انضمت قرى وادي بردى إلى قائمة المناطق التي تم تهجير سكانها ومقاتليها، من ريف دمشق إلى مدينة إدلب في الشمال السوري، ضمن خطط النظام السوري لإفراغ محيط العاصمة من أي وجود للمعارضة. وهي خطوة لم تجد اعتراضاً من المعارضة المسلحة، المشغولة في الشمال، بالاقتتال وإعادة الاصطفاف، باستثناء "جيش العزة" في ريف حماة، الذي قال إنه "يعتبر نفسه في حل من اتفاق وقف النار بسبب خرقه من جانب النظام".
في وادي بردى، بدأ تنفيذ الاتفاق بين النظام والفاعليات العسكرية والأهلية اعتباراً من يوم السبت، وقضى الاتفاق على وقف إطلاق النار وجميع الأعمال العسكرية ودخول وحدة من قوات النظام إلى منشأة نبع الفيجة، برفقة عمال الورش لإصلاح المنشأة مع رفع علم النظام، بينما أخلى مقاتلو المعارضة نقاط تمركزهم من المنشأة إلى محيطها، مع بقاء ممثل عنهم لتنسيق تنفيذ نقاط الاتفاق مع قوات النظام.
وأفادت مصادر النظام بأن "مقاتلي المعارضة أحرقوا مقراتهم قبل مغادرتهم المنطقة، فيما دخلت سيارات الإسعاف لإخلاء الجرحى، كمرحلة أولى لخروجهم من عين الفيجة، ووفق ما يتناسب مع ظروفهم الصحية باتجاه بلدة دير قانون المجاورة". وتمّت أمس الأحد، تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، المتمثلة في خروج مقاتلي المعارضة وعائلاتهم نحو إدلب، برفقة سيارات الهلال الأحمر".
وقال الناشط أبو محمد البرداوي لـ"العربي الجديد" إن "الدفعة الأولى شملت حافلات عدة، انطلقت من بلدة دير قانون باتجاه إدلب، حيث من المقرر نقل أكثر من نحو ألف من المقاتلين مع ألف آخرين من عائلاتهم". وقد بلغ العدد الإجمالي للحافلات التي دخلت إلى منطقة وادي بردى 56 حافلة، ومن المتوقع خروج 2100 شخص بينهم 70 مصاباً تحت إشراف الهلال الأحمر، وتجمّع مئات الأشخاص، بينهم عشرات الأطفال والنساء في بلدة دير قانون، بانتظار خروجهم من الوادي.
وبموجب الاتفاق، فإنه "يتم تسوية أوضاع المقاتلين الراغبين بالبقاء في مناطقهم، في حين تسجل أسماء الرافضين للتسوية ويُرحّلون إلى مدينة إدلب برفقة الهلال الأحمر السوري والصليب الأحمر الدولي". كما قضى الاتفاق بأن "تنسحب قوات النظام والمليشيات المساندة لها، من قرية بسيمة خلال فترة معينة، وتحافظ على وجودها في النقاط التي وصلت لها في قرية عين الفيجة، على أن تتم إعادة إعمار قريتي بسيمة وعين الفيجة خلال فترة زمنية محددة".
وفور انسحاب مقاتلي المعارضة من قرية عين الفيجة، توافد مسؤولو النظام الى المنطقة للتصوير والادلاء بالتصريحات في إطار ترويج النظام لنجاح استراتيجيته في المنطقة، والتأكيد أنها ستمتد إلى المناطق الأخرى المتبقية في ريف دمشق، تحديداً الغوطة الشرقية. ولا يختلف اتفاق وادي بردى عما سبقه من اتفاقات في ريف دمشق، لجهة إخراج المقاتلين وعائلاتهم باتجاه محافظة إدلب، وسيطرة النظام على مناطقهم. وهو ما حصل قبل ذلك في مدن وبلدات داريا، ومعضمية الشام، والتل، وكناكر، وخان الشيخ، وزاكية، وسعسع، وقدسيا، والهامة، في الأشهر القليلة الماضية.
وأتى تهجير وادي بردى بعد 38 يوماً من الحملة العسكرية التي شنّها النظام ومليشياته على المنطقة، تحت غطاء من القصف الجوي والمدفعي والصاروخي، الذي تزامن مع حصار مطبق، وفقدان جميع مصادر الموارد الغذائية والطبية والمحروقات والطاقة، وصعوبة الحصول على المياه وتعقيمها بالنسبة للسكان. الأمر الذي وضع أهالي الوادي في مأساة إنسانية في ظل انقطاع شبكات الاتصال والإنترنت.
وتمّ الاتفاق في وادي بردى، في ظلّ انشغال فصائل المعارضة بحالة الاستقطاب فيما بينها في الشمال، مع صدور رد فعل وحيد من جانب "جيش العزة" العامل في المنطقة الوسطى، والذي أعلن عدم التزامه بقرار وقف إطلاق النار، الموقع في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد استهداف مقاره بغارات جوية، ومضي النظام في تهجير وادي بردى.
