للعام الثاني على التوالي، تتصدّر أزمة اللاجئين اهتمام السلطات الألمانية. ويبقى هناك خشية من عدم قدرة البلاد على ترتيب أمورها، والدخول في حلقة مفرغة، خصوصاً أن جميع المؤشرات تنبئ بصعوبات كثيرة يمكن أن تواجهها الحكومة في الداخل والخارج، في ظل استمرار وصول الآلاف إلى أراضيها يومياً، على الرغم من الإجراءات الجديدة التي بدأت منذ مطلع العام الحالي.
ومنذ بدء الأزمة، تواجه برلين عراقيل عدة تحول دون قدرتها على المضي قدماً في تحمل هذا العبء الذي بات يكبّل عمل السلطات. بالتالي، تحاول إيجاد حلول على مختلف الأصعدة. أوروبياً، عجزت ألمانيا عن تطبيق الآلية التي قضت بتوزيع الحصص على دول الاتحاد، بعدما لاقت اعتراضاً من العديد من القادة الأوروبيين، من بينهم رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، الذي قال إن "محاولة إجبار كل دول الاتحاد الأوروبي على قبول لاجئين هي بمثابة إكراه سياسي".
من جهة أخرى، تعوّل ألمانيا ودول الاتحاد حالياً على تركيا، التي بدأت بفرض تأشيرة على السوريين، وقد ألغت الاتفاقية الموقعة مع سورية عام 2009، والتي تقضي بإعفاء مواطنيها من تأشيرة الدخول إليها، بالإضافة إلى تشديد أنقرة الرقابة على سواحلها تطبيقاً للاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وإن كان لم يصل بعد إلى المستوى الذي يتمناه الأوروبيون، بحسب ما أعلن نائب المفوضية الأوروبية، فرانز تيمرمانس، أخيراً.
اقرأ أيضاً: خبراء: على ألمانيا تدبر ماضيها لدمج المهاجرين
وتجدر الإشارة إلى أن العاملين في منظمة "سي ووتش" للإنقاذ البحري كانوا قد حذروا من أن الصفقة الأوروبية ـ التركية سيكون لها أثر كارثي على المهاجرين، لافتين إلى زيادة عدد الغرقى عبر المتوسط. ويطالبون بآلية تسمح باستقبالهم بشكل لائق، وليس التخلص من المشكلة بطريقة لا تمت إلى القيم الإنسانية بصلة، علماً أن لقاء سيعقد في أنقرة، الاثنين المقبل، لتقييم خطة العمل التي توافق عليها الطرفان.
وعملاً بالاتفاق المبدئي بين دول الاتحاد الأوروبي، والقاضي بحماية وضبط الحدود الخارجية، ستخصص موارد مالية إضافية لوكالة "فرونتكس"، لمساعدة الدول غير القادرة على معالجة تدفق اللاجئين إليها، كما أعلن توسك أخيراً، بالإضافة إلى محاربة مهربي البشر. علماً أن التقارير بيّنت أن هؤلاء حصلوا على أكثر من مليار دولار العام الماضي. وهناك سعي من قبل الوكالة لدعم صفوفها بـ400 ﺿﺎﺑﻂ و15 ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻣﺠﻬﺰة، وإرسالها إﻟﻰ اﻟﺠﺰر اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ، للمساعدة في اﺳﺘﻴﻌﺎب اﻟﺘﺪﻓﻖ اﻟﻬﺎﺋﻞ ﻟﻼﺟﺌﻴﻦ، وﺗﺤﺪﻳﺪ ﻫﻮﻳﺎت اﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻟﻮاﺻﻠﻴﻦ وأﺧﺬ ﺑﺼﻤﺎﺗﻬﻢ.
