18 نوفمبر 2024
التعديلات المقترحة على دستور 2014 في مصر: تكريس حكم الفرد
وافق مجلس النواب المصري، في تصويتٍ جرى بالاسم يومي 13 و14 شباط/ فبراير 2019، وبأغلبية 485 عضوًا ومعارضة 16 وامتناع عضو واحد، على مبدأ تعديل الدستور في مقترح تقدَّم به 155 عضوًا من ائتلاف دعم مصر، مطلع الشهر نفسه، يدعو إلى تعديل 12 مادة في دستور 2014، وإلغاء مادتين، و"استحداث" مادتين جديدتين. ويتمثل أبرز التعديلات المقترحة في السماح للرئيس الحالي، عبدالفتاح السيسي، بالبقاء في السلطة حتى عام 2034، عبر تمديد ولاية الرئيس من 4 إلى 6 سنوات، ثم السماح له بالترشّح بحسب النظام الجديد المعدّل. وبذلك تبدأ سلسلة إجراءاتٍ، يُتوقع أن تستغرق نحو شهرين يتم خلالهما تحويل المقترح إلى اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس النواب، لصياغة مشروع المواد المعدلة، تمهيدًا لمناقشتها ثم التصويت عليها. وإذا وافق ثلثَا عدد النواب على التعديل، يتم عرض المقترح على الشعب للاستفتاء عليه خلال 30 يومًا. ويكون التعديل نافذًا إذا وافقت أغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين في الاستفتاء.
دستور 2014
تسعى التعديلات الجديدة إلى مزيدٍ من ترسيخ النظام الفردي في مصر الذي بدأ في أعقاب إجهاض ثورة 25 يناير 2011 منذ منتصف عام 2013. ومن المهم الإشارة إلى أهم أوجه الخلل في دستور 2014، تتمثل في أن لجنةٍ عيّنتها السلطة من الموالين لها انفردت بوضعه، في ضوء انقسامٍ مجتمعيٍّ حادٍّ وقمعٍ وإقصاءٍ سياسيَين شملا التيار الإسلامي وجُل القوى المحسوبة على ثورة يناير. أما أهم أوجه الخلل في مضامين الدستور فتتلخص في عدم نهائية السلطة التشريعية المنتخبة من الشعب؛ إذ تعلوها، أو توازيها على الأقل، سلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة (المواد من 200 - 205)، والشرطة (مادة 207)، والقضاء (مادة 185)، إذ يمنح الدستور لهذه الجهات قدرًا من الاستقلالية في إدارة شؤونها من دون أن تخضع لسلطة البرلمان المنتخب. وحَذَفَ دستور 2014 من دون تفسير مواد في دستور 2012، منها مواد ديمقراطية وأخرى تعزّز المجتمع المدني، في مجال مكافحة الفساد مثلًا،
واحتوى دستور 2014 على بابٍ للحريات، وأبقى على مكتسباتٍ أدخلها دستور 2012، كتحديد مدة رئاسة الجمهورية بفترتين فقط، وتوازن سلطتي التشريع والتنفيذ، لكن الدولة انتقلت بسرعة من تصفية إرث 25 يناير إلى إرث 30 يونيو الذي لم يتبق منه سوى الانقلاب العسكري الذي يميل في مصر إلى التحول إلى حكم الفرد الدكتاتور.
أما على مستوى الممارسة، فقد انتهكت السلطة الدستور من جوانب عدّة؛ إذ أجريت انتخابات رئاسية عام 2014 وبرلمانية عام 2015، قاطعها جُل الناخبين، لأنها لم تضمن حق التنافس، وتمت في ضوء حالة الطوارئ وتدخّل الأجهزة الأمنية في تشكيل القوائم الحزبية، وأجريت هذه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أيضًا بعد مدّ فترة الحبس الاحتياطي من دون قيود، بعد أن كانت مقيدة في دستور 2012، وبعد إصدار قانون للتظاهر عام 2013 يمنع عمليًا التظاهر ويُقيّد مظاهر التجمع السلمي الأخرى بما في ذلك الحملات الانتخابية والحزبية.
وتم انتهاك الدستور أيضًا عندما صدّق البرلمان (من دون مناقشة كما تنص المادة 156) على أكثر من 400 قانون أصدرتها السلطة التنفيذية عندما كان رئيس الجمهورية يمارس سلطتَي التنفيذ والتشريع قبل انتخاب مجلس النواب (أي من تموز/ يوليو 2013 إلى موعد إجراء الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول/ أكتوبر - كانون الأول/ ديسمبر 2015). وأحكم السيسي قبضته على البلاد من خلال هذه القرارات التي نظمت قطاعاتٍ مهمةً في المجتمع والسياسة والاقتصاد؛ مثل مباشرة الحقوق السياسية، والانتخابات الرئاسية، والأحكام الجنائية، وحق التقاضي، وجهاز الشرطة، والأسلحة والذخيرة، والجامعات، وسوق المال، والاستثمار، والاحتكار، وغسيل الأموال، والعاملين في الدولة، والحد الأقصى للأجور، والضرائب، وغيرها.
