04 فبراير 2024
الثورات العربية ... مواطنها شتى وهمُّها واحد
ثبتت في اللحظة التي أقلعت فيها طائرة زين العابدين بن علي شرقاً لحظة ولادة هلال الثورات في العالم العربي، والذي ثبت بولادته زمن عربي جديد، ومع الرأي الفقهي الراجح بثبوت الشهر الهجري في البلدان الإسلامية إذا ثبت في بعضها، بدأ عهد الثورات ينتشر، حتى مَن كان يلح على اختلاف المطالع، ويؤكد على تنوعها، لم يتمكن أن يثبت أن الهلال لم يطلع، وإن لم يره الناس، فقد اكتملت عدَّة زمن الاستبداد، ومن لم يثُر اليوم فقد نواه غداً.
سقط استثمار المستبدين العرب الخطاب القومي كأيديولوجيا، لكن الحاضنة العربية الإسلامية لشعوب العالم العربي، وسكانه ومحيطه، كانت، ولا تزال، بيئةً طبيعيةً للتواصل الحضاري والتكامل بين الناس، ووحدة الرؤية والمصير والقدر. وجعلت هذه الحقيقة من المتغيرات الجذرية التي تمس أيَّ إقليم ذات أثر حتميّ في أنحاء أخرى من العالم العربي، كنظرية الأواني المستطرقة.
ولعل القضية الفلسطينية أهم شاهد تاريخي على هذه الوحدة الطبيعية، فكانت، ولا تزال، مؤشراً على الفاعلية العربية، أو غيابها، وكان الكيان الصهيوني، ولا يزال، قادراً، بجرائمه وحروبه، أن يحرك العالم العربي والإسلامي، ويثير ضميره، ويفعِّل دور شعوبه عاطفياً، لكن الأنظمة المستبدة كانت قادرة على استثمار تلك العواطف، وكبحها، والسيطرة عليها، لئلا تتحول إلى فاعليةٍ، قد تؤثر في القرار السياسي لتلك الدول، وستظل القضية الفلسطينية مؤشراً على نجاح الثورات العربية واكتمالها، فعندما تتمكن دول الثورات العربية من حل هذه القضية حلاً عادلاً، يكون قد اكتمل رشدها وبلغت ما قامت الثورات من أجله، ولن تصل إلى هذه المرحلة بين عشيةٍ وضحاها، فعقود الاستبداد لا تزيل آثارها شهورٌ أو سنوات من عمر الثورات.
المهم أن الثورات أقلعت وشقت طريقها إلى المستقبل، وأن تكون قد أدركت أَن نصرها الحقيقي ليس بإسقاط النظام الفاسد، إنما بضمان عدم عودته بشكل أو بآخر، وذلك باستكمال الثورة على بنى الاستبداد، بالثورة على النفوس، وتحريرها من قابلية الاستبداد، وهذه المرة لن يكون هدف الثورة هو الحاكم، إنما أصنام أخرى كثيرة في الفكر والاقتصاد والمجتمع، وعليه، فلا يمكننا الجزم بانتصارٍ كاملٍ لأّيٍّ من الثورات العربية. لكن، يمكننا الجزم بأن دكتاتوريات سقطت، وأن زمناً عربياً جديداً بدأ، وما تزال البلاد العربية في طريق التحرير الذي يبدو طويلاً، ومكلفاً أيضاً.
بدأت الثورة في تونس، ولأن أسبابها مشتركة مع شعوب عربية أخرى، همُّها واحد هو إزالة الاستبداد والفساد، واستعادة الحرية والكرامة والحقوق، كان من الطبيعي أن تمتد إلى مصر فليبيا واليمن، وتترك أثرها في دول أخرى. ولن تقف عند سوريا الجريحة محطتها الأطول، ذلك أن الاستبداد في البلدان الأخرى كان استعصاؤه محلياً، فكانت الثورة عليه أقل كلفة، أما في سوريا، فواجه الثوار استعصاءً مضاعفاً، فالاستبداد فيها إقليمي ودولي، وكلفة انتصار الثورة فيها على العالم أكبر بكثير من كلفة قمعها بميزان المصالح، ولو كانت هذه الكلفة إنسانية.
العجز عن محاصرة الثورة التونسية بسبب مفاجأتها وسرعتها، دفعت الغرب إلى محاولة استثمار ما أمكن من تداعياتها الإقليمية، بتحالفات سياسية واقتصادية، أو بأساليب أخرى. أما وقد وصلت إلى بلاد الشام، فالعالم مجمع على أن تبقى سوريا استعصاءً، يحول دون نجاح الثورات، مع جهودٍ حثيثةِ لصبغ الثورات بصبغة الحروب، وجعل انتصارها مرهوناً بمعايير القوة والتحالفات، وليس بإرادة الشعوب. ومع ذلك، وبقدر استعصاء الاستبداد في سوريا، ثمة استعصاء للثورة السورية.
