لم يكن صعباً على الجزائريين إعادة ترتيب الأحداث التي مرّت منذ بداية الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط 2019، كما لم يكن صعباً إيجاد مكان لحفظ المواقف ورصد المتغيرات ومنع أي تحوير للأحداث... فالتكنولوجيا توفر ذلك بشكل يسير، ومواقع التواصل الاجتماعي تمثل بالنسبة للحراك الشعبي خزاناً للذاكرة التي تتحدث عن نفسها.
عشية الاحتفاء بالذكرى الأولى لاندلاع الحراك الشعبي، ثار جدل في البلاد حول أسبقية أي من المدن والمجموعات الشبابية في إطلاق الحراك الشعبي قبيل 22 فبراير/شباط، ادعت كل مدينة أنّها سبقت الأخرى في التحرك الشعبي ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، لكن مواقع التواصل الاجتماعي ما زالت تحتفظ لكل مدينة بزمن تحركها، وكان من السهل حسم هذا الجدل، فالتكنولوجيا لا تصاب بثقب الذاكرة.
يبلغ عدد مستخدمي "فيسبوك" في الجزائر أكثر من 26 مليون مستخدم، مقارنةً بعدد أقل بكثير لـ"تويتر" و"إنستغرام". وفي بداية الحراك الشعبي، كانت السلطة ما زالت تمسك بيد من حديد القنوات التلفزيونية المحلية، لم يسعفها ذلك في تغطية المظاهرات الأولى للحراك الشعبي، وكان يمكن في هكذا حالة تفويت فرصة كبيرة لتأريخ الحركة الشعبية. لكنّ هواتف الشباب ومواقع التواصل الاجتماعي أمكنها القيام بذلك، واحتفظت بتلك اللحظات للتاريخ، حيث تمكن العودة إليها في أي وقت كذاكرة مخزنة صوتاً وصورة، ضد تعتيم إعلامي كان مشفوعاً بقرار سياسي.
يعتقد محمد والي، وهو مدير وكالة للإنتاج الفني ومصمم محتوى، أنّ مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً بارزاً في حفظ ذاكرة الحراك وتوفير مادة فنية أيضاً. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّه "بالنسبة لنا كمنتجين، حتى عندما حاولنا استدراك اللحظة فنياً وإنتاج أفلام وثائقية عن بداية الحراك، لم يكن متوفرا لنا سوى ما تخزنه مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات وصور، خاصة في بعض القضايا والمواقف المفصلية، وهذا أمر مهم ومتغير جوهري مقارنة بفترة أحداث عبرتها الجزائر في عقود سابقة نجد صعوبة كبيرة في الحصول على مادة توثيقية".
وإضافةً إلى أنّ مواقع التواصل الاجتماعي قفزت على التعتيم الاعلامي في التغطية الميدانية لمظاهرات الحراك الشعبي منذ بدايته، إلا أنّها أيضاً وضعت القنوات التلفزيونية والإعلام التقليدي على الهامش، وكشفت في الوقت نفسه حيلاً سياسية كانت تحاول أن تغير إلى حد التزوير شعارات ومطالب الحراك قبيل استقالة بوتفليقة. فالحراك الذي كان ينادي بالإطاحة بنظام بوتفليقة وبمنع ولاية رئاسية خامسة، كان يُنقَل على القنوات الموالية بأنّ المظاهرات الشعبية هي دعوة للتغيير السياسي ولاستمرار بوتفليقة.
اقــرأ أيضاً
وظهر في المشهد الجزائري ما يعرف بـ"الفار"، وهي التقنية نفسها التي يحتكم إليها الحكم في مباريات كرة القدم، حيث بات الناشطون يستعيدون مواقف أي شخصية أو حزب بالصوت أو الصورة أو الكتابة، لمقارنتها بموقف جديد يبدو متناقضاً مع سالفه. ويعلّق الأستاذ الجامعي المتخصص في مواقع التواصل الاجتماعي، حمزة هواري، بأنّ الزمن الراهن مرتبط بالذاكرة المفتوحة... التكونولوجيا باتت تسمح باستدعاء سريع للذاكرة وكل ما له علاقة باللحظة الماضية"، مضيفاً أن "الزمن السياسي صار مرتبطا بالزمن التكنولوجي على هذا الصعيد". ويقول حمزة لـ"العربي الجديد": "أكيد أن المنصات الرقمية خاصة فيسبوك لعبت ولا تزال تلعب دوراً في حفظ ذاكرة الحراك، وكانت منصة للتعبئة لانطلاق شرارة الحراك في 22 فيفريه (فبراير)، بخلاف "الأجهزة" الإعلامية الكلاسيكية. فيسبوك بالمادة الضخمة من المعلومات المصورة حفظ ذاكرة الحراك من أي تلاعب أو تزييف أو سطو، فيسبوك ربما قضى على حق النسيان للفرد لكن قضى بالمقابل على علة النسيان لدى الجماعة والتي كانت تتيح للدولة السطو والتلاعب بالذاكرة".
