12 نوفمبر 2018
التدبير السياسي بمنطق المقاولة
جمال الموساوي
كاتب وشاعر وصحافي مغربي، إجازة في العلوم الاقتصادية، من إصداراته كتاب "صراع الاقتصاد والسياسة: تأملات في مشهد عالمي مضطرب".
يسيّر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، شؤون الولايات المتحدة، كما لو أنه يدير إحدى شركاته. هذا حكم بات شائعا في أوساط مراقبين عديدين متتبعين السياسة الدولية. إنه يبحث عن تحقيق أقصى نسبة من الأرباح كأي مدير في مقاولة. الفرق الوحيد أن السنة المالية ليست 12 شهرا، بل 48 شهرا، هي عمر الولاية الرئاسية. وبقدر ما يبدو المنطق الترامبي في إدارة أكبر قوة في العالم غريبا، ومزاجيا أحيانا، بقدر ما يعيد إلى الواجهة النقاش بشأن العلاقة بين تدبير الأعمال والتجارة من جهة، وتدبير الشأن السياسي من جهة ثانية، فترامب ليس الوحيد، وليس الأول ولن يكون الأخير، القادم من عالم المال إلى هرم السلطة، على الرغم من أنها وضعية تطرح أكثر من سؤال، والجدل بشأنها لا ينتهي.
إذا كان معتادا العثور على رجال أعمال في المجالس التمثيلية، فهناك عدة أمثلة لأشخاص عبروا، من خلال جسر إمبراطورياتهم المالية، للوصول إلى قمة السلطة، أي ليصبحوا رؤساء دول أو رؤساء حكومات، مستفيدين من اللعبة الديمقراطية، وما تضمنه من حرية التنافس السياسي، ما لم تطغ المصالح الخاصة على مزاولتهم مهامهم. وتكفي نماذج، مثل سيلفيو بيرلسكوني في إيطاليا وبيترو بوروشينكو في أوكرانيا، للتأكيد على التداخل الإشكالي بين المصالح الاقتصادية الخاصة (الأصلية) والمنصب السياسي (العارض)، حيث يشبه بيرلسكوني العنقاء التي تنبعث من رمادها، في كل مرة، على الرغم من الفضائح التي تطارده والمحاضر والقضايا المرفوعة ضده بسبب الخلط بين مصالحه الخاصة والمصلحة العامة. بينما كان بوروشينكو قد وعد ببيع شركته، إذا تم انتخابه رئيسا لأوكرانيا، وهو أمر لم يَفِ به بعد تحقيق مبتغاه في العام 2014. وفي أفريقيا هناك نماذج أيضا، وفي العالم العربي يمكنُ العثور على رجال أعمال في المجالس التشريعية والحكومات.
المثير أن الرأسمال يبحث، في الغالب، عن توسيع أنشطته وزيادة الأرباح، ويشتغل على المستوى السياسي في الظل، سواء بالمساندة التي يقدّمها للأشخاص الذين نذروا أنفسهم للعمل السياسي كليا، أم من خلال مجموعات الضغط التي تدفع باتجاه الحفاظ على امتيازاته في الاستثمار والتسويق عبر التشريعات والقوانين المتعلقة بالتجارة والعمل والأسواق. لكن رجال الأعمال مواطنون، كغيرهم، وتضمن لهم الدساتير والقوانين حقوقهم المدنية والسياسية، بما في ذلك الحق في الترشّح للانتخابات، والحصول على مقاعد في البرلمان، وكذلك إمكانية تقلد مناصب سامية في هرم السلطة.
يبدو الأمر، في ظاهره، عاديا، ولا يطرح أي إشكالية، إلا ما يتعلق بكيفية ممارسة السلطة، وتوابع تلك الممارسة سلبا وإيجابا. بيد أن الواقع، كما رصده مقال في صحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية، يستحق التأمل، خصوصا أن مسحاً للمشهد السياسي في أميركا اللاتينية يفيد بأن انخراط رجال الأعمال في البحث عن مناصب سياسية تحول إلى ما يشبه ظاهرة لافتة. فبالاستناد إلى بحث أجراه فريق من الباحثين في جامعة الجمهورية في عاصمة الأورغواي مونتفيديو، شمل الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وكولومبيا والمكسيك والبيرو والسلفادور والأورغواي، من 2012 إلى 2017، أورد كاتب المقال، ميغيل سيرنا، وهو أستاذ في الجامعة نفسها، أن نسبة رجال الأعمال، على اختلاف مجالات اشتغالهم، ضمن أعضاء البرلمان تصل في المعدل إلى نحو 23%، وأن أكبر نسبة توجد في السلفادور (40%)، وأقلها في الأرجنتين (13%).
