وواجهت التعديلات انتقادات لاذعة من القوى المعارضة المشاركة في الحوار، التي اعتبرت أن "التعديلات تمّت بواسطة حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وتجاهلت تعديلات أخرى تصل لـ36 تعديلاً دستورياً، توافقت عليها أحزاب الحوار". ورأت أنها "تمثّل أولوية في أي حكومة، من بينها تسعة تعديلات متعلقة بالحريات العامة وأربعة متصلة بتقليص مهام الأمن".
وقد أربكت خطوة الحكومة حزب المؤتمر الشعبي، الذي واجه خلافات قوية داخله بعد توقيع قيادات فيه على مذكرة ترفض التعديلات و"توصي" الحزب بالانسحاب من الحوار، قبل أن يلتقي الأمين العام للحزب إبراهيم السنوسي المجموعة الغاضبة، وتتمّ معالجة الوضع، عبر التأكيد على "موقف الحزب المبدئي على عدم المشاركة في الحكومة المرتقبة".
بدوره، قال القيادي في حزب المؤتمر الشعبي، أبو بكر عبد الرازق، لـ"العربي الجديد"، إنهم "فوجئوا باجتماع لأحزاب الحوار، غاب عنه الرئيس عمر البشير، وترأسه مساعده ابراهيم محمود، الذي أخرج ورقة تحمل التعديلات التي أودعت البرلمان من دون استشارة أعضاء الحوار". وأكد أنه "تمّ رفضها لمخالفتها ما اتفق عليه مسبقاً، إذ يُفترض أن يأتي كل حزب بصياغته للتعديلات ومناقشتها، والتوافق على صياغة قانونية موحّدة، قبل أن تتم إجازتها في البرلمان من دون تعديل".
وأكد عبد الرازق أن "في التعديلات تلاعبا على ما اتُفق عليه"، مرجّحاً أن "تكون قد صيغت من دون علم الرئيس، بالنظر لوجود تيار داخل الحزب الحاكم، يعمل على إجهاض الحوار بقوة". وأشار إلى أنه "تمّ إغفال تسعة تعديلات متصلة بالحريات، صاغها زعيم المؤتمر الشعبي، حسن الترابي بنفسه قبل رحيله المفاجئ في فبراير/شباط الماضي". وجزم بأن "مخرجات الحوار بمثابة خط أحمر ولا وفاق إلا بإنفاذها جميعاً، وتضمين ما اتُفق عليه بالدستور الانتقالي". وشدّد على أنه "إذا لم تُدرج التعديلات كما نطالب، فسنعتبر الحوار وكأنه لم يكن". واتهم عبد الرازق حزب المؤتمر الوطني، بالمماطلة، معتبراً مصادقة البرلمان على التعديلات بمثابة "عودة عن المقترحات، وهي بمثابة إعادة انتاج للرئيس البشير ونظام الانقاذ من جديدة بدكتاتورية محصّنة".
وكان المكتب القيادي للمؤتمر الوطني قد اجتمع أخيراً لمناقشة الأزمة التي دخل فيها الحوار بسبب الخلافات حول التعديلات، وتواترت معلومات عن تشكيل لجنة برئاسة القيادي في الحزب نافع علي نافع، لاستدراك الوضع ومحاولة معالجة مخاوف المؤتمر الشعبي.
بدوره، قال رئيس تيار "إسناد الحوار"، عمار السجاد، إن "الرئيس البشير تدخّل لتلافي أزمة التعديلات، وأعطى توجيهاته بتمديد دورة البرلمان لثلاثة أسابيع أخرى، للنظر في ملحق التعديلات، التي لم تدرج، فضلاً عن موافقته على تعيين رئيس مجلس الوزراء بالتوافق بين أحزاب الحوار.
لكن قيادياً في حزب المؤتمر الوطني، رفض الكشف عن اسمه، نفى لـ"العربي الجديد" تلك الخطوة، مؤكداً أن "الذي حصل هو أن المؤتمر الشعبي تلقى وعداً بالنظر في طلباتهم بشأن التعديلات، وأن يتم مناقشتها". ولفت إلى "اجتماع سيعقد مع الرئيس البشير، غداً الاثنين، لمناقشة الأزمة"، موضحاً "لكن البرلمان لن ينظر في أية تعديلات خلال الدورة الحالية وقد يتم ذلك في حال الاتفاق في دورته المقبلة التي تبدأ بعد ثلاثة أشهر. كما أن أي تعديلات دستورية تتطلب شهرين قبل إجازتها. بالتالي فإن أي تعديل إذا تمّ، سيكون في يونيو/حزيران أو يوليو/تموز المقبل".
بدوره، دافع القيادي في حزب المؤتمر الوطني، رئيس ملف دارفور، أمين حسن عمر، عن تجزئة التعديلات، بالنظر إلى أهمية التعديلات المتصلة بالحكومة. ورأى أن "التعديلات الأخرى تتطلّب نقاشاً وحواراً أكبر بالنظر لرؤية كل طرف لها. وهو أمر سيتم داخل الحكومة الجديدة والبرلمان المنتظر"، مشدّداً على أنه "من المستبعد إدراج كافة مخرجات الحوار في الدستور، والمخرجات ليست نصوصاً قطعية".
من جهته، قال مساعد الرئيس السوداني إبراهيم محمود، في مؤتمر صحافي، يوم الخميس، إن "التعديلات التي يطلبها المؤتمر الشعبي بشأن الحريات، مضمونة أساساً بالدستور الحالي، لكنه سيتم النظر في أمر التعديلات لاحقاً بعد تشكيل الحكومة".
ورأى مراقبون أن "الخلافات التي ظهرت أخيراً بين أحزاب الحوار، هزّت من قيمة العملية التي في الأساس تعاني من نقصٍ نظراً لعدم مشاركة الأحزاب المعارضة الرئيسية والقوى المسلحة فيها واقتصارها على أحزاب الحكومة وحلفائها، فضلاً عن أحزاب معارضة ليست ذات وزن، باستثناء حزب المؤتمر الشعبي، الذي فقد رونقه بوفاة زعيمة حسن الترابي. الأمر الذي يجعل من الحكومة المرتقبة بمثابة إعادة انتاج للحكومة الحالية باسم مختلف، من دون أن تكون لديها قدرة على إحداث تغيير واختراق في الواقع السوداني وحلّ أزماته المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
مع العلم أنه في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، احتفلت القوى المشاركة في الحوار الذي دعا له الرئيس السوداني عمر البشير، قبل نحو عامين بختام مؤتمر الحوار، بعد عقبات اعترضت طريقه لسنوات، وخرجت بمئات التوصيات فضلاً عن الوثيقة الوطنية.