ويضيف هواري أنه "ربما لأول مرة لا نحتاج لرواة التاريخ لحفظ الذاكرة، كل تفاصيل ما حدث وما يحدث حالياً يحفظ حالياً على منصات التواصل بالصوت والصورة، خاصة أنّ الأزمة التي تعيشها الجزائر من أسبابها التزييف والتلاعب بالذاكرة، لذا الحراكيون يدركون جيدًا دور حفظ الذاكرة من خلال ضخّ أكبر قدر من المادة المصورة والشهادات التي توثق الأحداث شكل حر بعيدا عن يد الأجهزة الأيديولوجية للدولة". في علاقة بالسياق السياسي والحراك الشعبي، لا تتخذ مواقع التواصل الاجتماعي بالضرورة بعد الذاكرة الجماعية، لكنها تتحول أيضاً إلى ذاكرة خاصة بالافراد، الكثير من الجزائريين مهتمون بأرشفة وحفظ مشاركتهم في الحراك الشعبي. ويعتبر الناشط حسين بزينة أنه "ينشر صوره في الحراك ومواقفه ليبقي لأطفاله مستقبلاً ذاكرة مشرّفة عن رفض والدِهم للظل
عشية الاحتفاء بالذكرى الأولى لاندلاع الحراك الشعبي، ثار جدل في البلاد حول أسبقية أي من المدن والمجموعات الشبابية في إطلاق الحراك الشعبي قبيل 22 فبراير/شباط، ادعت كل مدينة أنّها سبقت الأخرى في التحرك الشعبي ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، لكن مواقع التواصل الاجتماعي ما زالت تحتفظ لكل مدينة بزمن تحركها، وكان من السهل حسم هذا الجدل، فالتكنولوجيا لا تصاب بثقب الذاكرة.
يبلغ عدد مستخدمي "فيسبوك" في الجزائر أكثر من 26 مليون مستخدم، مقارنةً بعدد أقل بكثير لـ"تويتر" و"إنستغرام". وفي بداية الحراك الشعبي، كانت السلطة ما زالت تمسك بيد من حديد القنوات التلفزيونية المحلية، لم يسعفها ذلك في تغطية المظاهرات الأولى للحراك الشعبي، وكان يمكن في هكذا حالة تفويت فرصة كبيرة لتأريخ الحركة الشعبية. لكنّ هواتف الشباب ومواقع التواصل الاجتماعي أمكنها القيام بذلك، واحتفظت بتلك اللحظات للتاريخ، حيث تمكن العودة إليها في أي وقت كذاكرة مخزنة صوتاً وصورة، ضد تعتيم إعلامي كان مشفوعاً بقرار سياسي.
يعتقد محمد والي، وهو مدير وكالة للإنتاج الفني ومصمم محتوى، أنّ مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً بارزاً في حفظ ذاكرة الحراك وتوفير مادة فنية أيضاً. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّه "بالنسبة لنا كمنتجين، حتى عندما حاولنا استدراك اللحظة فنياً وإنتاج أفلام وثائقية عن بداية الحراك، لم يكن متوفرا لنا سوى ما تخزنه مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات وصور، خاصة في بعض القضايا والمواقف المفصلية، وهذا أمر مهم ومتغير جوهري مقارنة بفترة أحداث عبرتها الجزائر في عقود سابقة نجد صعوبة كبيرة في الحصول على مادة توثيقية".