ما هو ثابت في دول أميركا اللاتينية أن رجال الأعمال والملاك الكبار للأراضي ساندوا الديكتاتوريات والأنظمة العسكرية التي قمعت الثوار الشيوعيين عقودا. وجعلهم هذا الاصطفاف، كما يوضح الكاتب، في اللحظات التي انتصرت فيها الثورة يتوارون إلى الخلف، وينسحبون من المشهد السياسي، خوفا على ممتلكاتهم من المصادرة في أفضل الأحوال. إلا أن الانقلابات الإيديولوجية الكبرى بعد سقوط جدار برلين، وانهيار الاتحاد السوفييتي، والعولمة التي حولت اقتصاد السوق إلى نوع من "العقيدة" الكونية، فتح ذلك كله المجال من جديد أمام رجال المال والأعمال، للدخول إلى السياسة، ليس من باب التمويل والدعم فحسب، بل من باب الفاعل المؤثر، خصوصا بعد انتشارهم في الإدارة العمومية، وفي مختلف مراكز القرار داخل دول أميركا اللاتينية.
وتبدو الخلاصات التي انتهى إليها الكاتب مثيرةً، من ناحية التوجهات السياسية لرجال الأعمال، فقد ارتبط صعودهم الجديد بالعلاقات القوية التي نسجوها مع زعماء يمينيين "شعبويين"، مثل كارلوس منعم في الأرجنتين وألبرتو فوجيموري في البيرو. وفي ما بعد، كان عليهم التعايش مع حكومات يسارية، كما في البرازيل وفينزويلا وبوليفيا وغيرها، قبل أن يكرسوا هيمنتهم بشكل واسع على المفاصل الحيوية لهذه الدول، أي القرار السياسي والاقتصاد، ذلك أن الأزمات الاجتماعية التي عرفتها أو ما زالت تعرفها البرازيل وفنزويلا والبيرو (أمثلة) أعادت النقاش بشأن فعالية المشروع السوسيواقتصادي ليسار ما بعد العولمة، وهو ما يؤثر في اختيارات الناخبين أيضا. وكما جاء في المقال، الغني على قصره، فإن اليسار يتعب، ويفقد قدرته على الإبداع عندما يستمر فترة طويلة في السلطة، ويلعب ذلك كله لصالح رجال المال والأعمال الذين يتحولون منقذين.
وبقراءة الأرقام التي وردت في الدراسة التي استند إليها ميغيل سيرنا، فإن نسبة تمثيلية رجال الأعمال في مؤسسات السلطة التشريعية في أميركا اللاتينية تبقى عاليةً، إذا ما قورنت بنسبة هؤلاء إلى عدد السكان النشطين في القارة، والتي لا تتعدى 3.4%. وهذا وضع يصفه الكاتب بأنه كاريكاتوري، عندما يتعلق الأمر بمجالس الشيوخ في الدول التي تتوفر عليها، إذ رجال الأعمال 30% من أعضاء الغرفة العليا في البرلمان البرازيلي، و20% في مجلس الشيوخ في الأورغواي. هذا يحتمل معنى واحدا، أن هؤلاء أكثر قدرةً من غيرهم على إقناع الكتلة الناخبة، خصوصا أن اليسار نفسه لم يعد يجادل في الثوابت الاقتصادية، المتمثلة أساسا في اقتصاد السوق، والاهتمام أكثر بالمقاولة، ودورها في النمو الاقتصادي وإيجاد فرص الشغل، وبالتالي فهو يلعب، انتخابيا، في رقعةٍ ضيقةٍ مقارنة مع خصومه. وعليه، بالإضافة إلى ذلك أن يتحمل الضربات الموجعة التي يوجهها له رجال الأعمال، من خلال أحزابهم اليمينية، ومن خلال تجييش الشارع أيضا، كما حدث في العام 2016 مع رئيسة البرازيل السابقة، ديلما روسيف التي شنت ضدها فيدرالية رجال الصناعة في ولاية ساوباولو حملة سياسية واسعة، تحولت احتجاجاتٍ كبيرةً في الشارع، على خلفية اتهامات بسوء السلوك والتصرف في الميزانية العامة، وتهم أخرى تدخل في خانة الفساد، فأطاحها البرلمان.
