اضطرت مدارس العاصمة الإيرانية إلى الإقفال، أمس الإثنين، بالكامل، بعدما أقفلت جزئياً الأحد، بسبب الضباب الكثيف. تلوث الهواء مشكلة مستمرة في طهران
حين اختار الشاه محمد خان قاجار مدينة طهران لتصبح عاصمة لإيران في القرن الثامن عشر، كان معجباً بجوّها وبانتشار أشجارها على مساحات واسعة، من دون أن يعلم أنّ خياره هذا قد يتحول إلى كارثة ستنعكس على سكانها في قرون لاحقة، فلم تعد الأشجار والأجواء على حالها بسبب تلوث الهواء الذي يلف العاصمة بغيمة ضبابية في أيام كثيرة من العام، ويحولها إلى كتلة رمادية في فصلي الخريف والشتاء، على وجه الخصوص.
ارتفعت نسبة التلوث كثيراً، خلال الأيام القليلة الماضية، ما استدعى أن تتخذ لجنة الطوارئ المعنية بمتابعة الأمر قراراً بإقفال المدارس الابتدائية وحضانات الأطفال يوم الأحد، لأنّ المعدل كان يشكل خطراً على الفئات الحساسة من قبيل الأطفال وكبار السن والسيدات الحوامل. لكنّ الضباب تعدى رقم 150 بعد ذلك، ما يعني معدلاً خطيراً على الجميع، فبلغت نسبة الذرات المعلقة 2.5 ميكرون، وهو ما استدعى إغلاق كلّ المدارس بكامل مراحلها، أمس الإثنين، في محاولة لإبعاد التلاميذ عن الخطر، وللتقليل من الحركة المرورية.
بدوره، أقرّ جهاز شرطة المرور توسيع رقعة المساحة الجغرافية للمناطق التي يمنع دخول المركبات إليها إلاّ بترخيص مروري خاص، وهي التي تقع في مركز العاصمة، الأكثر ازدحاماً. ويسمح بدخول السيارات والدراجات النارية التي تحمل ذاك الترخيص من ساعات الصباح الباكر حتى السابعة مساء، كما أصبحت حركة كلّ السيارات في جميع أنحاء طهران تجري بحسب أرقام لوحاتها، زوجية كانت أم فردية، فيسمح لها بالتنقل بحسب أيام الأسبوع.
اقــرأ أيضاً
وقال نائب قائد شرطة طهران، حسن عابدي، لوكالة "فارس" إنّ أصحاب السيارات التي تطلق عوادمها دخاناً كثيفاً سيدفعون غرامات مالية، فضلاً عن غرامات أخرى ستفرض على مخالفي قانون حركة المركبات بحسب المناطق، وتقدّر الغرامة بخمسة دولارات أميركية.
عملياً، لم يكن هذا مفيداً كثيراً، فلم تنقشع غيمة الضباب مع نهاية يوم الإثنين، ومن المتوقع أن يبقى الأمر على هذه الحال حتى بعد غد الخميس، بحسب هيئة الأرصاد الجوية التي تتوقع هبوب الرياح وتساقط الأمطار بما ينعش الأجواء، لكنّ هذا الإنعاش سيكون مؤقتاً، في غياب الحلول الجذرية.
ازدادت حدة الانتقادات، وانتشر سكان العاصمة مرتدين كمامات علّها تقلل من دخول الهواء الملوث إلى جهازهم التنفسي. كثيرون قالوا إنّ إغلاق المدارس لا يحلّ المشكلة، فهناك أمهات عاملات لا يعرفن كيف يتصرفن إذا كان على أطفالهن الجلوس في المنزل. آخرون قالوا إنّهم كما التلاميذ، فلدى كلّ واحد منهم رئتان تتنفسان هواء ملوثاً، داعين إلى أن تشمل الإجازة الجميع، بما يقلل من الأضرار الصحية.
تحاول حكومة الرئيس حسن روحاني، منذ دورته الرئاسية الأولى، تقليص عدد أيام الإجازة السنوية بسبب التلوث، حتى لا تكرر ما كان يفعله الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد. فقد كان المعنيون في حكومة أحمدي نجاد يوقفون الدوام الرسمي فور ارتفاع نسبة التلوث، وهو ما زاد من أيام الإجازات السنوية وأوقف الأشغال.
