02 نوفمبر 2024
التصحيف وأغلاط الحروف
من أصعب المهن الذهنية مهنة التحرير اللغوي التي تشبه تنقية العدس من الحصى والزؤان، فتضعف البصر وتثير الأعصاب وتصيب الأعناق بالتيبس. ومع جميع هذه العقابيل، فإنها مهنة ممتعة، ولا سيما حين يكثر التصحيف اللطيف في السطور. والتصحيف هو إضافة نقطةٍ أو حرف أو إزالة نقطة أو تغيير حرف. واشتُهرت في كُتُب المسامرات العربية حكاية الحاكم الذي أرسل إلى أحد الولاة رسالةً يقول فيها "أحصوا جميع الرجال"، وكان يستعد للحرب، لكن ذبابة سلحت فوق حرف الحاء فقرأها الوالي "اخصوا جميع الرجال"، ونفذ "الأمر" على الفور. وعلى هذا الغرار، نقلت صحيفة مصرية أن المشير عبد الحكيم عامر، بعد أن شهد مناورة عسكرية، انتقل إلى تل أبيب، وكانت تقصد "إلى تل قريب". وفي إحدى المرات، وصفت صحيفة مصرية الرئيس أنور السادات بـ "الرئيس المدمن"، بدلاً من الرئيس المؤمن. وتباهت صحيفة لبنانية بأنها "أوسخ الصحف انتشاراً" وكانت تريد القول إنها "أوسع الصحف انتشاراً"، فخذلتها الحروف عقاباً لها على الكذب. وورد في مجلة مصرية أن الوزير الفلاني شوهد يتبول في أحد شوارع العاصمة، والصحيح: "يتجول". وكانت إحدى المذيعات تمهد لإذاعة أغنية "عودت عيني على رؤياك" فقالت: تستمعون الآن إلى أغنية "عوّرت عيني لأم كلثوم". وقرأت مذيعة سورية جميلة عبارة "صواريخ جو – جو" فقالت "صواريخ جوجو".
التصحيف وجهل المذيعات والمذيعين ليسا مقصورين على الصحافة العربية، فقد نشرت صحيفة أميركية خبراً كاذباً عن وفاة الشاعر والروائي الفرنسي، فيكتور هوغو. وبعد نحو عشر سنوات توفي هوغو بالفعل، فعلقت الصحيفة ساخرة: "كنا أول من أعلن الخبر". وحين كان أنطون الجميّل رئيساً لتحرير "الأهرام"، ورد إليه نعي والجريدة ماثلة للطبع، فأحال النعي إلى الطباعة، وكتب تحته: "إذا كان له مكان". فصدر النعي في اليوم التالي هكذا: "توفي إلى رحمة الله فقيدنا المرحوم فلان، أسكنه الله فسيح جنانه إذا كان له مكان". وكثيراً ما كانت كلمة المرحوم تتحول بين أيدي منضدي الحروف إلى "المرجوم".
كان العمل الوحيد لأحد المحررين في صحيفة سورية إبدال كلمة "اليوم" في الأخبار الواردة من وكالة سانا إلى "الأمس". وفي إحدى المرات، ورد الخبر التالي: "ذكرت صحيفة اليوم الجزائرية..."، فصار على يديه "ذكرت صحيفة الأمس الجزائرية". وعندما أطاح العقيد معمر القذافي بالنظام الملكي في ليبيا، أصدر أمراً بمنع أي كتاب عن الملكية والممالك. وفي أحد معارض الكتب، منع الرقيب الفهيم كتاب "مملكة النحل". ومن الأكاذيب المكشوفة أن جريدة "لوسوار ألجيري" (الجزائر هذا المساء) نشرت في عددها الأول رسالة من مواطنة ختمتها بعبارة "قارئتكم الوفية". فكيف تكون هذه المرأة قارئة وفية لجريدةٍ لم يكن قد صدر منها أي عدد حتى تلك اللحظة؟
ومن طرائف الصحافة اللبنانية أن إحدى الجرائد التي كانت تعيش من ثمن عناوينها نشرت عنواناً عريضاً على الصفحة الأولى، هو "انقلاب عسكري سوري". وتخاطف الناس الجريدة، ليكتشفوا أن كل ما في الأمر أن عسكرياً سورياً انقلبت به السيارة في حادث مروري. وارتكبت جريدة "أخبار اليوم" المصرية غلطاً خطيراً في سنة 1965 أدى إلى تأميم الصحافة؛ فقد صدرت والصفحة الأولى تحمل "المانشيت" التالي: "مصرع السفاح جمال عبد الناصر في باكستان". وكان عليها أن تفصل خبر مصرع السفاح محمود أمين سليمان الذي روّع القاهرة آنذاك، عن خبر زيارة عبد الناصر إلى باكستان، فسقط الخط الفاصل واندمج الخبران.
