لم تكن القصص المصوّرة المرسومة على جدران المعابد والهياكل تضاهي تلك التي رسمها القدامى بإتقان على أوراق البردي. كان البردي أداة المصريين للمعرفة والتسلية والفنون، لسهولة الكتابة والرسم عليه، وجمال ألوانه. وقد انتقلت فكرة استخدام البرديات في التدوين من مصر إلى بلاد الشام، ثم إلى معظم دول حوض البحر المتوسط وأوروبا.
ونبات البردي من فصيلة تدعى "سيبرس" التي تنمو غالبيتها على حواف المصارف المائية الضحلة والمستنقعات وفروع النيل الصغيرة في مصر. ويتكون النبات من جزء مغمور بالماء، وهو الساق البيضاء الغليظة التي يستخرج منها أجود أنواع الأوراق، ثم الجزء العلوي الغامق الصلب والأرفع سمكاً. وكانت الورش ومصانع إنتاج الورق البردي منتشرة في ربوع مصر، خاصة في الوجه البحري، حيث توجد المكتبات وقصور الحكام والنبلاء والأثرياء، وكذلك أعظم دار للعلوم وقتها في الإسكندرية؛ مكتبةً وجامعةً.
صُدّر البردي قبل الفتح الإسلامي إلى الدولة الرومانية والبيزنطية والفارسية. وعند فتح مصر على يد عمرو بن العاص، حافظ الفاتحون على مصانع البردي، لعلمهم بأهميتها في كتابة الرسائل والمخطوطات، بديلاً عن الأدوات الأخرى التي كانت معروفة في الجزيرة وقتها، مثل الجلود والعظام وجريد النخل. وحينذاك عرفت الكتابات العربية طريقها للتدوين على البردي الذي ظلّ البردي حتى القرن الرابع الهجري أحد الوسائل الرئيسية لنشر المعرفة، رغم اكتشاف الصينيين للورق المصنوع من قش الأرز والمشابه للموجود حالياً.
لم يكن صنع الورق هو الاستخدام الوحيد للبردي، فالمصريون عرفوا طريقهم لأكل الجزء السفلي الغضّ منه لاحتوائه على بعض السكر ما يجعله مقبول الطعم، وأيضا لتوفره بكثرة. كذلك استُخدمت السيقان الرفيعة الصلبة العلوية في صناعة الحصير المصري، وهو نوع من المفروشات التي أبدع الحرفيون القدماء في تلوينها وتزيينها، واكتشف الكثير منها في المقابر الفرعونية. فقد استُخدم الحصير في فرش المنازل وفي تغليف الموتى لحماية الأجساد من رطوبة الأرض. كما استخدمت حزم البردي الجافة في عمل أسقف الأكواخ والمنازل، ووقود خفيف لطهي الخبز، وأيضا صنعت منه مراتب نوم للفقراء. ويشير ابن البيطار في كتابه "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" إلى أن البردي يستعمل منقوعًا ومحروقاً كدهانات، وإذا نُقع في الخل والماء أصلح الجراحات الحديثة والمفتوحة.
ومن أشهر البرديات التي أثارت الاهتمام "بردية ويستكار"، التي تروي بعض القصص من عهد الملك خوفو في الأسرة الرابعة من الدولة القديمة. وفي المخطوطة، يتحدث أبناء الملك خوفو بالدور للترفيه عن والدهم بقصص من وحي خيالهم، حتى يقول الابن الأخير "ددف حور" إن قصته عجيبة في الحاضر وساحرة في المستقبل. وفي القصة الخامسة تكون خلاصة القصص الأربع السابقة، وتروي قصة الملوك الثلاثة الأوائل من الأسرة الخامسة. ويعتقد علماء الآثار أن تلك البردية تعد في الأصل رواية طويلة وليست مجرد مجموعة من القصص القصيرة.
لا تزال مكتبات أوروبا تحتفظ بحوالي 4500 بردية، بجانب 3739 بردية في دار الكتب المصرية، من ضمنها مجموعة نادرة من المخطوطات العربية والإسلامية؛ ومنها، أيضاً، مجموعة من المصاحف النادرة التي كتب بعضها في القرنين الثاني والثالث الهجري مثل مصحف الإمام جعفر الصادق، وكتاب الجامع في الحديث لعبدالله بن مسلم الفقيه المصري، وغيره.