وانتُهِكت المادة 151 التي تحظر التنازل عن جزء من إقليم الدولة، عندما تنازلت السلطة عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، والمادتان 145 و166 اللتان تُلزمان رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة أن يقدّموا إقرارات الذمة المالية. كما تدخلت السلطة في شأن الهيئات القضائية خلافًا للمادتين 94 و184. وارتكبت انتهاكات أخرى تتصل بالحريات والحقوق؛ كحظر السفر (المادة 62)، والقبض على المواطنين من دون توفر شرط التلبّس وممارسة التعذيب في أثناء الاحتجاز وانتهاك حرمة المراسلات الهاتفية والإلكترونية (المادتان 55-57)، وإغلاق مواقع إخبارية (المادتان 70-72)، وبناء عاصمة جديدة للبلاد (المادة 222)، واستقلال الجامعات (المادة 21). كما وضعت قوانين جديدة قيودًا على حقوق أقرّها الدستور؛ كحق تكوين الجمعيات الأهلية (قانون 70 لعام 2017)، وحق التجمع السلمي (قانون التظاهر رقم 107 لعام 2013).
ولم تخصص السلطة النسب المقرّرة في الدستور من الناتج القومي الإجمالي لخدمات التعليم والبحث العلمي والصحة (المواد 18، 19، 23، 238)، ولم تُصدر قانونًا للعدالة الانتقالية (المادة 241)، وآخر للإدارة المحلية (المادة 180)، ولم تنشئ مفوضية مستقلة لمكافحة التمييز (المادة 53).
التعديلات المقترحة
على الرغم من عيوب الدستور والانتهاكات التي ارتكبتها السلطة في حقه، ومع أن البرلمان نفسه جاء بطريقةٍ غير ديمقراطية، فإن السلطة ظلت أمينةً على ما صار يعرف بـ "إرث دولة يوليو" (حرص دولة ما بعد 1952 على قوننة ودسترة الممارسات الاستبدادية التي تقيد
• إزالة العقبة الدستورية التي تقف حاجزًا أمام بقاء الرئيس السيسي في السلطة.
• إحكام القبضة على الهيئات القضائية، باعتبارها الجهة التي يمكن أن تتحدّى السلطتين التنفيذية والتشريعية.
• إدخال بعض النصوص لتجميل صورة النظام في الخارج، ودفع الناخبين إلى التصويت لصالح التعديلات.
يتمثل أهم التعديلات المقترحة في "تعديل مدة رئاسة الجمهورية لتصبح ست سنوات بدلًا من أربع، مع وضع ما يلزم من أحكام انتقالية". وتم تبرير ذلك بعدم ملاءمة مدة الأربع سنوات نظرًا إلى "قصرها الشديد"، و"عدم مراعاتها واقع الحال وظروف البلاد الاجتماعية والاقتصادية والإقليمية". ويخالف التعديل المقترح نص المادة 226 التي تقول "لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، والمساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات". هدف التعديل هو تمهيد الطريق لبقاء الرئيسالحالي، عبد الفتاح السيسي، في الحكم حتى عام 2034، لأن تعديل المادة 140 يسمح بمدّ فترة الرئاسة إلى ست سنوات، أما المادة الانتقالية فتسمح له بإعادة الترشح على النحو المعدل، بعد انتهاء ولايته الحالية عام 2022.
وفي مجال القضاء، تعيد التعديلات إحياء الآليات التي أدخلها الرئيس جمال عبد الناصر نهاية الستينيات، ونشب حولها صراع بين نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك والقضاة منذ الثمانينيات وحتى ثورة يناير 2011. تتضمن التعديلات أربع قضايا رئيسة، تتمثل في منح رئيس الجمهورية سلطة اختيار رؤساء الهيئات القضائية ورئيس المحكمة الدستورية العليا والنائب العام، وإلغاء سلطة مجلس الدولة في مراجعة مشروعات العقود التي تكون الدولة أو إحدى هيئاتها طرفًا فيها وقصر سلطته على مراجعة مشروعات القوانين التي تُحال إليه فقط، وإلغاء الموازنات المستقلة للهيئات القضائية، وإنشاء مجلسٍ أعلى للجهات والهيئات برئاسة رئيس الجمهورية، للنظر في تعيين القضاة وترقيتهم وندبهم.