وذكر بيان نشره قائد "جيش العزة" الرائد جميل الصالح على حسابه في "تويتر"، أمس الأحد، أن "جيش العزة يعلن عدم التزامه بوقف إطلاق النار، وأنه في حلٍ منه، وسوف يستمر في الدفاع عن الأرض والأهالي حتى إسقاط الطاغية بشار الأسد". وكان قد سقط عنصران من "جيش العزة" وأصيب 13 آخرين، من جراء غارات جوية على أحد مقاره العسكرية على أطراف مدينة اللطامنة، شمال حماة، كما استهدفت الغارات مدينة طيبة الإمام وقريتي الزكاة وحصرايا بريف المحافظة الشمالي. وينتشر "جيش العزة" في ريفي حماة وحمص الشماليين، وينتمي للجيش السوري الحر.
بدورهم، أكد ناشطون أن عدداً من المدنيين قتلوا وجرحوا، بينهم أطفال ونساء، أمس، في قصف جوي روسي استهدف مخيماً للنازحين في ريف حماة الشرقي، بعد استهداف القصف مخيماً يقع في محيط جبال البلعاس، الخاضع لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ما أسفر عن مقتل ثمانية مدنيين بينهم طفلان وثلاث نساء، وجرح عشرة آخرين، نقلوا إلى مستشفى الرقة الوطني لتلقي العلاج. كما قُتل خمسة مدنيين، بينهم امرأة وطفلة يوم السبت، جراء إلقاء طائرات النظام المروحية براميل متفجرة على قريتي خضيرة والقسطل بالريف الشرقي أيضاً.
في غضون ذلك، واصلت قوات "درع الفرات" هجومها على مدينة الباب الواقعة تحت سيطرة "داعش" في ريف حلب الشمالي الشرقي. وذكرت مصادر محلية أن فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، فتحت أمس جبهات عدة بالجهة الشمالية الغربية من مدينة الباب، وتمكنت من السيطرة على مجمع معامل الحديد شمالي مدينة الباب بعد معارك عنيفة مع عناصر التنظيم. ما أسفر عن مقتل ستة عناصر من "داعش" وجرح عدد آخر بعد استهداف تجمعاتهم بالرشاشات الثقيلة والمدفعية الثقيلة. وردّ "داعش" باستهداف تجمعات "درع الفرات" على أطراف قرية الأزرق موقعاً عدداً من الجرحى في صفوفها.
وترافقت المعارك مع قصف مدفعي تركي طاول العشرات من مواقع التنظيم داخل مدينة الباب، ومحيط قرية قديران، مسفراً عن مقتل 18 عنصراً منه، وإعطاب عدد من الآليات العسكرية، بحسب بيان عسكري تركي، بينما أعلن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، أن الطيران التابع له دمر نفقاً لـ"داعش" في مدينة الباب ومبنى يستخدمه التنظيم مقراً عسكرياً. وكشفت مصادر أن فصائل "درع الفرات" نجحت في تثبيت مواقعها في كل من قريتي السفلانية وقبر المقري، وتتخذهما قاعدة انطلاق رئيسية لهجماتها نحو مواقع "داعش" في الجهة الشرقية من مدينة الباب.
وفي موازاة تحركات "درع الفرات" في شمال مدينة الباب وشرقها، واصلت قوات النظام عملية مماثلة في جنوب مدينة الباب، وباتت على مقربة من المدينة، ولا تفصلها عنها سوى أربع قرى فقط، وذلك بعد أن سيطرت خلال الأيام القليلة الماضية على أكثر من خمس قرى، كان آخرها الشيخ دان والمشيرفة.
وفي تعليقه على تقدم قوات النظام في جنوب مدينة الباب، قال قائد فرقة "السلطان مراد"، أحد الفصائل المشاركة في عملية "درع الفرات" العقيد أحمد عثمان، لـ"العربي الجديد"، إن "المعارك التي يخوضها النظام مع داعش هي معارك شبه محسومة لصالح النظام، الذي لا يبذل أي جهد في السيطرة على مناطق داعش، بينما نراهم (لعناصر التنظيم) يدافعون بكل ما يملكون من قوة في الجبهات المفتوحة مع فصائل درع الفرات".
في غضون ذلك، تمكنت قوات النظام والمليشيات الموالية له من السيطرة على مواقع عدة في محيط مطار "التيفور" العسكري شرقي حمص، بعد معارك مع عناصر تنظيم "داعش". ونوّهت مصادر مقرّبة للنظام، إلى أن "قوات النظام سيطرت على كتيبة الدفاع الجوي (الكتيبة المهجورة) شمال مطار التيفور بعد هجوم من مختلف المحاور، فيما شنّت المقاتلات الحربية التابعة لسلاح الجو الروسي، غارات جوية على منطقة شاعر، ومحيط المطار".