بيد أن الاختراقات الكبرى التي حققتها طبقة الباطرونا (رجال الأعمال) تتمثل في وصول ممثلين عنها إلى منصب الرئاسة في عدة دول في أميركا اللاتينية، بعضهم، على غرار ديلما روسيف، لم يسلموا من اتهاماتٍ بالفساد أدت إلى إقالتهم. ويقدم ميغيل سيرنا في مقاله مثال بيدرو بابلو كوتشينسكي، الذي كان مدير شركة في الأصل وانتخب رئيسا للبيرو في العام 2016، حيث أُجبِرَ على الاستقالة من منصبه في مارس/ آذار 2018، بسبب علاقات
محتملة مع شركة برازيلية للأشغال العمومية، متهمة بدفع رشاوى للحصول على صفقات في بلدان مختلفة من أميركا اللاتينية، منها البيرو بين 2004 و2013، لشركات كانت تابعة للرئيس. وقد عوضه في منصبه مهندس ورجل أعمال أيضا، مارتن ألبرتو فيزيارا الذي كان نائبا للرئيس، وأعلن أمام النواب مباشرة بعد تنصيبه أنه "سيبذل كل جهده لمحاربة الفساد، وأن الشفافية ستكون إحدى الركائز الأساسية لولايته"، في ما يمكن اعتباره تعريضا بسلفه. وهناك مثال سيئ آخر، ورد في المقال، من دون تفاصيل، رئيس بنما السابق رجل الأعمال، ريكاردو مارتينيللي الذي خلفه في الانتخابات التي جرت في 2014 رجل أعمال أيضا، هو خوان كارلوس فاريلا. والتفاصيل التي لم يشر إليها الكاتب أن مارتينيللي، المقيم في الولايات المتحدة، هو موضوع مذكّرة بحث دولية صادرة عن المحكمة العليا في بنما بتهم تتراوح بين التنصت على مكالمات شخصيات محلية والفساد، وقد حاولت الحكومة البنمية، من دون جدوى، أن تتسلمه من السلطات الأميركية.
بالإضافة إلى هذين النموذجين، أعاد التشيليون، في نهاية العام الماضي، انتخاب رجل أعمال ملياردير، هو سيباستيان بينييرا، رئيسا لبلادهم، بعد ولاية سابقة من 2010 إلى 2014. لكنه ليس وحده الذي رصده مقال ميغيل سيرنا، فهناك ماوريسيو ماكري، المنتخب في الأرجنتين منذ 2015، وأيضا هوراسيو كارتس رئيس الباراغواي منذ الانتخابات التي جرت في العام 2013، وهما معا من كبار رجال الأعمال في البلدين.
ختاما، من المثير الإشارة إلى أن الرئيس الأسبق للمكسيك من 2000 إلى 2006، فيسنتي فوكس الذي كان مدير الفرع المحلي لشركة كوكا كولا الأميركية، نقل عنه موجها كلامه إلى ترامب "عندما أصبحتَ رئيسا، فأنت لم تصبح مديرا على مواطنيك، بل هم الذين أصبحوا مديرين عليك".
إذا كان معتادا العثور على رجال أعمال في المجالس التمثيلية، فهناك عدة أمثلة لأشخاص عبروا، من خلال جسر إمبراطورياتهم المالية، للوصول إلى قمة السلطة، أي ليصبحوا رؤساء دول أو رؤساء حكومات، مستفيدين من اللعبة الديمقراطية، وما تضمنه من حرية التنافس السياسي، ما لم تطغ المصالح الخاصة على مزاولتهم مهامهم. وتكفي نماذج، مثل سيلفيو بيرلسكوني في إيطاليا وبيترو بوروشينكو في أوكرانيا، للتأكيد على التداخل الإشكالي بين المصالح الاقتصادية الخاصة (الأصلية) والمنصب السياسي (العارض)، حيث يشبه بيرلسكوني العنقاء التي تنبعث من رمادها، في كل مرة، على الرغم من الفضائح التي تطارده والمحاضر والقضايا المرفوعة ضده بسبب الخلط بين مصالحه الخاصة والمصلحة العامة. بينما كان بوروشينكو قد وعد ببيع شركته، إذا تم انتخابه رئيسا لأوكرانيا، وهو أمر لم يَفِ به بعد تحقيق مبتغاه في العام 2014. وفي أفريقيا هناك نماذج أيضا، وفي العالم العربي يمكنُ العثور على رجال أعمال في المجالس التشريعية والحكومات.
