23 مايو 2017
التقشّف أمامكم.. الإفلاس مصيركم
لكي تمرّر سياستك، على الرغم من أنف الجميع، عليك إرعاب الجمهور، عبر تغليف هذه السياسة بكميةٍ كثيفةٍ من الدعاية المرعبة التي تضع الناس أمام خيارين: قبول سياساتك كما هي من دون نقاش، أو الهلاك. هذا تماماً ما جرى العمل على إشاعته، في إطلالة مجموعة من وزراء الحكومة السعودية، في مقابلة برنامج الثامنة المُمنتج، في قناة إم بي سي، وقدمه الإعلامي داود الشريان.
في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، ومن دون سابق إنذار، نفذت الحكومة إحدى خطوات التقشّف التي تنوي اتباعها، في المرحلة المقبلة، لتقليص حجم نفقاتها، فبعد تسريب خبر تخفيض 71% من حجم المصروفات في العام 2016، عن طريق الناقل الحصري للأخبار الاقتصادية السعودية، مجلة بلومبرغ، تم الإعلان الرسمي عن إلغاء بعض بدلات موظفي القطاع العام، ما أثار استياء جمهورٍ واسع، كان يأمل من الرؤية الاقتصادية أن تضيف له، لا أن تنتقص من راتبه. تناوب الوزراء في المقابلة على تخويف الشعب السعودي من مستقبلٍ مظلم، ومن أن الحكومة قد تفلس في ثلاث سنوات، إذا ما استمرّت وتيرة الصرف السابقة، وأن موظف القطاع العام أحد أسباب الكارثة الاقتصادية التي نعيشها، لأن إنتاجيته لا تتعدّى ساعة يومياً، ما جلب على هذا الشعب المسكين سخرية صحيفة التايمز الأميركية التي وضعت على صفحتها عنواناً مسيئاً: "السعوديون الكسالى على حافة الإفلاس". إذن، تم تحميل المواطن مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية، نتيجة سوء إنتاجيته وأدائه الوظيفي.
يُقال هذا الكلام، وكأن دخل الدولة السعودية البترولي مرتبطٌ بموظفيها وإنتاجيتهم، وليس معتمداً اعتماداً كلياً على استخراج النفط من باطن الأرض، من دون أن يكون لهذا المواطن علاقة مباشرة بالإنتاج، فضلاً عن تغييبه الكامل عن التخطيط وإدارة الاقتصاد الوطني، ولأن السياسة
المتبعة خمسة عقودٍ لم تخطط لكي نكون دولةً منتجة، ولم تصنع من مواطنها شخصاً منتجاً، ولم تفكّر في يومه الأسود، فقد تفتق عن العقل الاستشاري المستورد من شركة ماكينزي (عن طريق سياسة القص واللصق)، بضرورة المبادرة لنزع مكتسبات المواطن، تلك التي تحصّل عليها إبّان فترة الطفرة على قلتها.
يجري اليوم التهويل على الناس، بالطريقة التالية: إذا ما استمرّت السياسة الاقتصادية على ما هي عليه، في مرحلة الاقتصاد الريعي، ولم نبادر إلى بيع ممتلكات الدولة (الهدف الأساسي للخطة الاقتصادية) وتقليص حجم النفقات المرتبطة مباشرةً بالخدمات المقدمة للمواطن وحاجياته، ونطبق سياسةً اقتصادية تقشفية، فإن مصيرنا الإفلاس. يقال هذا الحكي، على الرغم من أن جحم الدين العام لم يتجاوز 13% من الناتج المحلي، وعلى الرغم من وجود احتياطاتٍ نفطية تجاوزت 850 مليار دولار، وعلى الرغم من أننا ننام على أكبر احتياطي نفطي في الكوكب. من هنا، فإن بيع السندات الحكومية التي جرى عرضها الأسبوع الفائت تمت تغطيته بمعدل أربعة أضعاف، ليس لأن لدينا مدراء تخطيط عباقرة، وليس لأن الرجل الأبيض الذي بادر إلى الشراء لا يجيد العمليات الحسابية. ولكن، لأن ما يوجد في باطن الأرض يستطيع ضمان تغطية الدين العام، في ظل توقعاتٍ كثيرة بأن النفط في طريقه إلى الارتفاع في السنوات المقبلة، لأن ارتفاع الطلب العالمي حتمي أمام تقلص حجم المخزون.
