في مايو/ أيار 2011، استيقظ التونسيون على أول عملية إرهابية تنفذ في تونس، بعد أربعة أشهر فقط من إعلان ثورتهم وإنهاء حكم الرئيس، زين العابدين بن علي. ظنوا في البداية أن "عملية الروحية" في ولاية أريانة ليست سوى حدث عابر قد يكون مجرد مغامرة فردية، ولم يدر في خلدهم أن ما حصل يومها ليس سوى المشهد الأول من مسلسل دام سيستمر إلى الآن، مخلّفاً عشرات القتلى والجرحى. وطيلة هذه المرحلة التي تجاوزت الخمس سنوات، تجمعت آلاف المعطيات المتعلقة بهذه الظاهرة التي نمت بسرعة على حساب أهداف الثورة ومصالح التونسيين، لكن هذه المعطيات بقيت محتكرة من قبل الأجهزة الأمنية، ولم تصل إلى الباحثين كي يخضعوها للنقد والتمحيص، وينطلقون منها لفهم أسباب الظاهرة، ورسم ملامحها، ويفككون رموزها، وهو ما قام به "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية".
واستطاع المنتدى، الذي يمثل إحدى المؤسسات الناشطة في المجتمع المدني، من خلال فريق عمل يتألف من باحثين، الاطلاع على 430 ملفاً قضائياً خاصاً لمتهمين تمت محاكمتهم بسبب تورطهم في قضايا تتعلق بالإرهاب واستخدام السلاح. وقد وفرت هذه الفرصة الاطلاع على كم هائل من المعلومات التي مكّنتهم من صياغة تقرير أولي لهذا الجسم الهلامي الذي لا يزال يشغل التونسيين، رغم اتساع رقعة الذين يتعرضون للإيقاف والمحاكمات بشكل يومي. وحتى يتجنب فريق البحث التورط في أخطاء من شأنها أن تثير الشكوك حول المعلومات التي استند إليها، قرر الاكتفاء بدراسة ألف حالة من خلال المعطيات التي اعترف المتهمون بها أمام القضاء. كما اعتمد الباحثون فقط على القضايا التي صدرت في شأن أصحابها أحكام نهائية.
وأكدت المعطيات أن التنظيمات الإرهابية في تونس ذكورية بامتياز، لكن اللافت أن هذه التنظيمات سرعان ما أوكلت لعدد من التونسيات، اللاتي التحقن بها، أدواراً قيادية، مثلما حصل مع فاطمة الزواغي، التي تحملت مسؤولية الإشراف على مواقع التواصل الإلكتروني، وكذلك تكليف بعض النساء بإعطاء الأوامر خلال مرحلة اتساع رقعة الاعتقالات في صفوف التنظيم. كما تم تدريب العديد منهن على استخدام السلاح والقتال في الجبال.
ليست هذه أول مرة تنجز فيها دراسة عن ظاهرة الجماعات العنيفة في تونس، إذ سبق في عهد الرئيس منصف المرزوقي أن كلف مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية العمل حول هذه الظاهرة، لكن ما ميّز تقرير "الإرهاب في تونس من خلال الملفات القضائية"، الذي قام به "المركز التونسي للبحوث والدراسات حول الإرهاب"، كونه أول جهد يقوم به باحثون بدعم من إحدى منظمات المجتمع المدني، ويستند إلى معلومات موثقة، وإلى اعترافات جزء مهم من المنخرطين في إدارة هذا العنف المنظم، ما من شأنه أن يسمح بتأسيس خطاب قد يكون أقرب للموضوعية عند تحليل هذه الظاهرة المعقدة، وخاصة فهم الآليات التي من شأنها أن تساعد على فهم كيفية انتقال الشخص من حالة تفاعل مع الخطاب الدعائي للتنظيمات الإرهابية إلى عنصر منخرط ومنفذ لعمليات إرهابية فظيعة. إذ ما ينقص في تونس هو التعامل بموضوعية ودقة مع كل المعطيات الخاصة بهذا الملف، فالتشنج والأسلوب الخطابي وتجييش المشاعر لن يساعد على حسن إدارة معالجة هذا الملف الذي سيبقى مطروحاً لسنوات.