هذا فيض قليل من غيض عميم عن التصحيف وأغلاط الحروف. وفي جعبتنا أمثلة لا يمكن نشرها على الإطلاق.
التصحيف وجهل المذيعات والمذيعين ليسا مقصورين على الصحافة العربية، فقد نشرت صحيفة أميركية خبراً كاذباً عن وفاة الشاعر والروائي الفرنسي، فيكتور هوغو. وبعد نحو عشر سنوات توفي هوغو بالفعل، فعلقت الصحيفة ساخرة: "كنا أول من أعلن الخبر". وحين كان أنطون الجميّل رئيساً لتحرير "الأهرام"، ورد إليه نعي والجريدة ماثلة للطبع، فأحال النعي إلى الطباعة، وكتب تحته: "إذا كان له مكان". فصدر النعي في اليوم التالي هكذا: "توفي إلى رحمة الله فقيدنا المرحوم فلان، أسكنه الله فسيح جنانه إذا كان له مكان". وكثيراً ما كانت كلمة المرحوم تتحول بين أيدي منضدي الحروف إلى "المرجوم".
كان العمل الوحيد لأحد المحررين في صحيفة سورية إبدال كلمة "اليوم" في الأخبار الواردة من وكالة سانا إلى "الأمس". وفي إحدى المرات، ورد الخبر التالي: "ذكرت صحيفة اليوم الجزائرية..."، فصار على يديه "ذكرت صحيفة الأمس الجزائرية". وعندما أطاح العقيد معمر القذافي بالنظام الملكي في ليبيا، أصدر أمراً بمنع أي كتاب عن الملكية والممالك. وفي أحد معارض الكتب، منع الرقيب الفهيم كتاب "مملكة النحل". ومن الأكاذيب المكشوفة أن جريدة "لوسوار ألجيري" (الجزائر هذا المساء) نشرت في عددها الأول رسالة من مواطنة ختمتها بعبارة "قارئتكم الوفية". فكيف تكون هذه المرأة قارئة وفية لجريدةٍ لم يكن قد صدر منها أي عدد حتى تلك اللحظة؟
ومن طرائف الصحافة اللبنانية أن إحدى الجرائد التي كانت تعيش من ثمن عناوينها نشرت عنواناً عريضاً على الصفحة الأولى، هو "انقلاب عسكري سوري". وتخاطف الناس الجريدة، ليكتشفوا أن كل ما في الأمر أن عسكرياً سورياً انقلبت به السيارة في حادث مروري. وارتكبت جريدة "أخبار اليوم" المصرية غلطاً خطيراً في سنة 1965 أدى إلى تأميم الصحافة؛ فقد صدرت والصفحة الأولى تحمل "المانشيت" التالي: "مصرع السفاح جمال عبد الناصر في باكستان". وكان عليها أن تفصل خبر مصرع السفاح محمود أمين سليمان الذي روّع القاهرة آنذاك، عن خبر زيارة عبد الناصر إلى باكستان، فسقط الخط الفاصل واندمج الخبران.
هذا فيض قليل من غيض عميم عن التصحيف وأغلاط الحروف. وفي جعبتنا أمثلة لا يمكن نشرها على الإطلاق.