وتنتهي اليوم الأحد المهلة التي فرضها حلفاء أبو ظبي من الانفصاليين في الجنوب، على هادي لإقالة حكومة أحمد عببد بن دغر تحت طائلة "اتخاذ الإجراءات اللازمة". ولا يمكن قراءة مخرجات اجتماع عدن، يوم الأحد الماضي، لقيادات ما يُعرف بـ"المقاومة الجنوبية"، خصوصاً المحسوبين على "المجلس الانتقالي" الانفصالي وأبوظبي، بمعزل عن التحركات التي قامت بها الأطراف المختلفة في اليمن والجنوب تحديداً. فالاجتماع أصدر بياناً متضارب المحتوى، لكنه في المجمل يضع خطوطاً جديدة للمرحلة المقبلة في الجنوب واليمن عموماً، على الرغم من انسحاب عدد من القيادات الجنوبية من هذا اللقاء ورفضها مخرجاته، ما قد يؤدي إلى شق الكيانات الجنوبية.
وأكد اللقاء العمل لتحقيق أهداف التحالف كالتزام يقدمه "المجلس الانتقالي" للتحالف، كما اعترف بهادي كرئيس للجمهورية وقال إنه يسعى إلى شراكة حقيقية مع الشرعية، لكنه في الوقت نفسه اتهمها (الشرعية) بالعمل ضد أهداف التحالف "وخصوصاً الإمارات" وضد الجنوب والشعب الجنوبي، ومحاربة مجلسه الانتقالي، وأن حكومتها فاسدة ومخترقة، ودعا إلى تغييرها في غضون أسبوع مهدداً باتخاذ إجراءات لإسقاطها بعد انتهاء المهلة المحددة، معيداً للأذهان خطاب الحوثيين في 2014 ضد حكومة باسندوة، والذي انتهى بالسيطرة على صنعاء.
أما نائب رئيس "المجلس الانتقالي" هاني بن بريك، فقال إنهم (المجلس) سيقفون مع كل من يحارب الحوثيين ولو كان معهم سابقاً، في إشارة إلى طارق صالح وقواته. من جهته، قال أحمد بن بريك، رئيس الجمعية الوطنية التي أعلنها "المجلس الانتقالي" كهيئة تشريعية، أن حزب "الإصلاح" هدف ستتم محاربته، على الرغم من أن "الإصلاح" يخوض حرباً ضد الحوثيين تحت مظلة هادي منذ 3 أعوام، وهذه معطيات يصعب الجمع بينها أيضاً، إلا بالنظر إلى أن علاقة "الإصلاح" بالإمارات لم تتجاوز أزمة الثقة المستمرة.
تطورات متسارعة
وسبقت هذا الاجتماع تطورات عدة على مستوى التحالف وحكومة بن دغر التي استقرت أخيراً في عدن، وأعلنت أول موازنة للبلد منذ 2014. ويبدو أن استقرارها في عدن سيحرك عجلة التنمية ويكرس الاستقرار الأمني ولو نسبياً، وهو أمر لا يخدم الأجندات الفرعية ولا التشكيلات شبه العسكرية التي شكّلتها الإمارات منذ عامين، كـ"قوات النخبة" الحضرمية والشبوانية والمهرية، و"قوات الحزام الأمني" في عدن والمحافظات المجاورة لها.
كذلك تم افتتاح العام التدريبي لألوية الحماية الرئاسية، وهي التشكيلات الوحيدة تقريباً التي تتبع هادي من دون المرور بوسائط أخرى، وهذه الألوية خاضت اشتباكات مسلحة مع "قوات الحزام الأمني" العام الماضي في الصراع على المؤسسات الرسمية، خصوصاً الموانئ. وترددت أنباء عن عودة مهران القباطي، قائد اللواء الرابع حماية رئاسية، بعد منعه من دخول عدن منذ اشتباكات المطار العام الماضي التي اشتركت فيها الإمارات بطائرات "أباتشي" يومها.