ستقضي هذه التعديلات، إذا مُرّرت بهذا الشكل، على ما تبقى من مبدأ الفصل بين السلطات، ويتم إحكام السيطرة على الهيئات القضائية. لقد اخترق القضاء المصري الدستور في قضايا حقوق الإنسان، وحوّل نفسه أداة تصفية إرث 25 يناير، ولكن القضاء نفسه تحدّى بعض قرارات سلطة ما بعد 2013، فقد رفضت الهيئات القضائية وجمعياتها العمومية ونوادي
القضاة تعديل قانون السلطة القضائية الصادر في نيسان/ أبريل 2017، كما أبطل القضاء الإداري اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية في حزيران/ يونيو 2016. ورفض قسم الفتوى والتشريع في مجلس الدولة عام 2015 تعديلاتٍ قدّمتها الحكومة على قانون الإجراءات الجنائية الرامية إلى التغاضي عن سماع الشهود، والاكتفاء بتلاوة شهاداتهم الواردة في محضر جمع الأدلة أو التحقيقات المبدئية، وذلك بدلًا من إلزامهم أن يُدلوا بشهاداتهم الكاملة أمام المحاكم. ورفض مجلس الدولة في عام 2014 إعفاء الفنادق والأندية التابعة للقوات المسلحة والمراكز الطبية العسكرية من الخضوع للضريبة العقارية، ورفض إعطاء وزير الدفاع الحقّ في إعفاء وحدات أخرى.
وتم طرح ثلاث مسائل للتعديل بشأن القوات المسلحة؛ تتمثل الأولى في توسيع مهمات القوات المسلحة لتشمل، أول مرة في تاريخ الدساتير المصرية، "صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد"، ويعطي هذا النص الجيش المصري الأدوار التي كان يمارسها الجيش في تركيا قبل التحوّل الديمقراطي. وتتمثل الثانية في اشتراط تعيين وزير الدفاع بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة دائمًا، وليس مؤقتًا كما هو الوضع حاليًا في الدستور. وتتمثل المسألة الثالثة في توسيع مجالات محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.
تستكمل هذه التعديلات ما بدأه دستورَا 2012 و2014 في توسيع مهمات المؤسسة العسكرية. وهي قوننة دستورية لهيمنة المؤسسة العسكرية ذاتها بعد أن ترسّخ الدور الاقتصادي للشركات التابعة لها في السنوات السابقة، وتعاظم دور الجنرالات المتقاعدين في أجهزة الإدارة والمحافظات ومجلس النواب والأحزاب الموالية. وربما تهدف هذه التعديلات أيضًا إلى إرضاءَ المؤسسة العسكرية مقابل فتحِ مُدد الرئاسة وترسيخ الحكم الفردي، فضلًا عن أنها ربما تسهم في شرعنة أيّ تدخّل عسكري مستقبلي في شؤون الحكم بحجّة "صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد".
وتشمل التعديلات مواضيع أخرى، يقصد منها التغطية على التعديلات الأساسية المعادية للديمقراطية، وتهدف إلى تحفيز أوساط معيّنة من الناخبين للتصويت لصالح مقترح تعديل الدستور، كما تهدف إلى تجميل صورة النظام في الخارج. ومن هذه المواضيع ضمان نسبة تمثيل المرأة في المجالس النيابية بما لا يقل عن ربع عدد أعضاء مجلس النواب، وتقسيم الدوائر الانتخابية، واستمرار تمثيل الشباب والأقباط والمصريين في الخارج وذوي الإعاقة والعمال والفلاحين في المجالس النيابية، بعد أن كان تمثيلًا مؤقتًا، وإعادة العمل بالغرفة الثانية للبرلمان، وتعيين نائب للرئيس أو أكثر.
فرص تمرير التعديلات
لا يبدو أن هناك عقبات كبيرة تعرقل تمرير هذه التعديلات الجذرية، بالنظر إلى ممارسات النظام السابقة في فرض سيطرته، لكن معارضة هذه التعديلات آخذةٌ في التصاعد تدريجيًا، على الرغم من أن القوى السياسية في الداخل المصري لا تزال ضعيفة في ضوء اعتقال جلّ رموزها والتنكيل بكثيرين، لا سيما أن لمصر تاريخ طويل من الصراعات السياسية حول الدساتير وبسببها، فالتعديلات الدستورية عامي 2005 و2007 ساهمت بقوةٍ في اندلاع حراك سياسي واسع انتهى بثورة يناير، بينما كان الإعلان الدستوري عام 2012 من أسباب
ستحتج أحزاب وفصائل مختلفة على التعديلات. وربما تتشكّل حملةٌ لمقاطعة الاستفتاء بحجة عدم منحه الشرعية، وأخرى للمشاركة والتصويت بـ "لا". لكن لا يرجّح أن تمنع الأشكال الاحتجاجية تمرير هذه التعديلات من دون أن تقدّم معارضة مصرية منظمة مشروعًا سياسيًا محدّد المعالم من أجل الديمقراطية التي كانت في المتناول في مصر، ومن أجل حقوق المواطن (التي مثلتها شعارات العيش والحرية والكرامة)، ويتجاوز هذا المشروع الانقسامات السياسية العدمية والنرجسيات الصغيرة.