بعد هجرات متتالية منذ انهيار المملكة الآشورية، انحسر الآشوريون في مناطق عدة تعرف بالمشرق العربي وتركيا حالياً. ولأسباب عدة، هاجروا لاحقاً إلى مختلف دول العالم. بريطانيا من تلك البلدان التي تضم جاليات آشوريّة، ويتحدث خوشابا جابا وهو شاعر وكاتب وناشط آشوري، عن هذا الواقع لـ"العربي الجديد".
في العاصمة لندن، ثلاث كنائس للشعوب المتحدّرة من تلك الأصول، واحدة كلدانية وثانية سريانية وثالثة آشورية، بحسب ما يوضح جابا لـ "العربي الجديد". ويغوص في تاريخ شعبه، فيسرد: "بعد سقوط الإمبراطورية الآشورية في عام 612 قبل الميلاد واحتلال دولة ميديا وفارس لآشور وانهيار بابل بعدها بنحو 70 عاماً، هاجر الآشوريون تاركين أرضهم خوفاً من الإبادة. سلكوا ثلاث طرق للهجرة. اتّجه بعضهم نحو الخابور والقامشلي والحسكة في سورية، وأكمل آخرون إلى جزيرة بوتان في تركيا وإلى ماردين وديار بكر وباتمن وهكّاري وتياري. إلى ذلك، سلك قسم منهم درباً مختلفاً، فانطلقوا من نينوى باتجاه معلثاي في دهوك في شمال العراق التي كانت تعرف باسم نوهدرا، ومنها إلى ليروازي بالا وهكاري في تركيا. أما الطريق الثالث، فكان من كركوك وأربيل عبر نهر الزاب الأعلى، إذ عبروا جبل قنديل إلى هكّاري وتياري. وبعد زمن، عاد جزء من الآشوريين إلى أرضهم ليستقروا فيها".
يقول جابا إنّ جماعة من الآشوريين الذين هجروا العراق في خمسينيات القرن العشرين أسست "البيت الآشوري" في منطقة إيلينغ في لندن عام 1978، وكانت الصلاة تقام فيه نظراً لعدم توفّر كنيسة تمثّلهم. وإذ يشير إلى أن اللغة الآشورية (السريانية) وجذرها الآرامي باتت شبه منقرضة، يبدو هو متمكناً منها. هو ألّف ثلاثة كتب بها، غير أنّه لم ينشرها بعد.. ويعود جابا في التاريخ ليروي كيف يتحدّر السريان والكلدان جميعاً من أصول آشورية. يقول: "في عام 413 ميلادي، عقد مؤتمر أفسس في أورهي (إديسا) في تركيا نتج عنه انشقاق في الكنيسة بين نسطوريوس مطران إسطنبول وكيرليس مطران الإسكندرية في مصر. اختلفا حول مسألة اللاهوت المسيحي، ما أدّى إلى ظهور السريان". يضيف أن "الكلدان ظهروا بعدما أطلق بابا روما في عام 1552 على النساطرة الذين تحوّلوا إلى الكاثوليكية في قبرص اسم كنيسة بابل على الكلدان، حتى يميّزهم عن جذورهم التاريخية وذلك بسبب وجود خلاف بين الكنيسة المشرقية والكنيسة الغربية الكاثوليكية". ويتابع: "لم يعترف سلاطين الدولة العثمانية إلا بكنيسة المشرق، لكن حين ضعفت الإمبراطورية العثمانية، سمحت لفرنسا بفتح ممثليّة كاثوليكية في القدس تبشّر المسيحيين فقط. وفي عام 1884، كان أوّل اعتراف رسمي بالكنيسة الكلدانية الكاثوليكية".
في لندن اليوم، ينشط "البيت الآشوري" وينظّم فعاليات عديدة واحتفالات، أبرزها الاحتفال برأس السنة الآشورية البابلية في الأوّل من إبريل/ نيسان.
ويشرح جابا أهميّة هذا الشهر الذي يعدّ "رمزاً لبداية الحياة والتبرعم"، والذي تعتمده دول غربية عديدة كبداية لسنتها المالية حتى اليوم. لكنه يشير إلى أن "مظاهر العيد في العراق (بلاد ما بين النهرين)، تختلف. هناك تُزيَّن عربة ترمز إلى عربة الملكة الآشورية شميرام، يستقلها شخص يلعب دور الملك ويرافقه حرّاس يسيرون إلى جانبَي العربة وينشدون أغاني شعبية. أما هنا، فيقرأون الشعر الآشوري ويستمتعون بالرقص والأغاني الفلكلورية، كذلك يعرضون الأزياء التقليدية لجميع أطياف المجتمع الآشوري من الجبل إلى السهل". يضيف أن "النساء ينهمكن في العيد بتحضير الأطباق التقليدية ومنها الدوخوا (الهريس وهي مزيج من قمح ولحم مطهوين في أوعية كبيرة) وحلوى المورثوخا (مزيج من الدهن والقمح المغليين) التي يُضاف إليها السكّر". ويلفت جابا إلى أنّ "اسم الإله مردوخ أتى من تلك الحلوى، لأنّ الناس كانت تعبد الطعام".
الاحتفال الثاني لجهة الأهميّة، هو "يوم الشهيد الآشوري". وعنه يقول جابا إنّه "في أغسطس /آب من عام 1933، شن الجيش العراقي الملكي حينها بقيادة الضابط بكر صدقي حملة ضد الآشوريين، وصفت بالمجزرة، ولقد راح ضحيتها نحو أربعة آلاف مدني. بلغ القتل ذروته في السابع من الشهر نفسه". ويوضح أنّ "في هذا اليوم نستذكر هؤلاء الذين قضوا، فتُلقى الكلمات بحضور كاهن وترفع الصلوات".
من جهة أخرى، يستقبل "البيت الآشوري" كتّاباً ومثقفين من شتّى أنحاء العالم، ويقدّم مسرحيات. كذلك، كانت مسيرات قد نظّمت إلى البرلمان البريطاني، مطالبة بتوفير الحقوق المشروعة للآشوريين في أرضهم وتأمين الحماية الدولية لهم.
إقرأ أيضاً: أول أبريل.. مهرجان "آكيتو" ويوم الكذب