عشرات الأطراف تمسك بزمام الأمور على الأرض في سورية. الأبرز فيها خمسة هي: الدولة السورية ، وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، والأكراد، وجبهة النصرة، والجيش السوري الحرّ. كلّ واحدة من القوى الأساسية لها حلفاؤها على صعيد المنطقة والعالم. وعليه، نحن أمام عشرات الجيوش والمليشيات التي تتنازع السلطة. آخر القوى وأهمها من دون شك هي روسيا، التي وإن قيل إنّها خففت حجم قواتها الجوية، إلاّ أنّها بالفعل ما زالت تملك قوة بحرية وجوية وبرية ضاربة. الإيرانيون يأتون في المرتبة الثانية مباشرة أو من خلال القوى التي يحركونها، لبنانية كحزب الله وعراقية كوحدات أبي الفضل العباس وغيرهما. ثم تركيا والسعودية و...
سوري واحد من كلّ خمسة مواطنين بات لاجئاً، يضاف إليهم 35 في المائة من سكان سورية النازحين. وعليه، فمن أصل 22 مليون نسمة، ثمّة أكثر من أربعة ملايين لاجئ ونحو 7.6 ملايين نازح. ولا بدّ من أن يضاف إلى هذه الأعداد نحو 460 ألف لاجئ فلسطيني. مع ذلك، يجب أن نشير الى أنّ هذه الأرقام ليست حديثة، بل عمرها أكثر من عام، ما يعني أنّ الأعداد الفعلية أكبر مما ورد. إذا احتسبنا هؤلاء اللاجئين والنازحين مع القتلى والجرحى والأسرى والمقاتلين، يمكن وصف سورية بجميع مناطقها بأنّها فعلياً لا تدفع ثمن الحرب على طريقتها الخاصة فقط، بل إنّها مقبرة حقيقية. وهكذا، فإنّ الدولة العربية الوحيدة التي كانت تستقبل اللاجئين وتنتج من الحبوب واللحوم ما يكفيها، باتت لاجئة وعالة على المجتمع الإنساني العالمي، الذي لا يجد طريقه نحو إيصال المساعدات إلى مستحقيها، طالما أنّ الحصار المفروض عليها بلغ من الشدة درجة الخنق، خنق النساء والأطفال والعجزة الرافضين سلطة هذا النظام.. خنق بالجوع والعطش وحبة الدواء.
استضافت سورية الأكراد والأرمن وأعداداً من الفلسطينيين ومئات ألوف اللبنانيين خلال حروبهم المتواصلة. وهي الآن تهيم في متاهات بواديها وبوادي الدول قريبة وبعيدة.
لا يحدث اللجوء ومثله النزوح بفعل الصدفة، أي بسبب نشوب مفاجئ للعمليات العسكرية التي تشتعل لأسباب لها علاقة بالسيطرة على هذا الموقع الاستراتيجي أو ذاك. ما يجري أخطر من ذلك.. الأكراد يهجّرون العرب، والعلويون يهجّرون السنّة، والسنّة يبعدون العلويين، و"داعش" يهجّر من لا يتبع خطه. وهكذا يتقوقع العلويون ناحية طرطوس، والدروز في محيط السويداء، والسنّة في المدن التي تتعرض الى أقذر عمليات القصف. الأقليات المسيحية، أرمنية وآشورية وكلدانية، تتناثر في الداخل والخارج. أما قصائد سعيد عقل بصوت فيروز عن الشام الأموية ومجدها الأندلسي فقد باتت صدى مخنوقاً وسط هدير هذه التغريبة التي لا تهدأ.
(أستاذ جامعي)
اقــرأ أيضاً
سوري واحد من كلّ خمسة مواطنين بات لاجئاً، يضاف إليهم 35 في المائة من سكان سورية النازحين. وعليه، فمن أصل 22 مليون نسمة، ثمّة أكثر من أربعة ملايين لاجئ ونحو 7.6 ملايين نازح. ولا بدّ من أن يضاف إلى هذه الأعداد نحو 460 ألف لاجئ فلسطيني. مع ذلك، يجب أن نشير الى أنّ هذه الأرقام ليست حديثة، بل عمرها أكثر من عام، ما يعني أنّ الأعداد الفعلية أكبر مما ورد. إذا احتسبنا هؤلاء اللاجئين والنازحين مع القتلى والجرحى والأسرى والمقاتلين، يمكن وصف سورية بجميع مناطقها بأنّها فعلياً لا تدفع ثمن الحرب على طريقتها الخاصة فقط، بل إنّها مقبرة حقيقية. وهكذا، فإنّ الدولة العربية الوحيدة التي كانت تستقبل اللاجئين وتنتج من الحبوب واللحوم ما يكفيها، باتت لاجئة وعالة على المجتمع الإنساني العالمي، الذي لا يجد طريقه نحو إيصال المساعدات إلى مستحقيها، طالما أنّ الحصار المفروض عليها بلغ من الشدة درجة الخنق، خنق النساء والأطفال والعجزة الرافضين سلطة هذا النظام.. خنق بالجوع والعطش وحبة الدواء.
استضافت سورية الأكراد والأرمن وأعداداً من الفلسطينيين ومئات ألوف اللبنانيين خلال حروبهم المتواصلة. وهي الآن تهيم في متاهات بواديها وبوادي الدول قريبة وبعيدة.
لا يحدث اللجوء ومثله النزوح بفعل الصدفة، أي بسبب نشوب مفاجئ للعمليات العسكرية التي تشتعل لأسباب لها علاقة بالسيطرة على هذا الموقع الاستراتيجي أو ذاك. ما يجري أخطر من ذلك.. الأكراد يهجّرون العرب، والعلويون يهجّرون السنّة، والسنّة يبعدون العلويين، و"داعش" يهجّر من لا يتبع خطه. وهكذا يتقوقع العلويون ناحية طرطوس، والدروز في محيط السويداء، والسنّة في المدن التي تتعرض الى أقذر عمليات القصف. الأقليات المسيحية، أرمنية وآشورية وكلدانية، تتناثر في الداخل والخارج. أما قصائد سعيد عقل بصوت فيروز عن الشام الأموية ومجدها الأندلسي فقد باتت صدى مخنوقاً وسط هدير هذه التغريبة التي لا تهدأ.
(أستاذ جامعي)