إلى ذلك، عادت إلى الواجهة مشكلة فرض عدد من الدول الأوروبية قيوداً على حركة تنقل المواطنين داخل القارة العجوز، الأمر الذي اعتبرته الخارجية الألمانية يشكل خطراً على اتفاقية شينغن. حتى إن السويد بدأت العمل على قانون يجيز لشركات النقل التدقيق في وثائق المسافرين إليها. لذلك، عقد في بروكسل اجتماع خلص إلى ضرورة تنسيق إجراءات المراقبة على الحدود وتبادل المعلومات، وعدم التفرّد باتخاذ القرارات، والحرص على الحفاظ على فضاء شينغن.
ويشير خبراء إلى أنه سيكون لهذا الإجراء تبعات اقتصادية سلبية على سوق العمل والصادرات في ألمانيا وأوروبا، لأن المصانع والشركات الواقعة على ضفتي الحدود تتعاون مع عملاء وموظفين من أكثر من بلد أوروبي. ويعرقل هذا التدبير وصولهم إلى عملهم، ما سيؤثر على الإنتاج. وتطرح الشكوك حول الجدوى من الوحدة الأوروبية، في ظل وجود اقتراح بتعديل المادة المتعلقة بفرض الرقابة على الحدود المنصوص عليها في اتفاقية شينغن، ورفعها من ستة أشهر إلى سنتين، ما سيثبت مجدداً اهتزاز الثقة بين دول الاتحاد.
بموازاة ذلك، تواجه الحكومة الاتحادية مزيداً من الضغوط من المدن والبلديات، نتيجة الزيادة في أعداد اللاجئين لديها، نظراً لحاجتها إلى تقديم المزيد من الإعانات وتأمين السكن لهم، عدا عن التعاقد مع مربين ومعلمين، وهو ليس بالأمر السهل الذي يمكن تحقيقه على المدى القريب، بحسب رئيس مجالس المدن والبلديات رولاند شيفر.
ويشير إلى وجوب تأمين 20 ألف مدرس لنحو 300 ألف تلميذ، ومائة ألف طفل في دور الحضانة، فضلاً عن بناء نحو 400 ألف مسكن كل عام. ويطالب بنوع من التكامل في العمل المشترك، ناهيك عن مطالبة رئيس الحزب الاجتماعي المسيحي ورئيس حكومة ولاية بافاريا، هورست زيهوفر، بتحديد سقف عدد الواصلين من اللاجئين بـ200 ألف، الأمر الذي ترفضه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وشريكها في الائتلاف، سيغمار غابريال، بشكل قاطع.
أمام هذا الواقع، ستساهم الحكومة الاتحادية بمخصصات مالية لحكومات الولايات. في المقابل، سيتعين على اللاجئين المكوث فترة أطول داخل الخيم ومراكز الإيواء، وقد تصل إلى اثني عشر شهراً، ريثما يتم الانتهاء من المشاريع السكنية المزمع إنشاؤها، بعدما كانت لا تتعدى الستة أشهر في الفترات السابقة. أما اللاجئون الذين صنّفت بلدانهم بالآمنة، على غرار ألبانيا وكوسوفو والجبل الأسود، فسيسرّع ترحيلهم، على الرغم من وجود إشكالية قانونية في التعاطي مع أي قرار، وترحيل كل من رفضت طلباتهم، ناهيك عما يحمله هذا الملف من إرباك للسلطات الرسمية. وتجدر الإشارة إلى أن أرقام وزارة الداخلية تشير إلى وجود نحو 200 ألف طلب ترحيل، مع الإشارة إلى أن الأرقام الرسمية بينت أنه حتى نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، رحل نحو 19 ألف لاجئ.
في السياق، ستتولى مهمة إدارة توزيع اللاجئين بين الولايات السلطة الاتحادية، بعدما كانت كل ولاية تدير شؤونها بنفسها، مع الأخذ في الاعتبار الموارد المالية لكل ولاية وعدد سكانها. وطالب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني نوربرت روتغن، بإنشاء وزارة للاجئين على غرار كندا والولايات المتحدة، على أن تدمج فيها جميع المكاتب الخاصة بالهجرة واللاجئين.
اقرأ أيضاً: شنغن في خطر.. مواجهة اللجوء تهدد الحدود المفتوحة