المثير أن الرأسمال يبحث، في الغالب، عن توسيع أنشطته وزيادة الأرباح، ويشتغل على المستوى السياسي في الظل، سواء بالمساندة التي يقدّمها للأشخاص الذين نذروا أنفسهم للعمل السياسي كليا، أم من خلال مجموعات الضغط التي تدفع باتجاه الحفاظ على امتيازاته في الاستثمار والتسويق عبر التشريعات والقوانين المتعلقة بالتجارة والعمل والأسواق. لكن رجال الأعمال مواطنون، كغيرهم، وتضمن لهم الدساتير والقوانين حقوقهم المدنية والسياسية، بما في ذلك الحق في الترشّح للانتخابات، والحصول على مقاعد في البرلمان، وكذلك إمكانية تقلد مناصب سامية في هرم السلطة.
يبدو الأمر، في ظاهره، عاديا، ولا يطرح أي إشكالية، إلا ما يتعلق بكيفية ممارسة السلطة، وتوابع تلك الممارسة سلبا وإيجابا. بيد أن الواقع، كما رصده مقال في صحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية، يستحق التأمل، خصوصا أن مسحاً للمشهد السياسي في أميركا اللاتينية يفيد بأن انخراط رجال الأعمال في البحث عن مناصب سياسية تحول إلى ما يشبه ظاهرة لافتة. فبالاستناد إلى بحث أجراه فريق من الباحثين في جامعة الجمهورية في عاصمة الأورغواي مونتفيديو، شمل الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وكولومبيا والمكسيك والبيرو والسلفادور والأورغواي، من 2012 إلى 2017، أورد كاتب المقال، ميغيل سيرنا، وهو أستاذ في الجامعة نفسها، أن نسبة رجال الأعمال، على اختلاف مجالات اشتغالهم، ضمن أعضاء البرلمان تصل في المعدل إلى نحو 23%، وأن أكبر نسبة توجد في السلفادور (40%)، وأقلها في الأرجنتين (13%).
ما هو ثابت في دول أميركا اللاتينية أن رجال الأعمال والملاك الكبار للأراضي ساندوا الديكتاتوريات والأنظمة العسكرية التي قمعت الثوار الشيوعيين عقودا. وجعلهم هذا الاصطفاف، كما يوضح الكاتب، في اللحظات التي انتصرت فيها الثورة يتوارون إلى الخلف، وينسحبون من المشهد السياسي، خوفا على ممتلكاتهم من المصادرة في أفضل الأحوال. إلا أن الانقلابات الإيديولوجية الكبرى بعد سقوط جدار برلين، وانهيار الاتحاد السوفييتي، والعولمة التي حولت اقتصاد السوق إلى نوع من "العقيدة" الكونية، فتح ذلك كله المجال من جديد أمام رجال المال والأعمال، للدخول إلى السياسة، ليس من باب التمويل والدعم فحسب، بل من باب الفاعل المؤثر، خصوصا بعد انتشارهم في الإدارة العمومية، وفي مختلف مراكز القرار داخل دول أميركا اللاتينية.
وتبدو الخلاصات التي انتهى إليها الكاتب مثيرةً، من ناحية التوجهات السياسية لرجال الأعمال، فقد ارتبط صعودهم الجديد بالعلاقات القوية التي نسجوها مع زعماء يمينيين "شعبويين"، مثل كارلوس منعم في الأرجنتين وألبرتو فوجيموري في البيرو. وفي ما بعد، كان عليهم التعايش مع حكومات يسارية، كما في البرازيل وفينزويلا وبوليفيا وغيرها، قبل أن يكرسوا هيمنتهم بشكل واسع على المفاصل الحيوية لهذه الدول، أي القرار السياسي والاقتصاد، ذلك أن الأزمات الاجتماعية التي عرفتها أو ما زالت تعرفها البرازيل وفنزويلا والبيرو (أمثلة) أعادت النقاش بشأن فعالية المشروع السوسيواقتصادي ليسار ما بعد العولمة، وهو ما يؤثر في اختيارات الناخبين أيضا. وكما جاء في المقال، الغني على قصره، فإن اليسار يتعب، ويفقد قدرته على الإبداع عندما يستمر فترة طويلة في السلطة، ويلعب ذلك كله لصالح رجال المال والأعمال الذين يتحولون منقذين.