في الوقت نفسه قام السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، بزيارة عدن عقب إيداع بلاده مبلغ ملياري دولار في حساب البنك المركزي اليمني لدعم العملة اليمنية التي تعرضت لانهيار حاد قبل أيام، وظهر في الزيارة بصفته رئيس مركز إسناد العمليات الإنسانية الشاملة التي دشنتها الرياض من محافظة مأرب اليمنية، فعقد اجتماعات تتعدى صفته الدبلوماسية، وزار منشآت لا ترتبط بطبيعة عمله. وكذلك فعل المتحدث باسم قوات التحالف من قبله، وهو سعودي الجنسية أيضاً. وتم استقبال الرجلين بطريقة تتجاوز الأعراف الدبلوماسية من قبل حكومة بن دغر.
هذه الأنشطة تعني أن السعودية قررت الحضور المباشر في الجنوب بعد تركها تلك الجغرافيا تحت قبضة الإمارات منذ أكثر من عامين، وعملت الأخيرة على تكريس حضورها بأشكال مختلفة وصلت حد إنشاء كيانات عسكرية مسلحة، تمارس سياسات لطالما عارضها هادي.
وفي تطور لافت أيضاً، تحدث وزير النقل اليمني مراد الحالمي، عن العمل على إسناد حماية الموانئ اليمنية لقوات تابعة للشرعية أخيراً، وهذا يعني خروج القوات الإماراتية من هذه المنشآت الحيوية التي تتولى الإشراف عليها. ولا تتوفر معلومات عن دوافع الحالمي لهذا الإعلان، غير أنه لا يخلق علاقة هادئة مع أبوظبي التي تتعامل مع الأراضي التي تخضع لسيطرتها كصاحبة القرار الأول فيها.
عدن نحو صراع جديد؟
بين كل هذه التطورات جاء ظهور طارق صالح كعود ثقاب أشعل التوترات الصامتة بين الشرعية وحزب "الإصلاح" من جهة، والإمارات من جهة أخرى، مع موقف غامض للرياض. فالرجل الذي لم يعترف بشرعية هادي حتى الآن، تعاملت معه الإمارات كفرصة لاستثمار إرث علي عبدالله صالح لحسابها بعيداً عن حسابات هادي ورؤيته لضرورة توحيد جبهة الشرعية. وأدت الأنباء عن تمكين طارق صالح من معسكرات في الجنوب لتكون مقرات تدريب لقوات تابعة له لمواجهة الحوثيين، إلى استنفار كبير في أوساط الشرعية من جهة، وفي أوساط بعض القوى الجنوبية من جهة أخرى، وتداعت "المقاومة الجنوبية" التي لم تعد كياناً موحداً، لرفض ذلك.
وبالنظر إلى أهداف التحالف المعلنة، فإن إعادة الشرعية إلى السلطة على الأرض كانت الهدف الأبرز له، مع الالتزام بالحفاظ على وحدة اليمن وسلامة أراضيه. لكن "المجلس الانتقالي" الذي يرأسه عيدروس الزبيدي، تمسك في اللقاء الأخير، يوم الأحد، بالدعوة إلى الاستقلال وإعلان الدولة الجنوبية، ودعا "قوات المقاومة الجنوبية" إلى "تعزيز الجبهات الحدودية"، من دون أن يوضح أين تقع الحدود المقصودة، وهذا لا يتوافق مع حديثه عن الالتزام بأهداف التحالف واعترافه بشرعية هادي.
وإذا كان من المفترض أن يكون انعقاد البرلمان في مدينة عدن هدفاً تسعى إليه الشرعية منذ أكثر من عام، ورأت أن مقتل صالح سيحقق لها هذا الهدف أخيراً، وأن التحالف يدعم مساعي الشرعية لممارسة مهامها وتعزيز حضورها، فإن لقاء الأحد رفض السماح بانعقاد جلسة البرلمان في عدن، مبرراً ذلك بأنه "حفاظ على مستقبلنا السياسي"، وهذا أمر يصعب أن يتم من دون ضوء أخضر من التحالف لكنه يتعارض مع أهدافه المعلنة في اليمن كلياً.
