22 مايو 2015
التعليم.. الخلاص الفردي هو الحل
عصام واعيس (المغرب)
يجد المتأمل في أعطاب التعليم جيلا بكامله يحاصره بالذكريات. جيلاً يتحسر على الزمن الجميل، أيام كانت ساحات الدراسة من أقسام ومكتبات ومدرجات وخزانات بلدية وجامعية وغيرها، فضاءات تدور فيها الأذهان ألف دورة ودورة في الثانية، وتجود داخلها القرائح بعصارة القراءات والمؤلفات التي أسرتها بين شغاف المعارف، أدباً وشعراً وإبداعاً بمختلف ألوانه، تفحصا ونقدا واعتراضا وانتقادا وحفظا وجدالاً. كانت الأذهان شبيهة بمعالجات معلومات (Processor) الحواسب الذكية التي تحفل بها مكاتبنا اليوم.
غير أن هذه الفكرة المتواترة التي يفرضها علينا بعضهم في خطاباتهم وكتاباتهم من أن الجيل السابق كان الأفضل والأبرع والأمهر والأذكى، وبعده صار الحال في تدهور مستمر، والمآل غير مطمئن، فكرة فيها الصحيح والحسن والضعيف، وفيها الكثير من "الزيادات" والتجني على المنجز الدراسي والجامعي والبحثي لتلامذة وطلاب اليوم، ناهيك عن أنها فكرة غير مسنودة بمعطيات علمية ودراسات وأبحاث مقارنة.
وكثيراً ما يتضايق الأساتذة، والأساتذة الجامعيون خصوصاً، حين يطرح عليهم السؤال: أرونا المنجزات العلمية والمشاريع البحثية التي أنجزتموها طوال عقود من التدريس والبحث، باعتباركم نخبة جيل السبعينات والثمانينات. تحمل الإجابة خيبة كبرى وصدمة للذات يتم القفز عليها بتلك المبررات التي لا تنتهي من ضعف الدعم المادي وسياسات الدولة المعطوبة في تشجيع البحث العلمي، وهي، وإن كانت صحيحة، لا تكفي وحدها لتبرير هذا الفشل الجيلي في قيادة الأبحاث وغرس المعرفة في المجتمع، والمجتمع في المعرفة.
والشاهد على هؤلاء المتباكين على الزمن الغابر نخبة عاشت الظروف نفسها، وتخرجت في الغالب من الجامعات الأوروبية نفسها، والفرنسية بالخصوص، واشتغلت بالتدريس في المغرب، ولم تقف الإكراهات في طريق نبوغها، من أمثالها عبدالله العروي، وطه عبد الرحمن، ومحمد عابد الجابري، وغيرهم من فلاسفة ومؤرخين وأدباء مغاربة أفذاذ.
فكرة أخرى لا تفيد في تبرير أزمة التعليم، بل وتعقد حلها تتعلق بالخطابات التعميمية والتعويمية التي تنهجها أحياناً كوادر التدريس، وأحيانا النقابات، وأحيانا الحكومة، وأحيانا الجمعيات، وتعني، باختصار شديد، جعل إصلاح التعليم مرتبطا بكل شيء تقريباً، وبأكبر عدد من المتدخلين، ما يعني، بالتالي، جعله مستحيلا تقريبا.
فالكل، من هؤلاء، يقر أن لا أحد يتحمل المسؤولية وحده، وفي الوقت نفسه، الكل يعلم أن لا أحد يمكنه الإصلاح وحده، وطبعا يبقى الكل أسير العجز عن المبادرة والفعل والتخطيط والتنفيذ والتجديد والتغيير، ومن الطوباوية، في هذا المقام، أن تفكر في رؤية إجراءات عملية (براغماتية) وواضحة ودقيقة، تُترجم أكوام الخاطبات وإعلانات النوايا إلى إصلاحٍ، يمشي على قدمين بين جمهور المتعلمين.
بالنسبة لكوادر التدريس، لعدد معتبر منهم، الأزمة تكمن في الوزارة (وسائل العمل، حالة الأقسام، البيداغوجيات اللفظية المشروخة)، وتكمن بصفة أكثر في تدني مستويات التلاميذ وشيوع الكسل والتقاعس والاستهتار، نعم نسبة معتبرة من كوادرنا تعتنق هذه الفكرة، ضدا على تلك الحكمة "لا يوجد متعلم غبي، يوجد فقط أساتذة لا يجيدون تبليغ الأفكار".
أما السلطة الوصية، وزارتا التربية الوطنية والتعليم العالي، فتعطي انطباعا يبعث على اليأس، مذكرات وبرامج وكتب وبيداغوجيات وتوجيهات، غالبها لا يعكس المشكلات العميقة للقطاع، ولا يستحضر الواقع المعيشي للتلميذ المغربي، ولا يلقي بالاً لمطالب هيئة التدريس وحاجياتهم وطموحاتهم.
بالله عليكم، كيف يدرس أستاذ لغة فرنسية لتلاميذ وصلوا إلى قسمه في أحد أسلاك الثانوي فارغين تماما من هذه اللغة، ولا يفكون الحرف الواحد من أحرفها، (كيف يدرسهم) مؤلفات فرنسية لموليير ولبلزاك، ورائعة فولتير، وهي رواية فلسفية جميلة وشيقة، غير أن التلميذ لا يلام في عجزه عن تذوق مستواها، ما دامت الأزمة تتجاوزه.
الاستمرار في تدريس هذه المؤلفات والأعمال لطالب لغته الفرنسية في الحضيض محض استهتار وضحك على الذقون. يحتاج هؤلاء لفك الحرف، ثم الجملة، ثم التركيب، ثم العبارة، ويأتي بعدها الأسلوب وتربية الذوق الأدبي.
للتلميذ نقول الخلاص الفردي هو الحل. ونضيف النجاح الدراسي والازدهار الفردي والترقي المشروع في سلم الاستحقاق، وتحصيل الاعتراف بالمنجز العلمي في المجتمع والأمة، مسار شاق ومتعب وجميل عندما يثمر. في هذا المسار، التعلم والتهام الكتب هو حجر الزاوية والعمود الفقري لأي نجاح. ستكبر وتندم إن لم تكبر معارفك ومعلوماتك معك.
وللجميع نقول إن الواقع الآن يفرض التضحية والحرص على تحليل الرزق، وتتبع سيرة العظماء من السابقين، وفي طليعتهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والتفكر في السيرة المشرقة لشرفاء الغرب من أطباء وأساتذة، هجروا بلدانهم، وجاءوا يعلمون الحرف ويداوون المرضى من دون مقابل في بلدان جمعت فيها كل مشكلات الدول.