مرت طهران بأيام صعبة، خصوصاً خلال العقد الأخير، وقد ظهرت مشكلة التلوث فيها خلال ستينيات القرن الماضي، وتزامن هذا مع انتشار المعامل والسيارات، وانشغلت البلاد كثيراً في فترة الثورة الإسلامية التي تلتها الحرب مع العراق، ولم يكن التلوث أولوية بالنسبة للمسؤولين. ظهرت أولى بشائر التعامل مع المشكلة في التسعينيات، لكنّها ما زالت حتى يومنا هذا لا تتعدى كونها خططاً قصيرة الأمد، من دون بذل أي محاولة حقيقية لوضع سيناريوهات قد تهيئ لحلول جذرية.
لهذه الظاهرة أسباب عديدة ومعقدة، لا تجعل إيجاد الحلول سهلاً على المعنيين، بالرغم من تقصيرهم. عن هذا يقول الأستاذ الجامعي للعلوم البيئية، إسماعيل كهرم، إنّ الموقع الجغرافي لا يساعد طهران أبداً، فهي منطقة محاطة بالجبال التي تحاصرها من أكثر من جهة، كما أنّ معدل هطول الأمطار فيها متدنٍّ في فصل الشتاء.
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يضيف كهرم أنّ تقلص المساحات الخضراء وتفضيل تحويل طهران إلى كتلة إسمنتية بدلاً من الحفاظ على أشجارها يزيد هذه الأزمة، معتبراً أنّ أحد أهم عوامل التلوث يرتبط بوجود أكثر من مليونين و700 ألف سيارة، وعدد مساوٍ من الدراجات النارية، وكلّها تمشي في شوارع المدينة، وتنتج 85 في المائة من الدخان الملوث في أجوائها.
يوضح كهرم أنّ 30 في المائة من المصانع الإيرانية تقع في طهران وما حولها، ويخرج الدخان منها ليتركز فوق المدينة المنخفضة. يقول إنّ الأمور تصبح أكثر تعقيداً في فصلي الخريف والشتاء، على وجه الخصوص، بسبب تراكم الغيوم فوقها، وإحاطتها بالجبال ووجود الهواء البارد الذي يجعل الهواء الملوث عالقاً وغير قابل للدوران، وهو ما يتنفسه أكثر من 14 مليون نسمة يقطنون في العاصمة.
اقــرأ أيضاً
حين اختار الشاه محمد خان قاجار مدينة طهران لتصبح عاصمة لإيران في القرن الثامن عشر، كان معجباً بجوّها وبانتشار أشجارها على مساحات واسعة، من دون أن يعلم أنّ خياره هذا قد يتحول إلى كارثة ستنعكس على سكانها في قرون لاحقة، فلم تعد الأشجار والأجواء على حالها بسبب تلوث الهواء الذي يلف العاصمة بغيمة ضبابية في أيام كثيرة من العام، ويحولها إلى كتلة رمادية في فصلي الخريف والشتاء، على وجه الخصوص.
ارتفعت نسبة التلوث كثيراً، خلال الأيام القليلة الماضية، ما استدعى أن تتخذ لجنة الطوارئ المعنية بمتابعة الأمر قراراً بإقفال المدارس الابتدائية وحضانات الأطفال يوم الأحد، لأنّ المعدل كان يشكل خطراً على الفئات الحساسة من قبيل الأطفال وكبار السن والسيدات الحوامل. لكنّ الضباب تعدى رقم 150 بعد ذلك، ما يعني معدلاً خطيراً على الجميع، فبلغت نسبة الذرات المعلقة 2.5 ميكرون، وهو ما استدعى إغلاق كلّ المدارس بكامل مراحلها، أمس الإثنين، في محاولة لإبعاد التلاميذ عن الخطر، وللتقليل من الحركة المرورية.