وانتصار ثورة تونس التي لم تدنس ربيعها رائحة البارود لم يكتمل، ما لم تنتصر ثورة سوريا، وما جرى ويجري هو مطلع الهلال، وإثبات بداية زمن جديد، وبين هلال الثورة واكتماله بدراً سنوات، وربما عقود من عمر الأمم، لكن الهلال أشرق، وإن حالت دون رؤيته غيوم ملبدة من آثار الدمار الذي يخلفه الاستبداد، ليحول دون رؤية الناس حركة الزمن.
سقط استثمار المستبدين العرب الخطاب القومي كأيديولوجيا، لكن الحاضنة العربية الإسلامية لشعوب العالم العربي، وسكانه ومحيطه، كانت، ولا تزال، بيئةً طبيعيةً للتواصل الحضاري والتكامل بين الناس، ووحدة الرؤية والمصير والقدر. وجعلت هذه الحقيقة من المتغيرات الجذرية التي تمس أيَّ إقليم ذات أثر حتميّ في أنحاء أخرى من العالم العربي، كنظرية الأواني المستطرقة.
ولعل القضية الفلسطينية أهم شاهد تاريخي على هذه الوحدة الطبيعية، فكانت، ولا تزال، مؤشراً على الفاعلية العربية، أو غيابها، وكان الكيان الصهيوني، ولا يزال، قادراً، بجرائمه وحروبه، أن يحرك العالم العربي والإسلامي، ويثير ضميره، ويفعِّل دور شعوبه عاطفياً، لكن الأنظمة المستبدة كانت قادرة على استثمار تلك العواطف، وكبحها، والسيطرة عليها، لئلا تتحول إلى فاعليةٍ، قد تؤثر في القرار السياسي لتلك الدول، وستظل القضية الفلسطينية مؤشراً على نجاح الثورات العربية واكتمالها، فعندما تتمكن دول الثورات العربية من حل هذه القضية حلاً عادلاً، يكون قد اكتمل رشدها وبلغت ما قامت الثورات من أجله، ولن تصل إلى هذه المرحلة بين عشيةٍ وضحاها، فعقود الاستبداد لا تزيل آثارها شهورٌ أو سنوات من عمر الثورات.
المهم أن الثورات أقلعت وشقت طريقها إلى المستقبل، وأن تكون قد أدركت أَن نصرها الحقيقي ليس بإسقاط النظام الفاسد، إنما بضمان عدم عودته بشكل أو بآخر، وذلك باستكمال الثورة على بنى الاستبداد، بالثورة على النفوس، وتحريرها من قابلية الاستبداد، وهذه المرة لن يكون هدف الثورة هو الحاكم، إنما أصنام أخرى كثيرة في الفكر والاقتصاد والمجتمع، وعليه، فلا يمكننا الجزم بانتصارٍ كاملٍ لأّيٍّ من الثورات العربية. لكن، يمكننا الجزم بأن دكتاتوريات سقطت، وأن زمناً عربياً جديداً بدأ، وما تزال البلاد العربية في طريق التحرير الذي يبدو طويلاً، ومكلفاً أيضاً.
بدأت الثورة في تونس، ولأن أسبابها مشتركة مع شعوب عربية أخرى، همُّها واحد هو إزالة الاستبداد والفساد، واستعادة الحرية والكرامة والحقوق، كان من الطبيعي أن تمتد إلى مصر فليبيا واليمن، وتترك أثرها في دول أخرى. ولن تقف عند سوريا الجريحة محطتها الأطول، ذلك أن الاستبداد في البلدان الأخرى كان استعصاؤه محلياً، فكانت الثورة عليه أقل كلفة، أما في سوريا، فواجه الثوار استعصاءً مضاعفاً، فالاستبداد فيها إقليمي ودولي، وكلفة انتصار الثورة فيها على العالم أكبر بكثير من كلفة قمعها بميزان المصالح، ولو كانت هذه الكلفة إنسانية.
العجز عن محاصرة الثورة التونسية بسبب مفاجأتها وسرعتها، دفعت الغرب إلى محاولة استثمار ما أمكن من تداعياتها الإقليمية، بتحالفات سياسية واقتصادية، أو بأساليب أخرى. أما وقد وصلت إلى بلاد الشام، فالعالم مجمع على أن تبقى سوريا استعصاءً، يحول دون نجاح الثورات، مع جهودٍ حثيثةِ لصبغ الثورات بصبغة الحروب، وجعل انتصارها مرهوناً بمعايير القوة والتحالفات، وليس بإرادة الشعوب. ومع ذلك، وبقدر استعصاء الاستبداد في سوريا، ثمة استعصاء للثورة السورية.
وانتصار ثورة تونس التي لم تدنس ربيعها رائحة البارود لم يكتمل، ما لم تنتصر ثورة سوريا، وما جرى ويجري هو مطلع الهلال، وإثبات بداية زمن جديد، وبين هلال الثورة واكتماله بدراً سنوات، وربما عقود من عمر الأمم، لكن الهلال أشرق، وإن حالت دون رؤيته غيوم ملبدة من آثار الدمار الذي يخلفه الاستبداد، ليحول دون رؤية الناس حركة الزمن.