وبقراءة الأرقام التي وردت في الدراسة التي استند إليها ميغيل سيرنا، فإن نسبة تمثيلية رجال الأعمال في مؤسسات السلطة التشريعية في أميركا اللاتينية تبقى عاليةً، إذا ما قورنت بنسبة هؤلاء إلى عدد السكان النشطين في القارة، والتي لا تتعدى 3.4%. وهذا وضع يصفه الكاتب بأنه كاريكاتوري، عندما يتعلق الأمر بمجالس الشيوخ في الدول التي تتوفر عليها، إذ رجال الأعمال 30% من أعضاء الغرفة العليا في البرلمان البرازيلي، و20% في مجلس الشيوخ في الأورغواي. هذا يحتمل معنى واحدا، أن هؤلاء أكثر قدرةً من غيرهم على إقناع الكتلة الناخبة، خصوصا أن اليسار نفسه لم يعد يجادل في الثوابت الاقتصادية، المتمثلة أساسا في اقتصاد السوق، والاهتمام أكثر بالمقاولة، ودورها في النمو الاقتصادي وإيجاد فرص الشغل، وبالتالي فهو يلعب، انتخابيا، في رقعةٍ ضيقةٍ مقارنة مع خصومه. وعليه، بالإضافة إلى ذلك أن يتحمل الضربات الموجعة التي يوجهها له رجال الأعمال، من خلال أحزابهم اليمينية، ومن خلال تجييش الشارع أيضا، كما حدث في العام 2016 مع رئيسة البرازيل السابقة، ديلما روسيف التي شنت ضدها فيدرالية رجال الصناعة في ولاية ساوباولو حملة سياسية واسعة، تحولت احتجاجاتٍ كبيرةً في الشارع، على خلفية اتهامات بسوء السلوك والتصرف في الميزانية العامة، وتهم أخرى تدخل في خانة الفساد، فأطاحها البرلمان.
بيد أن الاختراقات الكبرى التي حققتها طبقة الباطرونا (رجال الأعمال) تتمثل في وصول ممثلين عنها إلى منصب الرئاسة في عدة دول في أميركا اللاتينية، بعضهم، على غرار ديلما روسيف، لم يسلموا من اتهاماتٍ بالفساد أدت إلى إقالتهم. ويقدم ميغيل سيرنا في مقاله مثال بيدرو بابلو كوتشينسكي، الذي كان مدير شركة في الأصل وانتخب رئيسا للبيرو في العام 2016، حيث أُجبِرَ على الاستقالة من منصبه في مارس/ آذار 2018، بسبب علاقات
بالإضافة إلى هذين النموذجين، أعاد التشيليون، في نهاية العام الماضي، انتخاب رجل أعمال ملياردير، هو سيباستيان بينييرا، رئيسا لبلادهم، بعد ولاية سابقة من 2010 إلى 2014. لكنه ليس وحده الذي رصده مقال ميغيل سيرنا، فهناك ماوريسيو ماكري، المنتخب في الأرجنتين منذ 2015، وأيضا هوراسيو كارتس رئيس الباراغواي منذ الانتخابات التي جرت في العام 2013، وهما معا من كبار رجال الأعمال في البلدين.
ختاما، من المثير الإشارة إلى أن الرئيس الأسبق للمكسيك من 2000 إلى 2006، فيسنتي فوكس الذي كان مدير الفرع المحلي لشركة كوكا كولا الأميركية، نقل عنه موجها كلامه إلى ترامب "عندما أصبحتَ رئيسا، فأنت لم تصبح مديرا على مواطنيك، بل هم الذين أصبحوا مديرين عليك".
دلالات
جمال الموساوي
كاتب وشاعر وصحافي مغربي، إجازة في العلوم الاقتصادية، من إصداراته كتاب "صراع الاقتصاد والسياسة: تأملات في مشهد عالمي مضطرب".
جمال الموساوي