ومع كل انفجار ترتفع صرخة قطاع السياحة محذراً من انهياره. وعند انتهاء كل حدث، تعود القطاعات إلى الحياة بانتظار الانفجار المقبل. فهذا القطاع هو أكبر الخاسرين من جولة الاهتزازات الأمنية التي لما تعرف نهايتها بعد، وعدد كبير من السياح والمؤسسات هجر السوق اللبنانية إلى أسواق أكثر أمناً واستقراراً.
ولم يقتصر الامر على التفجيرات، فقد نفذّت اسرائيل عدواناً على لبنان في يوليو/ تموز من العام 2006، وشهدت شوارع بيروت ومناطق لبنانية أخرى، ولا تزال، أحداثاً أمنية محلية، واشتباكات مسلحة بين قوى لبنانية. لتضاف إلى الجنون المحلي اعتداءات متواصلة من الجانب السوري على المناطق الحدودية.
"إنه أسوأ وضع سياحي مرّ على لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية"، هذا ما يؤكده وزير السياحة اللبناني فادي عبود في حديث مع "الجديد". ويضيف عبود أن "نسبة الحجوزات في الفنادق لا تتخطى الـ30 في المئة في بيروت، فيما لا تتعدّى الـ10 في المئة خارجها".
أمّا المطاعم، فقد "انخفضت حركة أعمالها حوالى 50 في المئة ووصلت إلى نسب غير مشهودة خلال الشهرين الماضيين".
ويلفت الوزير اللبناني إلى أن كل هذا التدهور أدى إلى "تراجع حصة القطاع السياحي اللبناني من الناتج المحلي من 22 في المئة العام 2010 إلى 14 في المئة نهاية العام 2013".
وحول تأثير الوضع المحلي على القطاع السياحي، يشدّد وزير السياحة اللبناني على أن "التفجيرات الانتحارية هي أخطر ما أصاب لبنان منذ بداية التسعينات حتى اليوم، لا بل هي المسمار الأخير في نعش السياحة في لبنان".
ويوضح أن القطاع استطاع استيعاب كل الأزمات الأمنية والسياسية التي حصلت إلا أنه غير قادر على تحمّل التفجيرات المتنقلة".
ويضيف وزير السياحة اللبناني أن "التحذيرات الصادرة عن السفارات العربية والأجنبية ناتجة عن تأزم الوضع في لبنان. والحل لا يمكن أن يقوم إلا عبر ضبط الوضع الداخلي وإعادة الاستقرار الأمني إلى بلدنا".
ويشرح الوزير الوضع قائلاً: "نحن في لبنان نمرّ في أسوأ مرحلة من ناحية تزعزع ثقة السيّاح بلبنان. الشهران الأخيران كانا الأسوأ في تاريخ القطاعات السياحية، ونتمنى أن يتغيّر الواقع خلال الأشهر المقبلة".
ويشهد لبنان منذ حوالى 9 سنوات عمليات تفجير متلاحقة، فقد وصل عددها منذ مطلع العام 2014 إلى 5 انفجارات.
وفي العام 2013 وقعت 8 انفجارات ضخمة، وذلك مقارنة مع حوالي 13 انفجاراً وقعت في العام 2005. في المقابل، وقع 11 انفجاراً بين أعوام 2006 و2012.
هذه الانفجارات المتلاحقة، أدّت إلى تراجع كبير في عدد السياح الوافدين إلى لبنان خلال العام 2013. وتشير إحصاءات وزارة السياحة اللبنانية إلى أن عدد الوافدين بلغ خلال العام 2013 مليوناً و274 ألفاً و362 وافداً، بتراجع نسبته 40 في المئة عن العام 2010.
أما من ناحية جنسية السيّاح، فقد تراجع عدد السعوديين من 150 ألف سائح في العام 2010، الى 40 ألفاً و958 سائحاً سعودياً في العام 2013.
واحتلّ السياح العراقيون المرتبة الأولى بـ141 ألفاً و986 شخصاً، وجاء الأردنيون في المرتبة الثانية بـ78 ألفاً و18 سائحاً، والمصريون في المرتبة الثالثة بـ63 ألفا و578 ألف سائح. وتجاوز عدد السياح الوافدين من أوروبا إلى لبنان الـ433 ألف أوروبي، في حين بلغ عدد الأميركيين حوالى 210 آلاف سائح.
إلا أن هذه الأرقام تبقى غير دقيقة. إذ إن عدداً لا يستهان به من الأوروبيين والأميركيين الوافدين إلى لبنان هم في الحقيقة لبنانيون يحملون جنسيات أجنبية.
ويشير رئيس نقابة وكالات السياحة والسفر في لبنان جان عبود في حديث مع "الجديد" إلى أن "السياحة الواردة والصادرة شبه معدومة في لبنان. ويمكن القول إنه لا وجود لرحلات سياحية إلى لبنان خلال العام 2013".
ويشرح عبود أنه "حتى في ليلة رأس السنة، كانت تخرج من لبنان بين 10 إلى 15 طائرة سياحية، إلا أنه لم تخرج هذا العام سوى طائرتين". ويضيف رئيس نقابة وكالات السياحة أنه خلال الشهرين الماضيين "لم نشهد أي نوع من الحركة في المجموعات السياحية، لا المحلية ولا تلك الخارجة أو الداخلة إلى لبنان". ويشير إلى أن التراجع هذا تم تعويض جزء منه من خلال سوق بيع التذاكر "إذ إن عدداً كبيراً من السوريين القادمين من سوريا والأردن حصلوا على تذاكر سفرهم من الوكالات اللبنانية، ما رفع حجم الأعمال حوالى 9 في المئة في العام 2013 مقارنةً مع العام الذي سبقه".
وماذا عن المطاعم والفنادق والمجمّعات السياحية؟
هنا، يمكن القول إن الوضع أكثر من كارثي. فقد حذرت السفارة الأميركية رعاياها في لبنان من التجول في المجمعات التجارية. كذلك، تم تناقل معلومات عن مخاطر التفجير في محيط عدد من الفنادق، ما شكل ضربة ضخمة لهذه القطاعات.
يقول رئيس نقابة أصحاب المطاعم والفنادق والملاهي في لبنان بول عريس لـ"الجديد" إن وضع القطاعات السياحية "عاطل جداً". ويشير عريس إلى أن "المطاعم في بيروت لا تعمل إلا بـ30 في المئة من قدرتها التشغيلية، بتراجع بلغ 70 في المئة عن العام 2010".
ويقول عريس إن تحذيرات السفارات تزيد من التوتر في الشارع اللبناني، وتخفض عدد السياح، وتؤثر كثيراً على الحركة الاقتصادية.
ويؤكد رئيس النقابة أن عدداً كبيراً من المطاعم اللبنانية يغلق أبوابه، بالإضافة إلى عدد من الفنادق. ومن المتوقع أن تزيد حركة الإقفال خلال الأشهر الثلاثة المقبلة في حال استمرت الأزمة السياسية والأمنية.