وإضافةً إلى أنّ مواقع التواصل الاجتماعي قفزت على التعتيم الاعلامي في التغطية الميدانية لمظاهرات الحراك الشعبي منذ بدايته، إلا أنّها أيضاً وضعت القنوات التلفزيونية والإعلام التقليدي على الهامش، وكشفت في الوقت نفسه حيلاً سياسية كانت تحاول أن تغير إلى حد التزوير شعارات ومطالب الحراك قبيل استقالة بوتفليقة. فالحراك الذي كان ينادي بالإطاحة بنظام بوتفليقة وبمنع ولاية رئاسية خامسة، كان يُنقَل على القنوات الموالية بأنّ المظاهرات الشعبية هي دعوة للتغيير السياسي ولاستمرار بوتفليقة.
يعتبر الإعلامي الناشط في "صحافة الموبايل" علي بن ختو في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ مواقع التواصل الاجتماعي قفزت أيضاً فوق كل الحدود والموانع التي كان النظام السياسي قد رسمها في الفترة السابقة، وأتاحت للجزائريين امتلاك إعلام بديل وميداني ومباشر يسمح لهم بالتعبير الآني عن الموقف واللحظة والمطالب والانشغال. وهذا تحول نوعي في العلاقة مع السلطة، كما أنّه كسر كل القيود والخطوط الحمراء والرقابة التي كانت تفرضها السلطة، والأكثر أهمية أن مواقع التواصل الاجتماعي تتيح تحول هذه المادة آلياً إلى ذاكرة. لكن مواقع التواصل الاجتماعي تستخدم الآن، في سياق الحراك الشعبي أيضاً، لحفظ المواقف ورصد المتغيرات. فمع وجود هذه المواقع التي تسجل وتحتفظ بكل شيء، بات من السهل رصد أي تحول في مواقف الأشخاص أو المجموعات السياسية.
وظهر في المشهد الجزائري ما يعرف بـ"الفار"، وهي التقنية نفسها التي يحتكم إليها الحكم في مباريات كرة القدم، حيث بات الناشطون يستعيدون مواقف أي شخصية أو حزب بالصوت أو الصورة أو الكتابة، لمقارنتها بموقف جديد يبدو متناقضاً مع سالفه. ويعلّق الأستاذ الجامعي المتخصص في مواقع التواصل الاجتماعي، حمزة هواري، بأنّ الزمن الراهن مرتبط بالذاكرة المفتوحة... التكونولوجيا باتت تسمح باستدعاء سريع للذاكرة وكل ما له علاقة باللحظة الماضية"، مضيفاً أن "الزمن السياسي صار مرتبطا بالزمن التكنولوجي على هذا الصعيد". ويقول حمزة لـ"العربي الجديد": "أكيد أن المنصات الرقمية خاصة فيسبوك لعبت ولا تزال تلعب دوراً في حفظ ذاكرة الحراك، وكانت منصة للتعبئة لانطلاق شرارة الحراك في 22 فيفريه (فبراير)، بخلاف "الأجهزة" الإعلامية الكلاسيكية. فيسبوك بالمادة الضخمة من المعلومات المصورة حفظ ذاكرة الحراك من أي تلاعب أو تزييف أو سطو، فيسبوك ربما قضى على حق النسيان للفرد لكن قضى بالمقابل على علة النسيان لدى الجماعة والتي كانت تتيح للدولة السطو والتلاعب بالذاكرة".
ويضيف هواري أنه "ربما لأول مرة لا نحتاج لرواة التاريخ لحفظ الذاكرة، كل تفاصيل ما حدث وما يحدث حالياً يحفظ حالياً على منصات التواصل بالصوت والصورة، خاصة أنّ الأزمة التي تعيشها الجزائر من أسبابها التزييف والتلاعب بالذاكرة، لذا الحراكيون يدركون جيدًا دور حفظ الذاكرة من خلال ضخّ أكبر قدر من المادة المصورة والشهادات التي توثق الأحداث شكل حر بعيدا عن يد الأجهزة الأيديولوجية للدولة". في علاقة بالسياق السياسي والحراك الشعبي، لا تتخذ مواقع التواصل الاجتماعي بالضرورة بعد الذاكرة الجماعية، لكنها تتحول أيضاً إلى ذاكرة خاصة بالافراد، الكثير من الجزائريين مهتمون بأرشفة وحفظ مشاركتهم في الحراك الشعبي. ويعتبر الناشط حسين بزينة أنه "ينشر صوره في الحراك ومواقفه ليبقي لأطفاله مستقبلاً ذاكرة مشرّفة عن رفض والدِهم للظل