اقــرأ أيضاً
ونبات البردي من فصيلة تدعى "سيبرس" التي تنمو غالبيتها على حواف المصارف المائية الضحلة والمستنقعات وفروع النيل الصغيرة في مصر. ويتكون النبات من جزء مغمور بالماء، وهو الساق البيضاء الغليظة التي يستخرج منها أجود أنواع الأوراق، ثم الجزء العلوي الغامق الصلب والأرفع سمكاً. وكانت الورش ومصانع إنتاج الورق البردي منتشرة في ربوع مصر، خاصة في الوجه البحري، حيث توجد المكتبات وقصور الحكام والنبلاء والأثرياء، وكذلك أعظم دار للعلوم وقتها في الإسكندرية؛ مكتبةً وجامعةً.
صُدّر البردي قبل الفتح الإسلامي إلى الدولة الرومانية والبيزنطية والفارسية. وعند فتح مصر على يد عمرو بن العاص، حافظ الفاتحون على مصانع البردي، لعلمهم بأهميتها في كتابة الرسائل والمخطوطات، بديلاً عن الأدوات الأخرى التي كانت معروفة في الجزيرة وقتها، مثل الجلود والعظام وجريد النخل. وحينذاك عرفت الكتابات العربية طريقها للتدوين على البردي الذي ظلّ البردي حتى القرن الرابع الهجري أحد الوسائل الرئيسية لنشر المعرفة، رغم اكتشاف الصينيين للورق المصنوع من قش الأرز والمشابه للموجود حالياً.
لم يكن صنع الورق هو الاستخدام الوحيد للبردي، فالمصريون عرفوا طريقهم لأكل الجزء السفلي الغضّ منه لاحتوائه على بعض السكر ما يجعله مقبول الطعم، وأيضا لتوفره بكثرة. كذلك استُخدمت السيقان الرفيعة الصلبة العلوية في صناعة الحصير المصري، وهو نوع من المفروشات التي أبدع الحرفيون القدماء في تلوينها وتزيينها، واكتشف الكثير منها في المقابر الفرعونية. فقد استُخدم الحصير في فرش المنازل وفي تغليف الموتى لحماية الأجساد من رطوبة الأرض. كما استخدمت حزم البردي الجافة في عمل أسقف الأكواخ والمنازل، ووقود خفيف لطهي الخبز، وأيضا صنعت منه مراتب نوم للفقراء. ويشير ابن البيطار في كتابه "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" إلى أن البردي يستعمل منقوعًا ومحروقاً كدهانات، وإذا نُقع في الخل والماء أصلح الجراحات الحديثة والمفتوحة.
ومن أشهر البرديات التي أثارت الاهتمام "بردية ويستكار"، التي تروي بعض القصص من عهد الملك خوفو في الأسرة الرابعة من الدولة القديمة. وفي المخطوطة، يتحدث أبناء الملك خوفو بالدور للترفيه عن والدهم بقصص من وحي خيالهم، حتى يقول الابن الأخير "ددف حور" إن قصته عجيبة في الحاضر وساحرة في المستقبل. وفي القصة الخامسة تكون خلاصة القصص الأربع السابقة، وتروي قصة الملوك الثلاثة الأوائل من الأسرة الخامسة. ويعتقد علماء الآثار أن تلك البردية تعد في الأصل رواية طويلة وليست مجرد مجموعة من القصص القصيرة.
لا تزال مكتبات أوروبا تحتفظ بحوالي 4500 بردية، بجانب 3739 بردية في دار الكتب المصرية، من ضمنها مجموعة نادرة من المخطوطات العربية والإسلامية؛ ومنها، أيضاً، مجموعة من المصاحف النادرة التي كتب بعضها في القرنين الثاني والثالث الهجري مثل مصحف الإمام جعفر الصادق، وكتاب الجامع في الحديث لعبدالله بن مسلم الفقيه المصري، وغيره.