مخرجات لقاء أكدت على العمل مع التحالف والالتزام بأهدافه، لكنها ناقضت الأهداف المعلنة للتحالف، بالدعوة لاستقلال الجنوب، والتعامل مع "المجلس الانتقالي" كممثل وحيد للجنوب يمنع أي تواجد شمالي على أراضيه، ورفض انعقاد جلسات البرلمان في عدن، وتشكيل قوات عسكرية خارج مظلة الشرعية، والدعوة للشراكة مع الشرعية من دون صفة قانونية للمجلس الذي اعترف بسلطة هادي للمرة الأولى في إطار رفضه لحكومته وسياساته أيضاً.
جدية بيان اللقاء قد تؤدي حتماً إلى صراع خطير في عدن ما لم يتراجع "المجلس الانتقالي" عن تحذيره لهادي، ورفضه انعقاد البرلمان، أو أن يستجيب هادي لمطالبته بتغيير الحكومة، وإن بدا مطلباً بلا بدائل واضحة، فالمجلس لم يسمح للحكومات السابقة بممارسة مهامها من عدن، حتى أن عيدروس الزبيدي رفض تسليم مقر محافظة عدن لخلفه الذي عُيّن محافظاً، عبدالعزيز المفلحي، حتى استقال الأخير.
هذه التطورات لا تتوقف على الأطراف اليمنية، فإذا كان التحالف قد قرر الإطاحة بحكومة بن دغر عن طريق "المجلس الانتقالي الجنوبي"، فهي سابقة لن تتوقف تداعياتها هنا، وإذا كانت الإمارات وحدها تتبنّى هذا الموقف، فأين ستقف حدود تنافسها مع السعودية في اليمن؟ والأهم أن القبول بهذا المطلب سيعطي مجالاً لتمرير مطالب "المجلس الانتقالي" الأخرى، كمطالبته باستقلال الجنوب، وهذا يعني أن أهداف التحالف في اليمن مختلفة تماماً عن المعلن منها، لكن الكشف عنها يتم بالتقسيط، وبأقنعة مختلفة كل مرة.
أما إذا سارت الأمور بعكس ما طلبه لقاء عدن، فإن مستقبل "المجلس الانتقالي" سيكون على المحك، وسيفقد مصداقيته وحضوره، ما قد ينهي دوره في الجنوب، أو يدفعه للتحول إلى تمرد مسلح على الشرعية بعد إعلانه تشكيل "قوات المقاومة الجنوبية" وإعادة توجيه النسخة الجديدة منها ضد الشرعية وليس ضد الحوثيين.
بالمجمل لن يستطيع "المجلس الانتقالي" ممارسة دوره على الأرض من دون رعاية الإمارات، وقد بدت بصمتها واضحة على قراراته الأخيرة، لكن السيناريو المرتقب سواء المواجهة أو التسوية بين المجلس والشرعية، سيعتمد على درجة الخلاف أو التنافس بين الرياض وأبوظبي في الملف اليمني، خصوصاً بعد زيارة السفير السعودي إلى عدن وتبشيره بدور قادم لبلاده هناك. عودة سفارة الرياض إلى عدن تعني مقدمة لعودة النشاط الدبلوماسي بين اليمن والعالم، بالتزامن مع دعوات لعمل المنظمات الدولية من عدن أيضاً، وهذا يجعل موقف الشرعية أقوى ولكن بما لا يخدم الإمارات، فلم يتم السماح للحكومة الشرعية حتى بتصدير النفط من موانئ الجنوب الواقعة تحت قبضة أبوظبي.