ثمّة بديهة، تجاوزها الوزراء المعنيون بتسويق الخطة، هي أن كرة القدم أيضاً، لا يتم تحميل مسؤولية الخسارة وفشل الفريق في تحقيق الانتصار للاعبين، بقدر ما يُساءل عنها مدرب الفريق. لذا، فإن طاقم الوزراء، والذين قضى بعضهم 20 عاماً في منصبه، هم الأولى بالمساءلة من الموظف الذي ينفذ ما تعلمه داخل الوزارة، ويمارس السلوك والثقافة التي وجد عليها آباؤه الأولون.
صحيحٌ أن السياسة السابقة لم تكن مثاليةً، حيث كانت الحكومة تتكل على النفط في تحصيل مداخيلها، ثم تتولى عملية توزيع الريع، بانتقائيةٍ يستفيد منها الأقرب ثم الأقرب، لكن الجميع، في نهاية المطاف، كان يجد ما يسد رمقه به، وتضمن هي، أي الحكومة، صمت الناس عن الهدر العام، وسوء استغلال الثروة الوطنية، وعدم مشاركتهم في تصميم السياسة الاقتصادية للبلد أو صناعتها. فلم يكن أحدٌ ليسأل الحكومة لماذا أصرّت على رفع الإنتاج في ظل انهيار الأسعار، أو لماذا كانت تصريحات المسؤولين تضغط على الأسعار، لكي تنخفض أكثر، ولماذا تضاعفت الميزانية إلى الضعف في الأعوام الماضية، من دون انعكاس هذه المصاريف الهائلة على جودة تنفيذ مشاريع البنية التحتية، أو نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين.
كثيرة هي الأسئلة التي كم تمنينا على الإعلامي خفيف الظل أن يجد لنا عند الوزراء إجابةً شافية لها، لكنهم، للأسف الشديد، أثبتوا للشعب السعودي أنهم مجرد تكنوقراط لا يستطيعون قراءة الأبعاد الاجتماعية والسياسية للقرارات التي يتخذونها، بحيث لا يكون همهم الوحيد تقليص النفقات، وعدم ارتفاع معدل العجز، من دون التفكّر في الارتدادات السياسية والاجتماعية لتلك القرارات.
ما نعرفه، حتى الساعة، أن السياسة المصممة من الرجل الأبيض (شركة ماكينزي) تهدف إلى تدمير الثقة في الاقتصاد السعودي، بإجباره على تجريب المُجرّب (التقشف). لكن، ماذا عسانا أن نقول، إذا ما غاب عن بال الوزراء الكرام، ما يعلمه طالب سنة أولى اقتصاد، أن التصريحات السلبية، وقت الأزمات، تأتي بنتائج كارثية.
في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، ومن دون سابق إنذار، نفذت الحكومة إحدى خطوات التقشّف التي تنوي اتباعها، في المرحلة المقبلة، لتقليص حجم نفقاتها، فبعد تسريب خبر تخفيض 71% من حجم المصروفات في العام 2016، عن طريق الناقل الحصري للأخبار الاقتصادية السعودية، مجلة بلومبرغ، تم الإعلان الرسمي عن إلغاء بعض بدلات موظفي القطاع العام، ما أثار استياء جمهورٍ واسع، كان يأمل من الرؤية الاقتصادية أن تضيف له، لا أن تنتقص من راتبه. تناوب الوزراء في المقابلة على تخويف الشعب السعودي من مستقبلٍ مظلم، ومن أن الحكومة قد تفلس في ثلاث سنوات، إذا ما استمرّت وتيرة الصرف السابقة، وأن موظف القطاع العام أحد أسباب الكارثة الاقتصادية التي نعيشها، لأن إنتاجيته لا تتعدّى ساعة يومياً، ما جلب على هذا الشعب المسكين سخرية صحيفة التايمز الأميركية التي وضعت على صفحتها عنواناً مسيئاً: "السعوديون الكسالى على حافة الإفلاس". إذن، تم تحميل المواطن مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية، نتيجة سوء إنتاجيته وأدائه الوظيفي.