بدوره، أقرّ جهاز شرطة المرور توسيع رقعة المساحة الجغرافية للمناطق التي يمنع دخول المركبات إليها إلاّ بترخيص مروري خاص، وهي التي تقع في مركز العاصمة، الأكثر ازدحاماً. ويسمح بدخول السيارات والدراجات النارية التي تحمل ذاك الترخيص من ساعات الصباح الباكر حتى السابعة مساء، كما أصبحت حركة كلّ السيارات في جميع أنحاء طهران تجري بحسب أرقام لوحاتها، زوجية كانت أم فردية، فيسمح لها بالتنقل بحسب أيام الأسبوع.
عملياً، لم يكن هذا مفيداً كثيراً، فلم تنقشع غيمة الضباب مع نهاية يوم الإثنين، ومن المتوقع أن يبقى الأمر على هذه الحال حتى بعد غد الخميس، بحسب هيئة الأرصاد الجوية التي تتوقع هبوب الرياح وتساقط الأمطار بما ينعش الأجواء، لكنّ هذا الإنعاش سيكون مؤقتاً، في غياب الحلول الجذرية.
ازدادت حدة الانتقادات، وانتشر سكان العاصمة مرتدين كمامات علّها تقلل من دخول الهواء الملوث إلى جهازهم التنفسي. كثيرون قالوا إنّ إغلاق المدارس لا يحلّ المشكلة، فهناك أمهات عاملات لا يعرفن كيف يتصرفن إذا كان على أطفالهن الجلوس في المنزل. آخرون قالوا إنّهم كما التلاميذ، فلدى كلّ واحد منهم رئتان تتنفسان هواء ملوثاً، داعين إلى أن تشمل الإجازة الجميع، بما يقلل من الأضرار الصحية.
تحاول حكومة الرئيس حسن روحاني، منذ دورته الرئاسية الأولى، تقليص عدد أيام الإجازة السنوية بسبب التلوث، حتى لا تكرر ما كان يفعله الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد. فقد كان المعنيون في حكومة أحمدي نجاد يوقفون الدوام الرسمي فور ارتفاع نسبة التلوث، وهو ما زاد من أيام الإجازات السنوية وأوقف الأشغال.
مرت طهران بأيام صعبة، خصوصاً خلال العقد الأخير، وقد ظهرت مشكلة التلوث فيها خلال ستينيات القرن الماضي، وتزامن هذا مع انتشار المعامل والسيارات، وانشغلت البلاد كثيراً في فترة الثورة الإسلامية التي تلتها الحرب مع العراق، ولم يكن التلوث أولوية بالنسبة للمسؤولين. ظهرت أولى بشائر التعامل مع المشكلة في التسعينيات، لكنّها ما زالت حتى يومنا هذا لا تتعدى كونها خططاً قصيرة الأمد، من دون بذل أي محاولة حقيقية لوضع سيناريوهات قد تهيئ لحلول جذرية.
لهذه الظاهرة أسباب عديدة ومعقدة، لا تجعل إيجاد الحلول سهلاً على المعنيين، بالرغم من تقصيرهم. عن هذا يقول الأستاذ الجامعي للعلوم البيئية، إسماعيل كهرم، إنّ الموقع الجغرافي لا يساعد طهران أبداً، فهي منطقة محاطة بالجبال التي تحاصرها من أكثر من جهة، كما أنّ معدل هطول الأمطار فيها متدنٍّ في فصل الشتاء.
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يضيف كهرم أنّ تقلص المساحات الخضراء وتفضيل تحويل طهران إلى كتلة إسمنتية بدلاً من الحفاظ على أشجارها يزيد هذه الأزمة، معتبراً أنّ أحد أهم عوامل التلوث يرتبط بوجود أكثر من مليونين و700 ألف سيارة، وعدد مساوٍ من الدراجات النارية، وكلّها تمشي في شوارع المدينة، وتنتج 85 في المائة من الدخان الملوث في أجوائها.
يوضح كهرم أنّ 30 في المائة من المصانع الإيرانية تقع في طهران وما حولها، ويخرج الدخان منها ليتركز فوق المدينة المنخفضة. يقول إنّ الأمور تصبح أكثر تعقيداً في فصلي الخريف والشتاء، على وجه الخصوص، بسبب تراكم الغيوم فوقها، وإحاطتها بالجبال ووجود الهواء البارد الذي يجعل الهواء الملوث عالقاً وغير قابل للدوران، وهو ما يتنفسه أكثر من 14 مليون نسمة يقطنون في العاصمة.