لمبادئ وممارسات الأمم المتحدة في مجال تصفية الاستعمار"، ولاحظ مراقبون خلوّ هذا البيان الجزائري بدوره من أية إشارة إلى خيار الاستفتاء حول انفصال الإقليم عن المغرب أو بقائه تحت سيادته.
وبعد ردود الفعل الأولى التي صدرت عن الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة مباشرة بعد صدور القرار، عاد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ليدلي بتصريح للصحافة أمس الخميس.
بوريطة قال إنه، وبصدور القرار الجديد، "يكون مجلس الأمن الدولي قد جدد التأكيد على وجاهة وصواب الموقف المغربي وعزّز الدينامية الإيجابية والدعم المتزايد لمرتكزات هذا الموقف".
وأوضح بوريطة، في تصريح للصحافة على هامش اجتماع للجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج بمجلس النواب، خصّص لدراسة مشروع الميزانية الفرعية للوزارة برسم السنة المالية 2020، أنه باعتماد القرار المذكور أكد مجلس الأمن، ومن خلاله كل المجموعة الدولية، "أن مسلسل الموائد المستديرة هو الإطار الوحيد للوصول إلى حل سياسي للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية".
كذلك سجّل وزير الخارجية المغربي عودة المجلس إلى العمل بقاعدة التمديد لولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء لعام كامل بدل ستة أشهر، معتبراً ذلك "إشارة قوية من مجلس الأمن على تشبثه بضمان الهدوء للمسلسل السياسي، وضرورة الأخذ بالاعتبار السياق الإقليمي الذي يستلزم مزيداً من الوضوح والرؤية ليكون في مقدور مختلف الفاعلين المشاركة الكاملة وبكل مسؤولية في البحث عن حل سياسي".
وكان القرار الجديد لمجلس الأمن الدولي، الصادر مساء الأربعاء 30 أكتوبر/ تشرين الأول، قد نصّ على تمديد فترة ولاية بعثة الأمم المتحدة المنتشرة في الإقليم لعام كامل، بدل 6 أشهر التي اقتصرت عليها القرارات الثلاثة الأخيرة لمجلس الأمن الدولي حول الصحراء.
ويعتبر هذا التمديد إيجابياً بالنسبة إلى المغرب، حيث كان تقليص فترة التمديد إلى ستة أشهر فقط ضغطاً مارسه المستشار السابق للرئيس الأميركي في شؤون الأمن القومي، جون بولتون، والذي استقال من منصبه في مستهل شهر سبتمبر/ أيلول الماضي.
وباستثناء مدة الولاية، لم يدخل قرار مجلس الأمن الدولي أي تعديلات حول مهام واختصاصات هذه البعثة الأممية، إذ يحاول خصوم المغرب منذ بضع سنوات توسيع صلاحياتها لتشمل مراقبة أوضاع حقوق الإنسان داخل الإقليم المتنازع عليه، والخاضع للإدارة المغربية.
ويدعو القرار جميع الأطراف المعنية بهذا النزاع إلى المساهمة في الوصول إلى حل سياسي وواقعي ومتوافق عليه. ويعتبر هذا الخطاب أيضاً في مصلحة المغرب، والذي يشدد على ضرورة البحث عن حل سياسي، مقدماً مقترحه الخاص بمنح الإقليم حكماً ذاتياً، كأرضية لمثل هذا الحل.
وفي انتظار تعيين مبعوث شخصي جديد للأمين العام للأمم المتحدة، بعد استقالة الألماني هورست كوهلر من هذا المنصب في شهر مايو/ أيار الأخير، دعا قرار مجلس الأمن الدولي الجديد الأطراف المعنية إلى "استئناف المشاورات بين المبعوث الشخصي المقبل للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء والأطراف المعنية بهذا النزاع الإقليمي"، وهو ما فسّرته وكالة المغرب العربي للأنباء باعتباره إشارة إلى كل من المغرب والبوليساريو، وكل من الجارين الجزائر وموريتانيا.