يُقال هذا الكلام، وكأن دخل الدولة السعودية البترولي مرتبطٌ بموظفيها وإنتاجيتهم، وليس معتمداً اعتماداً كلياً على استخراج النفط من باطن الأرض، من دون أن يكون لهذا المواطن علاقة مباشرة بالإنتاج، فضلاً عن تغييبه الكامل عن التخطيط وإدارة الاقتصاد الوطني، ولأن السياسة
يجري اليوم التهويل على الناس، بالطريقة التالية: إذا ما استمرّت السياسة الاقتصادية على ما هي عليه، في مرحلة الاقتصاد الريعي، ولم نبادر إلى بيع ممتلكات الدولة (الهدف الأساسي للخطة الاقتصادية) وتقليص حجم النفقات المرتبطة مباشرةً بالخدمات المقدمة للمواطن وحاجياته، ونطبق سياسةً اقتصادية تقشفية، فإن مصيرنا الإفلاس. يقال هذا الحكي، على الرغم من أن جحم الدين العام لم يتجاوز 13% من الناتج المحلي، وعلى الرغم من وجود احتياطاتٍ نفطية تجاوزت 850 مليار دولار، وعلى الرغم من أننا ننام على أكبر احتياطي نفطي في الكوكب. من هنا، فإن بيع السندات الحكومية التي جرى عرضها الأسبوع الفائت تمت تغطيته بمعدل أربعة أضعاف، ليس لأن لدينا مدراء تخطيط عباقرة، وليس لأن الرجل الأبيض الذي بادر إلى الشراء لا يجيد العمليات الحسابية. ولكن، لأن ما يوجد في باطن الأرض يستطيع ضمان تغطية الدين العام، في ظل توقعاتٍ كثيرة بأن النفط في طريقه إلى الارتفاع في السنوات المقبلة، لأن ارتفاع الطلب العالمي حتمي أمام تقلص حجم المخزون.
ثمّة بديهة، تجاوزها الوزراء المعنيون بتسويق الخطة، هي أن كرة القدم أيضاً، لا يتم تحميل مسؤولية الخسارة وفشل الفريق في تحقيق الانتصار للاعبين، بقدر ما يُساءل عنها مدرب الفريق. لذا، فإن طاقم الوزراء، والذين قضى بعضهم 20 عاماً في منصبه، هم الأولى بالمساءلة من الموظف الذي ينفذ ما تعلمه داخل الوزارة، ويمارس السلوك والثقافة التي وجد عليها آباؤه الأولون.
صحيحٌ أن السياسة السابقة لم تكن مثاليةً، حيث كانت الحكومة تتكل على النفط في تحصيل مداخيلها، ثم تتولى عملية توزيع الريع، بانتقائيةٍ يستفيد منها الأقرب ثم الأقرب، لكن الجميع، في نهاية المطاف، كان يجد ما يسد رمقه به، وتضمن هي، أي الحكومة، صمت الناس عن الهدر العام، وسوء استغلال الثروة الوطنية، وعدم مشاركتهم في تصميم السياسة الاقتصادية للبلد أو صناعتها. فلم يكن أحدٌ ليسأل الحكومة لماذا أصرّت على رفع الإنتاج في ظل انهيار الأسعار، أو لماذا كانت تصريحات المسؤولين تضغط على الأسعار، لكي تنخفض أكثر، ولماذا تضاعفت الميزانية إلى الضعف في الأعوام الماضية، من دون انعكاس هذه المصاريف الهائلة على جودة تنفيذ مشاريع البنية التحتية، أو نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين.
كثيرة هي الأسئلة التي كم تمنينا على الإعلامي خفيف الظل أن يجد لنا عند الوزراء إجابةً شافية لها، لكنهم، للأسف الشديد، أثبتوا للشعب السعودي أنهم مجرد تكنوقراط لا يستطيعون قراءة الأبعاد الاجتماعية والسياسية للقرارات التي يتخذونها، بحيث لا يكون همهم الوحيد تقليص النفقات، وعدم ارتفاع معدل العجز، من دون التفكّر في الارتدادات السياسية والاجتماعية لتلك القرارات.
ما نعرفه، حتى الساعة، أن السياسة المصممة من الرجل الأبيض (شركة ماكينزي) تهدف إلى تدمير الثقة في الاقتصاد السعودي، بإجباره على تجريب المُجرّب (التقشف). لكن، ماذا عسانا أن نقول، إذا ما غاب عن بال الوزراء الكرام، ما يعلمه طالب سنة أولى اقتصاد، أن التصريحات السلبية، وقت الأزمات، تأتي بنتائج كارثية.