لم يتخيل رجل الأعمال المصري رفعت طلعت عبد الجابر، صاحب شركة لمستحضرات التجميل في الجيزة، في يوم من الأيام، أن يتعرض لما تعرض له من تعذيبٍ بشعٍ جعله في حالةٍ صحيةٍ مترديّة، يعاني آلاماً مبرّحة من دون أن يتلقى العلاج الحقيقي.
كان رفعت، البالغ من العمر سبعة وأربعين عاماً، يجلس في مكتبه حين فوجئ بقوّة من مباحث الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً)، تقتحم مكتبه لتعتقله ويبدأ رحلة العذاب. انطلقت سيارة الشرطة بعدما كُبّلت يداه بـ "الكلابشات"، ليجد نفسه في قسم شرطة بولاق الدكرور، بالقرب من جامعة القاهرة.
وما إن وصل إلى القسم حوالى الخامسة مساء،ً حتى بدأت حفلة تعذيب حقيقي أثناء استجوابه، الذي استمر حتى الثالثة من فجر اليوم التالي. استمر التعذيب أيضاً، بينما كان معصوب العينين، حتى لا يتعرف على الضباط والجنود. كان يتلقى الضربات يميناً ويساراً حتى تمزقت ملابسه، قبل أن تُمرّر الأسلاك الكهربائية على كل أنحاء جسده، مع التركيز على الأماكن الحساسة.
توقّف التحقيق للحظات، ليتم تعليق رفعت عبد الجابر من ذراعيه كالذبيحة لأكثر من ثلاث ساعات، مع استمرار ضربه في كل مكان وخصوصاً رأسه وظهره، واستمرار تعذيبه بالكهرباء. أحياناً، كانوا ينتقلون إلى مرحلة "المدّ"، أي الضرب بقوّة على باطن القدم، أو يلقون به في مكان ضيق بعدما تكسرت عظام يديه. ظل هكذا لمدة ثلاثة أيام معصوب العينين، من دون أن يحضروا له طبيباً من إدارة السجن. اكتفوا بإحضار بعض المراهم في محاولة منهم لإخفاء معالم جريمتهم..
وحين تدهورت حالته، اضطروا إلى نقله إلى مستشفى بولاق الدكرور العام، القريب من القسم. وكُتب تقرير يؤكد الإصابات لكن يبررها. يقول التقرير إن "عبد الجابر سقط على ذراعه أثناء وجوده في القسم". لم يهتموا بتجبير ذراعه المكسورة، ليعود إلى القسم ويقضي ثلاثة أيام أخرى. ومن داخل السجن، قال إنهم "في قسم بولاق الدكرور، ألقوا به في زنزانة انفرادية عبارة عن سبع أو تسع سلالم. ظل طوال هذه الفترة محروماً من النوم أو الجلوس بشكل مريح رغم إصابته، ومن دون وجود مرحاض بالطبع".
وطوال فترة وجوده في القسم، ظل يتعرض للاستجواب لمدة لا تقل عن سبع ساعات يومياً. وتم عرضه على النيابة في اليوم السابع لتصدر قراراً بحبسه على ذمة اتهامات مفبركةٍ لا يعلم تفاصيلها حتى الآن. ولم يهتم وكيل النيابة بحالته الصحية، التي جعلت عبد الجابر عاجزاً عن الكلام أو التوقيع على أوراق التحقيق. وأمر المحقق بحبسه ونقله إلى سجن طرة، موجهاً له 12 تهمة، من ضمنها التخريب والتحريض على القتل وتهديد الأمن العام، والاشتراك في التظاهرات.
"سلخانة" طرة
وفي طرة، بدأت رحلة جديدة في مشوار عذاب عبد الجابر. فقد لاحظت إدارة السجن سوء حالته الصحية، ورفضت استقباله، كي لا تتحمل أيّة مسؤولية. ظل عند مدخل السجن ما يزيد على الأربع ساعات، حتى جاء ضباط أمن الدولة وأصدروا تعليماتهم بضرورة دخوله السجن فوراً. عاينه طبيب مستشفى سجن مزرعة طرة، ووصف في تقريره حالته بأنها "كسر بعظمة العضد الأيمن، وكسر مضاعف بالعضد الأيسر، واشتباه قطع بالعصب في الناحيتين اليمنى واليسرى، وسقوط الرسغ في الناحيتين اليمنى واليسرى، وتورّم شديد بالطرفين العلويين".
وأكد الطبيب أن حالة المعتقل "لا تستجيب للعلاج، ولا تزال ذراعاه متورمتين، وأوصى بنقله إلى مستشفى ليمان طرة فورا، ليخضع لمراقبة دقيقة من أطباء العظام في المستشفى، مع استكمال الفحوصات والتحضير للتدخل الجراحي". ولا يزال عبد الجابر يعاني آلاماً مبرحة، ليكون شاهداً على عصر لا يعرف معنى الإنسانية، ولا يقيم وزناً للقوانين المحلية والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر.